النور له الكشف، و البصيرة لها الحكم، و القلب له الإقبال و الإدبار.

قلـت: النور من حيث هو، من شأنه أن يكشف الأمور و يوضحها، حتى يظهر حسنها من قبيحها، و من شأن البصيرة المفتوحة أن تحكم على الحسن بحسنه، و على القبيح بقبحه، و القلب يقبل على ما يثبت حسنه، و يدبر على ما يثبت قبحه، أو تقــول: يقبل على ما فيه نفعه و يدبر على ما فيه ضرره.

مثال لذلك، أن رجلا دخل بيتا مظلما، فيه عقارب و حيات، و فيه سبائك ذهب و فضة، فلا يدري ما يأخذ و ما يذر، و لا ما فيه نفع و لا ضرر، فإذا أدخل فيه مصباحا رأى ما ينفعه و ما يضره، و ما يأمنه و ما يحذره، كذلك قلب المؤمن العاصي، لا يفرق بين مرارة المعصية و حلاوة الطاعة، فإذا استضاء بنور التقوى عرف ما يضره و ما ينفعه، و فرق بين الحق و الباطل، قال تعالى: (إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) الأنفال29، أي نورا يفرق بين الحق و الباطل، و قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) الأنعام122، و قال تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) الزمر22، و هذا النور الذي يكشف الأمور هو نور الواردات المتقدمة، الذي هو مطايا القلوب إلى علام الغيوب،

أولها نور وارد الانتباه، و من شأنه أن يكشف ظلمة الغفلة، و حسن اليقظة، فليقبل القلب حينئذ على ذكر ربه، و يدبر عما يغفله عن ربه، و هذا هو نور الطالبين.

الثاني، نور وارد الإقبال، و من شأنه أن يكشف ظلمة الأغيار، و يظهر بهجة المعارف و الأسرار، فتحكم البصيرة بضرر الأغيار و حسن الأسرار، فيقبل القلب على بهجة الأسرار، و يدبر على ظلمة الأغيار، و هذا هو نور السائرين.

الثالث، نور وارد الوصال، و من شأنه أن يكشف ظلمة الكون، و رداء الصون، و يظهر نور تجليات المكون، فيقبل القلب على مشاهدة مولاه، و يدبر عن الالتفات إلى ما سواه، و هذا هو نور الواصلين، و هو نور المواجهة، و نو ر ما قابله نور التوجه..

و إن شئــت قلت: هو نور الإسلام و الإيمان و الإحسان:

فنور الإسلام يكشف ظلمة الكفر و العصيان و يظهر نور الانقياذ و الإذعان، فتحكم البصيرة بقبح الكفر و العصيان، و حسن نور الإسلام و الإذعان، فيقبل القلب على طاعة ربه، و يعرض عما يبعده عن ربه..

و نور الإيمان يكشف ظلمات الشرك الخفي، و يظهر بهجة الإخلاص و الصدق الوفي، فتحكم البصيرة بقبح الشرك و ضرره و حسن الإحسان و خيره، فيقبل القلب على توحيد ربه، و يعرض عن الشرك و شره..

و نور الإحسان يكشف ظلمة السوى، و يظهر نور وجود المولى، فتحكم البصيرة بقبح ظلمة الأثر و حسن نور المؤثر، فيقبل القلب على معرفة مولاه و يغيب بالكلية عما ســواه.

و إن شئت قلـت: هذا النور هو نور الشريعة، و الطريقة و الحقيقة، فنور الشريعة يكشف ظلمة البطالة و التقصير، و يظهر نور المجاهدة و التشمير، فتحكم البصيرة بقبح البطالة و حسن المجاهدة، فيقبل القلب على مجاهدة الجوارح في طاعة مولاه، و يدبر على متابعة حظوظه و هواه، و نور الطريقة يكشف ظلمة المساوئ و العيوب، و يظهر بهجة الصفاء و ما يثمره من علم الغيوب، فتحكم البصيرة بقبح العيوب، و حسن الصفاء و علم الغيوب، فيقبل القلب على ما يوجب التصفية، و يدبر على ما يمنعه من التخلية و التحلية، و نور الحقيقة يكشف ظلمة الحجاب و يظهر له محاسن الأحباب،

أو تقــول: نور الحقيقة يكشف له ظلمة الأكوان، و يظهر نور الشهود و العيان، فيقبل القلب على مشاهدة الأحباب داخل الحجاب، و يدبر عما يقطعه عن الأدب مع الأحباب، جعلنا الله معهم على الدوام في هذه الدار، و في دار السلام آمين.

 

كيف تفرح بالطاعة

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire