نكتة عجيبة عن هتين المادتين:

بدأ الكلام في السنين الأخيرة عن الإعجاز العلمي في القرآن على البحث الذي أجراه اليابانيون في الموضوع، وخلاصته العلمية كما يلي:

إن مخ الإنسان يفرز مادة تسمى الميتالوتيونيين (métallothionéine) وهي مادة بروتينية لها دور فعال في إزالة السموم من الجسد، إذن لها دور وقائي للخلايا ضد العناصر النزرة للمعادن (التي كانت تسمى قديما المعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والكاديوم النحاس والزنك...).. توجد هذه المادة عند كثير من الثديات وخصوصا عند الإنسان، ولها فعالية ضد تسمم الأعضاء والخلايا...

أما تركيبة هذا البروتين العجيب فهذا القدرة على إفراز إيونات معدنية (ions métalliques) والتي تم التعرف عليها منذ تسعينات القرن الماضي بواسطة البلورات بالأشعة السينية (cristallographie par rayon X) وكذلك بواسطة التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي (la spectroscopie par résonance magnétique nucléaire).. ولا تزال الأبحاث جارية على هذه المادة البروتينية...

باختصار شديد، بدأ اليابانيون البحث في هذه المادة المهمة حيث أنها يبدأ المخ بإفرازها عند الإنسان بداية من سن 15 إلى حدود سن 35، ثم يقل إفرازها، وبدأ البحث عنها في انواع النباتات لعلها تفيد المسنين، أو تحد الشيخوخة أو تقلل من أعراض التسمم لديهم... فلم توجد هذه المادة إلا في التين والزيتون...

وبدأت الأبحاث تتوالى على يد فريق متخصص، وبعد جهد جهيد وجدوا أنها تتركز وتثمر في جزء من التين وسبعة أجزاء من الزيتون... وبقية القصة معروف عندما أرسل لهم بالآية العظيمة، وعدد تكرار التين في القرآن مرة والزيتون أو ما يدل عليه سبع مرات.. فأسلم رئيس البحث الياباني على إثرها... .

و هذا ما هو إلا قطرة من محيط فيما عرف عن هذه الآية العظيمة وما تدل عليه هذه السورة الكريمة إذا ربطنا عطفها بمعطوفاتها أو مدلولات كلماتها بأنوار حروفها..وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ ١ وَطُورِ سِينِينَ ٢ وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ ٣ .. ومن تأمل سياق المقسوم به أو المتنبه إلى الالتزام به يجده مرتب ترتيبا ثلاثيا، الأول منه هو المادة: وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ.. ويجده مربوطا ببعدين أساسيين: وَطُورِ سِينِينَ وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ ..

أما ما بنى عليه المفسرون من أقوال الصحابة فله في الأهمية والدلالة أصل لا يجب أن يتخطى بحال.. فمنهم من قال أن "طور" هو الجبل الذي كلم الله فيه موسى عليه السلام، وقيل هو جبل مبارك على كل حال.. وقيل "سينين" هي وصف للطور، ومعناه المبارك، وقيل هي كلمة سريانية... أما قوله تعالى: وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ .. فلم يختلف عليه اثنان في أنه بيت الله الحرام..

ولننظر ولو بإيجاز شديد إلى هذه التركيبة الربانية التي لا يمكن ان يكمل معنى الآية من هذه السورة الكريمة إلا إذا تحصل جل معانيها على الأقل، فلنحاول على المعنى النوراني للحروف وعلى المعنى السرياني على الأقل فيما ذكر فيها...

فكلمة " طُورِ" بالسريانية تعني على توالي الحروف ما يلي:

الطاء المضمومة تعني الصفاء التام في الجنس..

والواو الساكنة لها حكم المضمومة، وتعني الأشياء المتباينة للإنسان كالأفلاك والجبال...

والراء المكسورة إشارة إلى الشيء الذي فيه روح..

فيكون المعنى أنها علاقة الإنسان بما حوله، أو بكلمة أدق: علاقة صفاء الإنسان وكماله بمحيطه المتباين حوله وكذلك بسائر المخلوقات منهم الإنسان وغيره من الحيوان وكل ما فيه روح...

وأما كلمة " سِينِينَ " فهي كما يلي:

السين المكسورة لها وهو السلوك المتعلق بالعقل العاقل والطابع للفعل..

الياء الساكنة: إشارة إلى الشيء الذي لا يثبت..

النون المكسورة: للشيء الذي يدركه المتكلم وهو له..

الياء الساكنة الثانية: إشارة إلى الشيء الذي لا يثبت..

النون المفتوحة: للساكن في الذات المشتغل بها..

فيكون المعنى الإجمالي على الحرف السرياني لــــ" طُورِ سِينِينَ " بإيجاز كما يلي:

أن الإنسان له مؤثرات يثبت ويقوى بها في ضعفه الخَلقي، وهي الأقوال الثابتة والأفعال المسؤولة والأحوال الراسخة.. ومدى ارتباط هذا بثبات الإنسان في نفسه وعلاقته بغيره في محيطه ودائرته، وذلك معنى قوله تعالى: لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيمٖ.. له متأثرات يضعف بها،وذلك معنى قوله تعالى: ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ...

وهذا الضعف الخَلقي وهذا المدد الخُلقي له أبعاد مرتبطة لا انفكاك لها باعتبار أهمية الإنسان في مدى تناغم مكونات خَلقه بمؤثرات خُلقه.. وهذه الأبعاد تتأصل من سلوك الإنسان، ولها علاقة بالزمان والمكان حيث يصبح مقرها في التمكن والإمكان..

فلا مشاحة في الاصطلاح إن قيل التفاسير أن " طُورِ" جبل أو مرتفع مبارك، و "سِينِينَ " جميل أو جيد أو طيب أو مثمر، فمن تأمل وجد المعنى هو هو، ومن سره أن يدخل مجالات العلم من أوسع أبوابها الربانية، فإنه يجد لرجوع تقويم الإنسان الذي أوقع نفسه في أسفل سافلين، سواء في العلة والمرض أو في سوء التدبير والتقرير... فإن الأمر لا يتعلق بتشخيص واحد، وفيه علاج متكامل وموحد، هو اعتبار العناصر الثلاث التي لا يغني منها أحد عن غيره، أو يجوز أن يستغل بمفرده، فلا بد من اعتبار المادة الغذائية المقوية للحواس المسؤولة، واحترام مؤشرات الزمان وأوعية الأمكان، والتثبت حتى يرجع التمكن للإنسان...

لعلي ديبجت أكثر مما صرحت، ولكن الكشف كله يغري المتطفلين، فلا بد من طي بعض الإشارات تحت بعض العبارات، ولكن الذي يهمنا في هذا البحث الذي يهتم بنوع من التطبيب أو محاولة إيجاد بعض الحلول لمن أنهكهتم الأمراض وأرقتهم تبعات الأعراض، نقول لهم ولمن يحمل همّا الناس خصوصا المستضعفين بالأسقام:

أن التين والزيتون لهم فاعلية أكثر ودقة أشمل في طرد التسممات من جسم الإنسان وإيقاد وتقوية ذكائه، وحصانته ومنعته ضد الأمراض والأعراض، إذا اعتبرت فقط المواد الفعالة حسب الأبحاث المحترمة كما ذكر، ويكون نافعا أكثر فأكثر إذا تفاعل مع معاني قوله تعالى: وَطُورِ سِينِينَ وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ..

والمعنى أن هذه المواد الفعالة لهذه الفاكهة (التين) وهذه الخضرة (الزيتون) او هذا الذهن (الزيت) لهم مستقبلات في أوعية في الجسد الإنساني مؤهلة للتفاعل معها من النفس والجنس والحس، وهي سلوك الإنسان، والتوجه به عبر أجود الأزمان وأحسن الأمكان، فترفعه من أسفل سافلين التي أوقع فيها نفسه بسهو أو عمد أو غفلة، إلى أعلى عليين التي أقامه فيها مولاه بعلم وحلم وحكمة...

وهذا النوع من الأبحاث الذي يجب الانكباب عليه إذا كان الذكاء البشري يسعى للإيجاب والثقافة الإنسانية ويطمح إلى حقيقة التحرر في البحث العلمي.. وإن كان في الواقع حصل جهل وتجاهل في القرون الأخيرة بهذا النوع من الاعتبار العلمي لمقدرات المقاييس العلمية الغير المادية، فإن ذلك ناتج عن تراكم حقب جهل برقائق الأمور ودقائقها والتفرغ لبعض المواد الدينية ونبذ سواها.. أو توقيف الفهم الديني على أنفار من الناس أجازوا لأنفسهم النيابة عن الله وانتخبوا أنفسهم في التبليغ عن رسول الله... والحاصل أنهم ضيقوا واسعا وحجروا شاسعا، فتوقف فهم الدين في بعض الممارسات دون اعتبار المقاصد والغايات، وضاع التلقي بمروق الملقي وجهل المتلقي... والحال ما نحن عليه، ولا يخفى على أحد كما يرى..

فالذي نود شد الانتباه إليه كمبدأ في البحث العلمي في علم التغذية، هو ربط الغذاء وعناصره أو مواده النافعة (وهذا يعتبر فيه سلامة المواد من المنغصات الكيميائية الدخليلة في الأصل أو الفلاحة أو التخزين)، بمدى سلوك الإنسان الظاهري والباطني.. ومن بحث هذا السلوك في كتاب الله لا يجد آية منه تنفك مما يمكن أن نسميه: "مؤهلات القبول أو ميسرات أو محفزات الاستقبال..." كالحمد فيه والشكر عليه (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ)، وعدم الإفساد فيه (كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ)، وإتيان الحق عليه (كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثۡمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖ)، وتحري الحلال والحرام فيه والتسلك الرباني (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ)، وذكر اسم الله عليه (وَلَا تَأۡكُلُواْ مِمَّا لَمۡ يُذۡكَرِ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ وَإِنَّهُۥ لَفِسۡقٞۗ)... .

ولكل شيء مما ذكر ومما لم يذكر، فيه نصوص صريحة وواضحة تعتبر من الدين، وتطبيقها يعتبر سيرا على المنهج السليم والصراط المستقيم، وجزء منه لا يتجزأ هو الغذاء النافع والسليم، يجب على الأقل وضع لبنات البحث العلمي حتى يستنير له طريق الباحثين...

وأود أن أكرر خلاصة ما ذكرت، وأكررها حتى ينقطع النفس: أنه لا يوجد نفع تام في "طعام ولا إطعام" إلا إذا استُقبلت مكونات الغذاء بمؤهلات سلوكية مخصصة في الإنسان كل حسب أصله وفصله...

ولا يشك عاقل، سواء كان مسلما أو غير مسلم، في صحة هذا الطرح، ولا يرفضه عاقل إذا طرح، نظرا لما آل إليه الأمر في التوجيهات الغذائية بعد فسادها، ومدى انعكاسها على صحة الناس وطبيعتهم ومحيطهم وبيئتهم من كل النواحي والمناحي.. ولم يسلم منه أحد... فلينظر الإنسان إلى طعامه!!!..

اما إذا أردنا ان نكمل معاني السورة الشريفة في الاستثناء الوحيد الذي يحول دون وقوع الإنسان في أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ.. كما تذكر الآية، او الرجوع منه بمدد رباني ومنهج علمي وعملي هو: إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ... والمقصود به أن الأعمال أجناس، وصلاح كل جنس لا بد أن يكون بجنسه، وللجنس أصول وفروع.. فلا فائدة لمن يسرق بيد ويتصدق بالأخرى، ولا فائدة لمن يفسد في الأصول ويدعي الإصلاح في الفروع... وهذا ما سبق التطرق إليه في بداية البحث، فلا يعبث أحد بمكونات البذور الأصلية وطبيعة التربة النقية ويدعي أن همه إشباع الناس.. فما هكذا تورد يا سعد الإبل!!!..

وكل هذا ليس كافيا إلا إذا سبقت النية بالإيمان الحق، لقوله تعالى: إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْوَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ.. فالمؤمن الحق هنا المقصود منه الإيمان بحقائق الأمور وأصولها وفصولها وما ورد فيها من قول الحق.. وهو الذي يكون العمل عليه والإصلاح فيه... .

فمن ءامن وعمل صالحا بهذا المقتضى، صنفه العليم الحكيم في إطار عجيب قال تعالى: فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ.. فالأجر معروف في الدنيا ويعلمه الله في الآخرة، اما غير ممنون (شهادة من الله) فهي تكفي لهذا المصلح العامل المؤمن، ومعناه أن أجره في الدنيا بالصحة والعافية واليقين قد استحقه بإيمانه وصدقه وعمله، والعليم الحكيم يكلمنا بلغة الضمان كما نعرفها...

ثم يبين العزيز العليم أن هذا هو الدين، فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعۡدُ بِٱلدِّينِ..؟؟ ألا زلت تشك أن في كتاب الله كل العلوم والفهوم؟؟ أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ.؟؟؟.. كان صلى الله عليه وسلم يقول: بلى.. وانا على ذلك من الشاهدين...

وبهذا القياس في البحث في آي الله العظيمة تظهر أمور من العلم الرباني لم تكن خافية أبدا على سلفنا الصالح، ولم يكونوا من المتكلفين فيها لما لم يحن وقته وأوانه (كما ورد في رواية عمر لآية منه...) فلا نبخس أنفسنا ما شرعه الله لنا، وما انزاله لنا في محكم كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل، قال صلى الله عليه وسلم: كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي لا تزيغ به الأهواء.، ولا يشبع منه العلماء.. ولا يخلق عن كثرة رد.. ولا تنقضي عجائبه.. هو الذي من تركه من جبار قصمه الله.. ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.. هو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم.. هو الذي من عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، خذها إليك يا أعور ....

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire