ربما استحيى العارف أن يرفع حاجته إلى مولاه اكتفاء بمشيئته فكيف لا يستحيي أن يرفعها إلى خليقته.

      قلت: العارف هو الذي بلغ من التقرب و القرب حتى امتحق عن نفسه بالكلية، و زالت عنه الأينية و الغيرية، بحيث لم يبق له عن نفسه إخبار، و لا مع غير مولاه قرار، فإذا أراد أن يسأل عبودية استحيى من مولاه أن يثبت معه سواه اكتفاء بمشيئته، و تحقيقا لأحديته، فإذا كان يستحيي من مولاه أن يرفع حوائجه إليه، فكيف لا يستحي منه أن يرفعها إلى غيره، فلا جرم أن الحق سبحانه و تعالى يعطيه أفضل ما يعطي السائلين، و يبوؤه في مقعد صدق مع النبيين و الصديقين، و قد تقدم الحديث" من شغله ذكري عن مسألتي..."

   و قال سهل بن عبد الله: ما من وقت إلا و الله تعالى مطلع فيه على قلوب عباده، فأي قلب رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه الشيطان و حجبه عنه/.

   و قيل للواسطي: لم لا تسأل الله شيئا، فقال: أخشى أن يقال لي إن سألتنا الذي لك عندنا فقد اتهمتنا، و إن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت الأدب معنا، و إن سلمت الأمر لنا و نظرت بنظرنا أجرينا لك الأمور على مقتضى الموافقة/.

   و هذا آخر الباب الموفي عشرين، و حاصلها الكلام على الكرامات و ما ينشأ عنها من العبارات، لأن الكرامة الحقيقية هي الاستقامة على العبودية و مشاهدة أنوار الربوبية، فإذا تحقق ذلك في الولي فاض بالحكم، و أذن له في التعبير، فحينئذ ربما يقبل عليه الخلق بالعطاء، فإذا عرف فيهم مولاه حل له الأخذ من أيديهم و إلا فلا.

   و أما السؤال منهم لقوت البشرية فلا يتصور من العارفين استحياء من الله، و اكتفاء بعلمه و مشيئته، هذا مقام الواصلين، و أما السائرون فهم عاملون على مجاهدة نفوسهم، فإن ثقل عليه السؤال قدموها إليه، و إن ثقل عليها الصبر و الفاقة و الاكتفاء بالمشيئة و العلم قدموه كما بين ذلك الشيخ رضي الله عنه في أول الباب الحادي و العشرين الذي يأتي بعده.

تحقق بأوصافك يمدك بوصفه

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire