الآية السادسة من آيات الشفاء:

ووردت في الآية 44 من سورة فصلت الشريفة، ونصها: (قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ)، والمقصود وحي الله المنزل بأنوار هذا النبي المرسل، وللآية مبتدأ تمهيدي تدل عليه قال تعالى: (وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيّٗا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥٓۖ ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّٞۗ) وله خبر إعجازي من الأعراض يجر إليه، قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ).. وهذا الذي يمكن أن نسميه: الدلالة بالبينات السقيمة على من لم يؤمن بالآيات الكريمة...

وهذه السورة العظيمة هي واحدة من الحواميم السبع، وتسمى كذلك (حم السجدة) لإحوائها على سجدة، و"حم" في المعنى السرياني كما هو معلوم تدل على الإحاطة والشمول للجميع لمعنى الحاء، ولنور الذات البين في الصفاء الخلقي والكمال الأخلاقي.. وهذا ما تدل عليه السورة الشريفة في التعريف بهذا الكتاب العظيم، وما دلت عليه آية الشفاء مع صدرها وعجزها.. وما تبينه الآيات العظيمة قبلها وبعدها من الدلالات العلمية التي يشترط أن تكون قواعد بيانات لسَن منهج الحياة الملائم للحفاظ على طبيعة الحياة المقننة، والتي لا يجب العبث بها..

والخصوصية في هذا النوع من الشفاء أنه مرتبط بهداية قبلية منفتحة على شفاء بالتأكيد على شفاء معرفي، وهو خاص للذين آمنوا دون غيرهم (قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ)..

فهذا النوع من الشفاء موقوف على الهدية، وهذه الهداية موقوفة على الإيمان، وهذا الإيمان موقوف على أنواع من العلاجات النفسية (وهذا ما نريد أن نستخلصه من هذه السورة) وكأنه تحدي فعلي لغير المؤمنين (على من يعتمد الصلاح والإصلاح والوعض والإرشاد أن يتعلمها، وإلا كان بعيدا عن أسباب الهداية)، ومن تأمل ما افتتحت به السورة الشريفة من قوله تعالى: حمٓ .. تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ .. (منزل من لدن الرحين بعباده والرحمن بأحوالهم).. كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ .. (آيات هذا الكتاب مفصلة، وبلغة مفهومة وليست مبهمة، ولا يتنافى مع أي علم نافع وقوم صالحين) بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا (وفيه كل ما يبشر بالاتباع وينذر من الاالبعد والابتداع بما جاء فيه) فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ .. (مع الأسف الشديد ولم يجدوا قوة لفهمه والامتثال له) .. وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ (أغلقت قلوبهم بأكنة فما فهموه) وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ (وآذانهم أغلقت فما سمعوه) وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ(ووقع بينهم وبين الداعي إليه سد مانع وحجاب قاطع) فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ ...

وأما معنى قوله تعالى: .. وَقَالُواْ: قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ... فالأمر يتعلق بلسان حالهم، وكذلك سياق المعنى، إلى يحصل إلى قولهم: فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ... ويجب مراعاة هذه السياقات الخطابية من كتاب الله تعالى فإنها سياقات التعامل السلوكي مع الخطاب القرآن ومنهج العمل به..

فيا ترى ما هي سلوك " أَكِنَّةٖ" التي سدت على القلوب؟ وما هي مكونات " وَقۡرٞ " التي تصم الآذان، وما هي هيأة " حِجَابٞ" التي تسد الآفاق على العبد حتى لا يعبث بإيمانه وصحته وسعادته ويسعى عكس مصالحه؟؟؟... والكل الآن يتكلم على الطب النفسي وما فوق النفسي، وكيف يفعل العبد حتى يتخلص من عقبات ماضيه ويأمن من منعرجات حاضره ويسلم من منحدرات مستقبله؟... وماذا يفعل حتى يتفاعل العقل بمفرزاته الإيجابية والغدد بهرموناتها المغذية والمؤثرة حتى تزود وظائف الأعضاء من دقها إلى جلها..

وفي هذه السورة العظيمة من هذه الآيات الموجهة والموقضة والمنبهة لهذا القرآن العظيم الذي ما ترك شيئا من العلوم والفهوم والدلالات إلا وجه العقول والقلوب إليها مقابل هذا الضعف الذي خلقه الله في الإنسان.. وهذا السر يعرفه اعداء الحقيقة، وتنبه إليه السورة الشريفة من قوله تعالى: وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ.. وهذه آية عجيبة المعنى لمن تأملها، فهي تعالج زوجين من التعامل مع القرآن:

أولها: تعاملي وهي توصية الكفار في التعامل مع القرآن وقالوا: لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ (وهذا أمر أول حتى لا تدخل الرحمات بأنوار حروفه أو توجيهات اوامره.. فيجب الاستماع إلى القرآن وقراءته وسماعه وإسماعه) والثاني: وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ (اللغو معلوم على لسان العرب وهو الكلام بما لا يفيد... ولكنه على الأنوار على معان معمقة، من تأملها يجد أن ما يعالج به القرآن في زماننا محض لغو سواء من اعدائه أو أدعيائه).. فكل من لغا في القرآن فقد عادى الرحمن وكان من أهل الشيطان..

اما ثانيها: فتدل عليه ما سلف من الآية الكرمية، ويعتني الجنسين من الثقلين وما يتعلق بهما من سلوك وما يترتب عليه، قال تعالى: وَقَيَّضۡنَا لَهُمۡ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ، وَحَقَّ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلُ فِيٓ أُمَمٖ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ خَٰسِرِينَ... فافهم ما يتعلق بينهما وما يمكن أن يتأثر وكيفية ذلك... .

ولا تترك السورة دلالة علميو تتعلق بهذا الفهم إلا ذكرتها بأسانيدها الدلالية كالآية التي يختم الله بها هذه السورة الجليلة قال تعالى: سَنُرِيهِمۡ ءَايَٰتِنَا فِي ٱلۡأٓفَاقِ وَفِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَ لَمۡ يَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ.. فالآفاق جاءت مسبوقة على الأنفس لدلالاتها كما ذكر المفسرون، والأعمق ان النفوس جامعة للآفاق ومرتبطة بها، وكأن الآفاق هي إعراب للنفوس حولها، او الافاق تتأثر إيجابا بالنفوس الطيبة أو ان الإنسان يتأذى الآفاق المتكسرة، وذلك علم لم يعتن به علماء عصرنا وهو علم الساعة (وهو أبعد مما يذكره بعض الوعاض في علاماتها الصغرى والمتوسطة والكبرى) وإليه تشير الآية الآية الكريمة: إِلَيۡهِ يُرَدُّ عِلۡمُ ٱلسَّاعَةِۚ وَمَا تَخۡرُجُ مِن ثَمَرَٰتٖ مِّنۡ أَكۡمَامِهَا وَمَا تَحۡمِلُ مِنۡ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلۡمِهِۦۚ... وقد سبق الكلام عليه في موضوع سبق، وسنرجع إليه بتخصص بحول الله... .

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire