لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك، و افرح بها لأنها برزت من الله إليك، قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون.

قلـت: قد تقدم في الحديث الشريف:" من سرته حسناته و ساءته سيئاته فهو مؤمن" و الناس في الفرح بالطاعة على ثلاثة أقسام:

قسم فرحوا بها لما يرجون عليها من النعيم، و يدفعون بها من عذابه الأليم، فهم يرون صدورها من أنفسهم لأنفسهم، لم يتبرءوا فيها من حولهم و قوتهم، و هم من أهل قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)..

و قسم فرحوا بها من حيث أنها عنوان الرضا و القبول، و سبب في القرب و الوصول، فهي هدايا من الملك الكريم، و مطايا تحملهم إلى حضرة النعيم، لا يرون لأنفسهم تركا و لا فعلا، و لا قوة و لا حولا، يرون أنهم محمولون بالقدرة الأزلية، مصرفون عن المشيئة الأصلية، و هم من أهل قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فأهل القسم الأول عبادتهم لله، و أهل القسم الثاني عبادتهم بالله و بقدرة الله، و بينهما فرق كبير..

و قسم ثالث، فرحهم بالله دون شيء سواه، فانون عن أنفسهم باقون بربهم، فإن ظهرت منهم طاعة فالمنة لله، و إن ظهرت منهم معصية اعتذروا لله أدبا مع الله، لا ينقص فرحهم لأنهم برزت منهم معصية، و لا يزيد إن ظهرت منهم طاعة أو يقظة لأنهم بالله، و لله أهل، لا حول و لا قوة إلا بالله، هم العارفون بالله، فإذا ظهرت منك أيها المريد طاعة أو إحسان، فلا تفرح بها من حيث أنها برزت منك، فتكون مشركا بربك، فإن الله تعالى غني عنك و عن طاعتك، و غني عن أن يحتاج إلى من يطيعه، قال تعالى: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) {العنكبوت/6، و قال صلى الله عليه و سلم حاكيا عن ربه عز و جل:" يا عبادي ، لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا"، و افرح بها من حيث أنها هدية من الله إليك، تدل على أنك من مظاهر كرمه و فضله و إحسانه، و الفرح إنما هو بفضل الله و برحمته، قال تعالى:( قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ)..

ففضل الله هو هدايته و توفيقه، و رحمته هو اجتباؤه و تقريبه، و قيــل: فضل الله الإسلام و رحمته القرآن، و قيل فضل الله هداية الدين و رحمته جنة النعيم، و قيـل فضل الله توحيد الدليل و البرهان و رحمته توحيد الشهود و العيان، و قيل غير ذلك، و الله تعالى أعلم..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire