الآية الرابعة من آيات الشفاء:

وردت هذه الآية الشريفة في سورة الإسراء العظيمة ونصها: وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ.. وجوابها او عجزها: وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا...

فالآية هنا جاءت بنوع من الشفاء أرقى وأنقى من الشفاء من الأمراض والأعراض والعلل، وهو هنا مرتبط بباب لا يستغني عنه مؤمن بالله ومصدق لما نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: شِفَآءٞ وَ "رَحۡمَةٞ" لِّلۡمُؤۡمِنِينَ.. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على شفاء مخصص فقط للمؤمنين ولا دخل فيه لغيرهم، بخلاف الآية السابقة ففيها شفاء للناس على مختلف مشاربهم، و الذي يعتني بنوع من دواء مخصص لعلل مختلفة كلما اختلفت ألوان العسل وأشكاله ومصادره....

وسورة الإسراء لها خصوصيات في المراقي الإيمانية للعبد المؤمن، و في أبواب الترقي السلوكي المرتبط بيقين العبد المؤمن وتسليمه في مدارج السالكين وغرفه من مناهل اليقين وبحار المتقين.. ومن تأمل هذه السورة العظيمة، فإنها أرخت لحدث عظيم للإنسانية في شخص النبي الكريم، وهي إسراءه صلى الله عليه وسلم من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عروجه ليرى من آيات ربه العظمى قال تعالى في مستهل السورة: سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ َايَٰتِنَآۚ... فهذا الخرق للعادة البشرية كما يبدو في الطبيعة العادية، هو حق وممكن إذا خرق العبد من نفسه الركون إلى العادة البشرية وانسلخ من الطباع الشيطانية وانغمس في مراقي السلوك الربانية..

وسميت السورة الشريفة سورة "بني إسرائيل" ومن تأمل ما ورد من ذكر سلوك بني إسرائيل يجده الجدار العازل بين صفات البشرية الفاسدة ومكارم الأخلاق الرافدة، وبين مهاوي النفس الأمارة، وسموها ورقيها إذا اطمأنت بسيدها ومولاها.. ومن جمعها جمعا وعدها عدا في هذه السورة الشريفة وخالفها قلبا وقالبا وصل إلى حقيقة الشريعة ورقائق الطريقة في خرق العوائد الدنية وتحلى بالأخلاق السنية..

وسميت كذلك سورة "سبحان" كما استهلت به السورة الشريفة، ومقصدها توحيد الله بصيغ تقتضي التفاعل في الذات والانفعال مع المكونات والكائنات، ومن تأمل قوله تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۚ.. يفهم أن الكل مرتبط بالكل والكل لا ينفك عن الكل، والإنسان قطب بينهم يسبح كما يسبحون بل ينسق التسبيح بينهم.. ومن تأمل قوله تعالى: مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ &عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ.. فإنه يتأكد أن ثمرة العمل تكون على العامل أولا وأخيرا، وأن السر هو مكنون بين جنبي هذا المخلوق الإنسان، فإن أزال عنه الأكدار انتفع بما فيه من الأنوار، وحلق في سماوات المتقين والأطهار...

ومن أسرار هذه المحجوبات عن الإنس فإنه يدخل في الرحمة المصحوبة بالشفاء في هذه السورة التعرف على أسرار مخلوقات أخرى تسبح الله كما أمر وأخرى تعصيه كما نهى وهي الجن، ولذلك يقول سبحانه: قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا...

وأسرار هذه السورة عظيمة وجليلة وكثيرة خصوصا في باب خرق العوائد من النفس والإقبال على العوالم الربانية، وقد ورد في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما كربني أمر إلا تمثل لي جبريل عليه السلام، قال: يا محمد! قل: توكلت على الحي الذي لا يموت.. و (الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا).. وفي رواية كان يسميها صلى الله عليه وسلم آية العز أو آية العزة..

وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، استقبله رجل رثُّ الثياب رثُّ الهيئة، مستقام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فلان.. ما الذي بلغ بك ما أرى؟ قال: الفقر والسقم.. قال: أفلا أعلمك كلمات، إذا قلتهن ذهب عنك الفقر والسقم؟ فقال: لا، ما يسرني بهذا إني شهدت معك بدراً وأحداً، قال: فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ قال أبو هريرة : فقلت: يا رسول الله! فعلمنيهن. قال: قل: توكلت على الحي الذي لا يموت، و(ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا).. قال: فلقي النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بعد أيام، فقال: يا أبا هريرة! ما الذي أرى من حسن حالك؟ فقال: يا رسول الله! ما زلت أقرأ الكلمات منذ علمتنيهن..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire