ما حجبك عن الله وجود موجود معه، إذ لا شيء معه، و لكن حجبك عنه توهم موجود معه.

     قلـت: الحق تعالى ظاهر، و نوره للبصائر باهر، و إنما حجبه مقتضى اسمه الكريم و اسمه القاهر، فما حجبك عن شهود الحق وجود شيء معه، أإله مع الله؟ تعالى الله عما يشركون، و لكن حجبك عن شهوده توهم موجود معه، و لا شيء معه، و كما كان و لا شيء، بقي و لا شيء، هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن، واحد في ذاته و في صفاته و في أفعاله، فالفعل لا يصدر من غير صفة، و الصفة لا تفارق الموصوف، فالفعل متحد، و الصفة متحدة، و المتصف بها واحد..

   و للششتري رضي الله عنه:

صفـاتـي لا تخفـى لـمـن نظــر     ****      و ذاتـي معلومة تلـك الصـــور

فافـن عــن الإحسـاس تــر عبــر

 

   و سبب توهم الغيرية عدم الفكرة، و سبب عدم الفكرة حب العاجلة، فهي الشاغلة للقلوب عن السير إلى حضرة علام الغيوب، و حكمة حب الدنيا ظهور القهرية، فمن قهاريته تعالى أن احتجب بلاحجاب، و غطى نور شمسه بالسحاب، و أيضا قوالب العبودية حجبت مظاهر أنوار الربوبية، و وجود الحكمة ستر ظهور القدرة..

   قال بعض العارفيــن: الحق تعالى منزه عن الأين و الجهة و الكيف و المادة و الصورة، و مع ذلك لا يخلو منه أين و لا مكان و لا كـم و لا كيـف و لا جسـم و لا جوهر و لا عرض، لأنه للطفه سار في كل شيء، و لنوريته ظاهر في كل شيء، و لإطلاقه و إحاطته متكيف بكل كسف غير متقيد بذلك، و من لم يذق هذا و لم يشهده فهو أعمى البصيره، محروم من مشاهدة الحق /.

   و من كلام ابن وفا رضي الله عنه:

هـو الحـق المحيــط بكـل شـيء    *****   هـو الرحمــن ذو العــرش المجيـــد

هـو النـور المبيــن لكـل شــيء   *****   هــو الـرب المحجـب فـي العبيـــد

هــو المشهـود فـي الإشهـاد يبـدو   *****    فيخيــفه الشهــود عــن الشهيــد

هــو العيــن العيــان لكل عيـب   *****    هــو المقصــود من بيــت  القصيـد

جميــع العالميــن لــه  ظــلال     *****    سجــود فـي القريـب و فـي البعيــد

و هـذا القــدر فـي التحقيـق كاف    *****    فكـف النفــس عــن طلـب المزيــد

 

    و قال الشيخ القطب مولاي عبد السلام بن مشيش مخاطبا لوارثه الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما في وصيه و قد تقدمت: حدد بصر الإيمان تجد الله تعالى في كل شيء و عند كل شيء و مع كل شيء و قبل كل شيء و بعد كل شيء و فوق كل شيء و تحت كل شيء و قريبا من كل شيء و محيطا بكل شيء، بقرب هو وصفه، و بحيطة هي نعته، و عد عن الظرفية و الحدود و عن الأماكن و الجهات، و عن الصحبة و القرب في المسافات، و عن الدور بالمخلوقات، و امحق الكل بوصفه الأول الآخر و الظاهر الباطن، و هو هو هو، كان الله و لا شيء معه، و هو الآن على ما عليه كان/.

   و قال بعضهم، و نبه بقوله: و عد الخ ، على أن ما جرى في كلامه من الظروف ليست بزمانية و لا مكانية، لأنها من جملة الأكوان، و إنما هي أمور ذوقية، فاعتقد كمال التنزيه و بطلان التشبيه، و تمسك بقوله عز و جـل: ( ليس كمثله شيء و هو السميع البصيــر) و سلم ذلك لأهله، فإنهم على بصيرة فيما رمزوا إليه مما ذاقوه و وجدوه، بل هو من محض الإيمان، و خالص العرفان، و هو حقيقة التوحيد و صفو الإيمان، و أما قوله: و هو الآن على ما عليه كان، و إن لم يرد في الحديث الصحيح، فهو في نفسه صحيح، إذ لا وجود في الحقيقة للأشياء معه تعالى، و إنما هي كالخيال و وجود الضلال، فلا تنسخ أحديته، و لا ترفع فردانيته بالجملة، فمـن غلب عليه شهود الأحدية، و كوشف بسر الوحدانية، و استغرق في الحقيقة العيانية، انقطع عن الشعور بنفسه، و غاب عن السوي بالكلية، و إن رد إلى الشعور به رآه قائما به و ظاهرا فيه وبه و حكما من أحكامــه /.

   و قال في لطائف المنن: و أشبه شيء بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظلال و الظل لا موجود باعتبار جميع مراتب الوجود، و لا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم، و إذا ثبتت ظليته للآثار لم تنسخ أحدية المؤثر، لأن الشيء إنما يشفع لمثله، و يضم إلى شكله..  كذلك أيضا من شهد ظليته للآثار لا أحدية المؤثر، لأن الشيء إنما يشفع بمثله.. و يضم إلى شكله..

   كذلك أيضا من شهد ظلية الآثار لم تعقه عن الله، فإن ظلال الأشجار في الأنهار لا تعوق السفن عن التسيار، و من هنا تبين لك أن الحجاب ليس أمرا وجوديا بينك و نبين الله تعالى، و لو كان بينك و بينه حجاب وجودي للزم أن يكون أقرب إليك منه، و لا شيء أقرب من الله، فرجعت حقيقة الحجاب إلى توهم الحجاب/.

   و لما قرر أمر الوحدة، و نفي وجود الغيرية، استشعر سائلا يقول له: و هذه المكونات الظاهرة  فما تقول فيها مع ثبوت الوحدة، فأنها بأنها قائمة به، و لولا ظهور نوره فيها ما ظهرت كما بين ذلك بقوله:

ظهوره سبحانه في المكونات

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire