تتمة عن القلب
القلب يمرض فيمرض معه كل شيء في الجسد :
ذكرنا سابقا على ما ذكره أهل التخصص أن القلب قادر على التواصل مع الجهاز العصبي المركزي، وهناك عامل آخر يوضح أن القلب يحتوي على أعصاب مرتبطة بكلا نظامي الجهاز العصبي اللاإرادي الجهاز العصبي الودي والباراسمبثاوي.. وبالتالي فإن معدل ضربات القلب يتأثر بالعواطف التي نشعر بها، وذكر أهل التخصص أن بين دقتي القلب التي تمد كل الجسد بكل أنواع الغذاء والهواء الذي يحتاجه كل جزء في الجسد... فإن بين الدقتين يرسل القلب ما ينطوي عليه من إحساس إيجابي أو سلبي إلى كل أجزاء الجسد (وبالتالي وفي كلمة: أن الفرح والحزن أو القلق والاطمئنان أو الخوف والأمان... كل هذا الذي يسكن القلب في حال ضخه للدم من الأحوال فإنه يضخه كذلك لباقي أعضاء الجسد..).
فإذا رأيت بالعين المجردة الفرح ظاهر على سماة الشخص، من لونه وعينيه وملامحه... وكذلك الحزن والقلق والاطمئنان والثقة... فاعلم أن هذا الذي وصلت آثاره على ظواهر وظائف الأعضاء، فإن للأعضاء الباطنة كذلك كان له أثر كالعقل والأمعاء والكبد والكلي... بل وكل خلية في الجسد كان لها نصيب من هذا الحال كما كان لها في المكونات الدموية..
لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية عن القلب قال ربنا: "فِي قُلُوبِهِم مَّرَض فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضا" لاستنهضت الأطباء المسلمين للبحث الجلي في أصول الأمراض ومصادرها وأسبابها، بدل أن نتبع أهل الهوى في الذكاء الإحساسي وتوظيفه التجاري..
يأيها المسلمون في التوجيه العلمي (لكيلا نخصص أهل الطب أو علماء الاجتماع أو السياسة دون غيرهم) لأن في الأمر صلاح ناصح أو فساد كاسح، للفرد وصحته، وبالتالي لرأيه وقراره ولشخصيته كيانه... القلب إذا صلح الإنسان.. وانتهى الكلام..
أنواع القلوب بين الصحة والمرض :
القلم يسارعني وأنا أباطئه لعل الثمار تنضج وخيط الفكرة ينسج، فإن في الأمر طرق باب ذو معراج، وخروج من هوس معتم داج، طال مكوثه وهيمن على القلوب والعقول عبثه.. وليست بنات الأفكار من تجزينا، ولا اتباع أفكار المتاجرين بالباطل ينجينا، بل يجب فيه طرق باب كتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل، فالمعرفة والحكمة فيه والعلم هامل.. فلندخل من أبواب العلم الواسعة، ولنستعن بالله ولنستغل ما تعلمناه من وظائف العقل التي سبق ذكرها وبالله التوفيق..
إذا بحثنا في كلمة " مَّرَض" في كتاب الله العزيز فإننا نجدها مقرونة بالقلوب أينما كانت، فقد وردت في 12 موقعا (ولا نقول كأنك تقول) ولكننا نقول: وهذا إنما يدل على أنه توجد 12 عشر مرضا للقلوب يجب الانكباب عليها بكل جدية وبكامل التخصصات لعلنا نخرج بنتائج نبني عليها منهجا تشخيصيا وسبلا علاجية لهذه الأمراض القلبية وما ينشأ عنها من أعراض وعلل لباقي أعضاء الجسد (وإن لم يكن هذا تخصصا في القلب وسلامته فما الفائدة من التدخل في علله دون التعرف على أسبابها؟)..
وردت كل هذه الآيات بتشخيص للقلب فريد، وصفه القرآن بكلمة "مرض",, ووردت كلمة قرآنية وهي تمام 13 وكأنها المفتاح لكل هذه الأمراض القلبية وهي قول ربنا: "وَإِذَا مَرِضتُ فَهُوَ يَشفِينِ" وهذا إنما يدل على أن هذه الأمراض القلبية مردها إلى صاحب القلب نفسه، وهو المسؤول عنها، والسبب بفعله في هذه الأمراض، والشفاء منه لا يكون إلا من الله الشافي (وبالتالي يجب الرجوع إليه في كل أحوال المرض)...
يجب الانكباب بالتشخيص والإعراب لهذه الكلمة الجامعة " مَرِضتُ " (وقد سبق تحليلها في أكثر من موقع لأهميتها) ولا ضير أن نلقي عليها بعض الضوء لفهم أنوارها وأسرارها وهي كما يلي في هذه الصورة الجامعة:
ولو أن هذه الكلمة الربانية شرحت في كتاب الأنوار وكذلك في كتاب الطب الإسلامي، فالضرورة تحتم علينا شرحا إضافيا للأهمية ولو بتركيز وإيجاز (على الأقل لوضع لبنات البحث بالنسبة لأهل التخصص) وبالله التوفيق..
إذا نظرنا إلى الكلمة "مَـرِضتُ" فإننا نجد أنها تتكون من أربع حروف، وبما أن لكل حرف نوره فإن لكل نور ظلمة ضده، ومن عظمة بلاغة القرآن "النورانية" أن حروف القرآن كلها نورانية (فلا يأتي الجميل إلا بكل جميل) وهذا يعني أن التعبير القرآني لا يدل إلا على الخير، فأنوار كلمة "مَـرِضتُ" إنما هي انوار كاملة والمعنى أن من أمتثل بهذه الأنوار "فإنه لا يمرض أبدا" (وهذا تحد نخوضه وعلينا وزره ونتحمل تبعاته).. فقط أكملوا معنا البحث..
في كلمة مسرعة لغير المتأني :
هل أربعة أنوار (لكل حرف نور) إن اجتمعت الأنوار السلوكية في الإنسان فإن قلبه لا يمرض وبالتالي ما يلحق الأعضاء من هذا السلوك لا يتأذى.. ومن أراد أن يسأل المريض عن الأنوار الأربعة فإنه يكوّن تشخيصا غاية في الأهمية...
وهذا يعني أن من وجد عند مريضه أو زائره نورا واحدا ينقصه فإنه معرض (أو قل مصاب) ب25% من الأمراض، أو نورين غائبين ف 50% أو ثلاث أنوار غائبة ف 75% أو كل الأنوار غائبة فإنه مصاب من شعر رأسه إلى أسفل قدميه... وهذا كذلك يدل على أن من استقامت فيه كل الأنوار فإن قلبه سليم لا مرض فيه وجسده سليم من كل تبعية مرضية..
تنبيه في غاية الأهمية :
قد يقول قائل هذا كلام لا يستقيم والدليل عليه مرض الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، وسلامة الجسد للكفار والمعتدين!
الجواب: أن تلك لم تسمّ أمراض في ذكر الله تعالى، وإنما سميت: ضُرّ قال ربنا في حق أيوب "وَأَيُّوبَ إِذ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ" وسميت سقم قال ربنا من قول إبراهيم: " فَنَظَرَ نَظرَة فِي ٱلنُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيم" أو في حق أيوب "فَنَبَذنَٰهُ بِٱلعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيم" وسميت سوء وابتلاء... أما هذه الأعراض والابتلاءات فشيء ثاني وإن كانت أسبابها من الإنسان فلو أنها محن ففيها منح كبيرة من غفران الذنوب أو ستر عن العيوب والذنوب أو رفعة مع الصبر والاحتساب (وسوف نتطرق إلى ذلك فيما يأتي إن دعت إليه ضرورة البحث)..
أما إذا رجعنا إلى مرض القلوب فنقول :
الحرف الأول: الميم.. وله من الأنوار الذكورية (ومعناها النفع التام) وغيابه يورث عكسه وهو الضرر للمخلوقين، فإن غاب هذا النور عن صاحبه فإن قلبه يتأثر سلبا بهذا السلوك، وينقل هذا السلوك إلى ما يواليه ويوافقه من الجسد، وبما أن النفع يتعلق بأعضاء الجسد فإن المرض ينتقل إلى الجسد وأعضائه (وهذه الحكمة التي يجب أن يقف معها المتخصصون في وظائف الأعضاء وامتحانها بدقة حتى يمكن تفريعها إلى معرفة أي نوع من النفع يسلم منه الجسد وأي نوع من الضرر يتأذى منه أي جزء من الجسد وبالضبط أي عضو في الجسد كأن نقول: أي نوع من الضرر يتأذى منه المناعة العامة أو القوة النامية أو الجلد أو العظام... (هذا المقصود فافهم) وهذا دليله في قول ربنا: "فَلَا تَخضَعنَ بِٱلقَولِ فَيَطمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلبِهِۦ مَرَض وَقُلنَ قَولا مَّعرُوفا وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ" (وسنبين هذه الآية بتفصيل في علم النفس النسائي، وله علاقة بالتبرج القولي والفعلي ومرض قلب الناظر وماذا يترتب على المنظورة منه...) فهذا النوع من مرض القلوب يخشى على كل شيء ولا يأمن شيء ولو كان يملك كل شيء...
الحرف الثاني: الراء.. وله من الأنوار حسن التجاوز (ومعناه تخطي الأحوال وعدم الوقوف معها) وعلة الظلمة أن القلب يتأثر بالوقوف مع الحال، فإن كان مرغوبا وقع له العجب وكره كل من ينافسه فيه، وكان مشينا كره نفسه وحصل له الإحباط أو يفتح له باب كراهة السبب والمسبب ودخل في متاهات الكراهية والحقد... فالوقوف مع الأحوال معضلة للقلب ووظائفه وعلاقتها بالعقل ووظائفه، فالعقل يؤسر مع الحال يسرا كان أو عسرا إن وقف العبد معه ولم يفوض فيه الأمر إلى الله... ويقول ربنا: "فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض يُسَٰرِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَة"..
الحرف الثالث: الضاد.. وله من الأنوار قول الحق.. وعكسه الكذب.. ومن المعلوم أن الصدق أنسب للقلب ولا يحتاج صاحبه تعبا ولا نصبا، ولكن الكذاب يتعب نفسه وقلبه حتى يجد كذبا ملائما، ويبقى كذلك حتى يصبح ذلك مرضا مؤثرا على وظيفة القلب ويتأذى منها من الأعضاء ما يتناسب مع هذه الظلمة، وتزداد الظلمة ليست بقول الكذب فحسب ولكن السلوك المشين يجعله لا يصدق الناس ولو قالوا الحق.. وبالتالي فعلاقة الكذب مؤثرة على لين القلب ورحمته والثقة بصفة عامة، قال ربنا: "وَإِذَا مَا أُنزِلَت سُورَة فَمِنهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُم زَادَتهُ هَٰذِهِۦٓ إِيمَٰنا، فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتهُم إِيمَٰنا وَهُم يَستَبشِرُونَ، وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض فَزَادَتهُم رِجسًا إِلَىٰ رِجسِهِم وَمَاتُواْ وَهُم كَٰفِرُونَ" ويقول ربنا: " وَإِذ يَقُولُ ٱلمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَض مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورا"...
الحرف الرابع: التاء.. وله من الأنوار كمال الحواس الظاهرة.. (وعكسه وظلمته طمس الحواس الظاهرة) والمعلوم من الحواس الظاهرة هي الحواس الخمس ومن خواصها هي السمع والبصر كما ورد في آيات الله العظام قال ربنا: "لَهُم قُلُوب لَّا يَفقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعيُن لَّا يُبصِرُونَ بِهَا وَلَهُم ءَاذَان لَّا يَسمَعُونَ بِهَا" فالإهمال في امتثال الأوامر واجتناب النواهي يعمي الأعين ويطمس الآذان فترى فاقد النور يسمع وهو لا يسمع ويرى وهو لا يبصر، فيتسب فقدان السلوك النوراني إلى أمراض في القلب من شأنها أن تضر ما يواليها من أعضاء الجسم وهي الحواس الظاهرة..
وإذا أردنا أن نلخص الكلام فإن هذه الأنوار السلوكية من شأنها أن تحفظ القلب وتسلمه من هذه الأمراض التي تتبعها أعراض في القلب وبالتالي في الأعضاء الموالية أو التي لها دخل في ذلك السلوك.. وهنا يبدأ طب تخصصي سلوكي للقلب، وله سبب في كثير من الأعراض والأمراض في كل الجسد كما تبين بكل عجالة فيما ذكر لكل نور حرف وظلمته وهذه صورة تقرب الباحثين من طرق باب عظيم تم إغفاله كل هذه القرون والسنين وهذه الصورة التقريبية فيما يلي:
القلب لم يعط حقه من البحث :
وردت كلمة قلب في كتاب الله العزيز في 56 آية وكلمة قلوب في 112 من أي كتاب الله العظيم، وجاءت بالاشتقاق الفعلي ككلمة نقلب أو تقلب أو ينقلب... في كثير من الآيات (وقد قال فيها للأدباء واللغويون).. ونبقى مع كلمة "قلب" و"قلوب" صريحة في القرآن وبوصف أصحابها وهي حوالي عشرين نوعا من القلوب بين السليمة المريضة، كالقلب السليم والقلب المنيب والقلب المخبت والقلب الوجل والتقي والمهدي والمطمئن والقلب الحي.. ومن جهة أخرى كالقلب المريض والقلب الأعمى والقلب اللاهي والقلب الآثم والمتكبر، والغليظ، والقلب المختوم، والقاسي، والغافل، والأغلف، والزائغ..
ويا ليتنا نقف على كل قلب وصفه القرآن العظيم بسمة مؤمنة لعلنا نجد طريقا لامتثال أمر الله لعلنا نكون من أهلها، أو بسمة دنيئة فنجتنب نهي الله حتى لا نكون من أصحابها.. ونركز على السلوك القائمة به حروفها وبالله التوفيق..
القلوب الصحيحة والسليمة والمؤمنة :
1) القلب السليم :
السلامة صفة من هو بعيد عن كل خطر وضرر، فإذا سمعت السلامة الطرقية، فالمقصود بها استعمال الطريق لكل مقاصدك مع احترام كل القوانين.. وليس ذلك إلا لسلامتك وسلامة غيرك من كل ضرر... ومنه دين الإسلام: فالمقصود به أن تعيش حياتك وتستفيد من كل نصيب لك في الدنيا مع ضمان النصيب الأعظم في الآخرة، وذلك باحترام ما أمرك الله به واجتناب ما نهاك عنه، وما ذلك إلا لسلامتك في الدين والدنيا والآخرة، وكذلك سلامة غيرك مما خلق الله حولك...
فالقلب السليم هو الذي يملك خصائص السلامة له ولصاحبه، ومن أعرب الكلمة الربانية على الأنوار المحمدية انكشف له أمرها وانجلى له سرها وجاء من قول ربنا في وصف إبراهيم عليه السلام "وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبرَٰهِيمَ إِذ جَاءَ رَبَّهُۥ بِقَلب سَلِيمٍ" ومن أراد أن نصنف هذا النوع من القلب نقول أنه على "المنهج الإبراهيمي" وإذا بحثنا في كتاب الله نجده موصوفا بهذا الوصف قال ربنا: "مِّلَّةَ أَبِيكُم إِبرَٰهِيمَ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلمُسلِمِينَ مِن قَبلُ" فالقلب السليم هو أسلم القلوب قال ربنا: "يَومَ لَا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَن أَتَى ٱللَّهَ بِقَلب سَلِيم" وهذه انوار حروف هذه الكلمة الربانية:
2) القلب المنيب :
يقال في اللغة ناب إذا رجع واقترب، فالعبد المنيب هو الذي خشي ربه ورق قلبه واقترب إليه بما فرضه عليه والتزم به قال ربنا في حق داود عليه السلام : " وَظَنَّ دَاوُۥدُ أَنَّمَا فَتَنَّٰهُ فَٱستَغفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعاۤ وَأَنَابَ" وقال ربنا في وصف القلب المنيب: " مَّن خَشِيَ ٱلرَّحمَٰنَ بِٱلغَيبِ وَجَاءَ بِقَلب مُّنِيبٍ"
والقلب المنيب فاتح للخيرات جالب للبركات ولذلك أكرم الله نبي الله داود فيجب معه دوام الشكر وشدة الالتزام والحرص على الطاعات فتلزم مع الإنابة الاستقامة قال بنا: " وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَٰنَ ضُرّ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعمَة مِّنهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدعُواْ إِلَيهِ مِن قَبلُ" (فافهم)
3) القلب المطمئن :
الاطمئنان في اللغة الاستقرار والثبات والسكون، فيقال سكن القلب إذا اطمأن بعد الانزعاج والقلق، وهو درجة فوق الإيمان قال ربنا في حق إبراهيم: "وَإِذ قَالَ إِبرَٰهِمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحيِ ٱلمَوتَىٰ قَالَ أَوَ لَم تُؤمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطمَئِنَّ قَلبِي" فالإيمان درجة عالية والاطمئنان أرقى منه للقلب ولصاحبه، والقلب المطمئن لا يتضرر صاحبه وإن خالفه الظاهر بالإكراه قال ربنا: "إِلَّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُۥ مُطمَئِنُّ بِٱلإِيمَٰنِ" وقال ربنا: " يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفسُ ٱلمُطمَئِنَّةُ ٱرجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَة مَّرضِيَّة فَٱدخُلِي فِي عِبَٰدِي وَٱدخُلِي جَنَّتِي" فالإطمئنان يكون بالثقة التامة الكاملة وهذا بناء سلوكي لحروفه:
4) القلب المهدي :
يقال في اللغة رجل مهتد إذا كان سائرا في طريق الصواب، ويقال هدى الحائر أو المتحير إذا أرشده ودله، وعكسه "أضله"، وللوصول إلى هذا الوصف القلبي المطمئن قال ربنا: "وَمَن يُؤمِن بِٱللَّهِ يَهدِ قَلبَهُۥۚ" فمن أراد الهداية لقلبه فليلزم باب الإيمان وليلتزم بشروطه بعد تحقيق الإسلام قال ربنا: " ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحسَنَ ٱلحَدِيثِ كِتَٰبا مُّتَشَٰبِها مَّثَانِيَت َقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إِلَىٰ ذِكرِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهدِي بِهِۦ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن هَادٍ" فمتى لانت الجلود بالطاعات إلى ذكر الله فإن القلوب تنخرط طوعا بالخشية والطاعة إلى ذكر الله.. فذلك الهدى، فمن ذاق شيئا من ذلك فليدمن على ذكر قوله تعالى: " رَبَّنَا لَا تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ ٱلوَهَّابُ" فالهداية تستثمر بأعمال الإيمان، وتحصن بأحوال الإحسان، والتعلق بالحنان المنان، وهذه أسس الأنوار القائمة في كلمة: "يَهدِ" من قوله تعالى: " وَمَن يُؤمِن بِٱللَّهِ يَهدِ قَلبَهُۥ " كافية لهداية القلب الحائر وإلجام القلب الضال ومن تأمل أنواره يتضح له سرها وهذه صورته:
5) القلب الوجل :
الوجل في اللغة هو الخوف والفزع، وفي كتاب الله وردت ثلاث أحوال بينها تباين: الوجل والخشية والخوف، وبين كل حال من الأحوال أنوار تنطق بها أنوار حروفها، وهي جلية في معاني الآيات العظيمة التي وردت بسياقها وهي كما يلي:
أ- الوجل: حالة قلبية ربانية تنشأ عن فطم النفس عن الأمور الدنيوي (وذلك نور الواو وهو الموت في الحياة) والتجلد بالصبر (وذلك نور الجيم الذي له الصبر) والتبحر في علوم الشريعة والحقيقة (وذلك نور اللام العلم الكامل) وتأمله في قوله تعالى: "إِنَّمَا ٱلمُؤمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم ءَايَٰتُهُۥ زَادَتهُم إِيمَٰنا وَعَلَىٰ رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ" فتأمله.. وقوله تعالى: "وَٱلَّذِينَ يُؤتُونَ مَا ءَاتَواْ وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَىٰ رَبِّهِم رَٰجِعُونَ" وقد ثبت الحديث المعروف عن أم المؤمنين لما سألت الرسول الكريم: هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال ﷺ: لا وَلَكِنْ مَنْ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَهُوَ وَجِلٌ ..
ب- الخشية: هي حالة أعمق من الخوف وتحصل عند استشعار عظمة الخالق فتنفر النفس من كل منهى عنه وتخشى أن تسقط المرتبة أمام العظيم الجليل، وقد تهيمن الخشية على القلب إذا انتقصت أنوار حروف الكلمة في العبد فرقب قوله تعالى: "ٱليَومَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُم فَلَا تَخشَوهُم وَٱخشَونِ " (فافهم).. وتأمل أنوار كلمة "يَخشَى" تظهر لك أسرارها في قوله تعالى:" إِنَّمَا يَخشَى ٱللَّهَ مِن عِبَادِهِ ٱلعُلَمَؤُاْ"..
ج- الخوف: في اللغة هو الذعر والفزع مع تصور مكروه ينتج عن علامة بينة، وهي من فعل خاف يخاف خوفا قال ربنا: "وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيَخشَونَ رَبَّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ ٱلحِسَابِ" فالخوف يكون على العاقبة، فمن توفرت فيه أنوار الكلمة أدخلته في حرز المؤمنين وعصمته من الخوف من غير الله قال ربنا: "إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيطَٰنُ يُخَوِّفُ أَولِيَاءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُم وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ" والخوف من الله يعصم صاحبه من تبعات الخوف قال ربنا: " وَمَن يَعمَل مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤمِن فَلَا يَخَافُ ظُلما وَلَا هَضما " فتأمل أنوار "خاف" من قوله تعالى: "وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفسَ عَنِ ٱلهَوَىٰ فَإِنَّ ٱلجَنَّةَ هِيَ ٱلمَأوَىٰ " وهذه الصور بأنوار حروف الكلمات كما يلي:
أ- الوجل:
ب- الخشية:
ج- الخوف:
وبقيت انوار أخرى تنطق بها خصائص القلوب الزكية الطيبة للمؤمنين كالقلوب المخبتة من قوله تعالى: " وَلِيَعلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلعِلمَ أَنَّهُ ٱلحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤمِنُواْ بِهِۦ فَتُخبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُم وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِلَىٰ صِرَٰط مُّستَقِيم" والقلوب التقية قال ربنا: " وَمَن يُعَظِّم شَعَٰئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى ٱلقُلُوبِ" والقلوب الساكنة قال ربنا: " هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلمُؤمِنِينَ لِيَزدَادُواْ إِيمَٰنا مَّعَ إِيمَٰنِهِم" والقلوب المؤمنة قال ربنا: " وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ ٱلإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ ٱلكُفرَ وَٱلفُسُوقَ وَٱلعِصيَانَ" والقلوب الخاشعة قال ربنا: " أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم"... وأوصاف أخرى يجب البحث فيها ومن الأبواب الواسعة إذا كنا فعلا نريد أن نقيم علما بالإنسان ونشق له طريقا في هذا الزمن الغريب أهله ومناهجهم في علم القلوب...
0 Commentaire(s)