تنبيه في غاية الأهمية:

لا يوجد عمل من الأعمال المحرمة شرعا، إلا وعليه جدول عمل شيطاني يقوم عليه خدام مأخوذ بنواصيهم، ولهم قوانين يؤثرون بها في عالم الظاهر والباطن معا على الإنسان أو الجني العادي..

مثال على ذلك:

لنفرض إنسانا لم يعرف الزنى من قبل، فخدام دائرة الزنى يزينون له ما يقرب من الزنى بخطط ظلمانية محكمة، أما خدام شياطين الجن فيؤثرون على الفكر والجهاز العصبي حتى يفقد الشخص المقاومة لذلك، في حين يكون شياطين الإنس يعرضون ذلك بمغريات من جهة وجذب من جهة أخرى، وهذه المعطيات تعطل بشكل من الأشكال المناعة الإيمانية، وتزداد نار الشهوة اشتعالا وتحجب معها حواجز الخوف من الله ثم من الناس... وذلك معنى قوله تعالى: وَإِذۡ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٞ لَّكُمۡۖ... .

فإذا وقع العبد في الفاحشة يكون لقرين السوء (القائم) موطئ قدم في السلطة على الفاعل، ويعتبره شريكا له في ذلك الفعل ابتداء من تلك اللحظة... فإن ندم العبد على ما فعل وتاب ورجع إلى الله، فإن موضع المعصية يلتئم (بعدما ندب بالمعصية ندبا معلوما) كما يلتئم الجرح في الجسد، وخديم المعصية لا يجد شيئا يتمسك به ويضغط به على العبد وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إن صاحب الشمال (والمقصود به الملك الذي يكتب السيئات) ليرفع القلم ست ساعات(فلكية وتقدر بنصف يوم أو ليلة) عن العبد المسلم المخطئ فإن ندم و استغفر الله منها ألقاها (لم يكتبها له صحيفته الشخصية) وإلا كتبت واحدة.. وكذلك قول الرسول الكريم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.. وتلك رحمة الله بعباده بدليل قوله تعالى: كَتَبَرَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢابِجَهَٰلَةٖ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورٞ رَّحِيمٞ...

أما وإن أصر العبد على الفاحشة طوعا بوجود متعة نفسية أو منفعة شخصية، أو كرها بضغط أو إكراه بأي شكل من الأشكال (إلا انها في الأخيرة أخف تأثيرا).. فإن قرين السوء يتمكن في كل مرة بدرجة أقوى من سابقتها حتى يصل مركز التمكين من الإنسان وتصبح له سلطة التحكم فيه، وذلك معنى قوله تعالى: وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا..

وأود أن أقف مع هذه الآية العظيمة (ولو بعجالة) لبيان ما يتعلق فيها بما نحن بصدده في التوجه النفسي أو السلوكي في الأفعال والأحوال، فهذه الآية تبين مسطرة سلوكية ينتهجها الشيطان للإيقاع بغريمه الإنسان، وهي تشخص بكل دقة خطته اللعينة من بدايتها إلى غاية التمكن فيها، ولم تنس سلوكا ولا شخوصا ولا سلطة تدبير أو تقرير إلا ذكرتها وهي مكونة من ثلاث أقسام عملية كل منها يمد إلى ما يليه من الشطن حتى يصل إلى مرحلة اللاعودة وهي كما يلي:

وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ.. الاستفزاز هو الاستنزال من مرتبة الاطمئنان إلى مرتبة الشك والخوف والإذعان، وغاب المعنى الحقيقي للكلمة ولم يبق منه إلا المعنى السياسي، ويقصد به الإزعاج والإثارة التي يتولد منها الاضطراب والغضب بغير موجب (وهو سلوك بين السياسيين معروف!)..

اما المعنى الرباني، فهو سلوك يفعله الشيطان للإنسان حتى يستنزله من مقام التكريم ويفقده حصانته الربانية (كما سبقت الإشارة إليه) ولذلك قال تعالى: مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم.. لأن هناك من عباد الله من لا يستفز أبدا ليقينه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ولن يصله إلا ما قُسم له في الأزل، وأن الله ليس بظلام للعبيد... وذلك معنى قوله تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ..

اما قوله تعالى: بِصَوۡتِكَ.. وقد حصر الحق سبحانه وتعالى استفزاز الشيطان بالصوت فقط، ولم يعطه رخصة أي شيء آخر، تقزيما لخططه اللعينة، ورحمة بعباده.. قيل أن "الصوت" المقصود به الغناء أو الطرب والمجون به، هو جزء من الصوت، وأبلغ ما قيل فيه هو قول ابن عباس رضي الله عنه: وهو كل داع دعا إلى معصية الله...

ونحن نتكلم من زاوية طبية ونفسية سلوكية، فأفضل أن أعمق في التشخيص حتى تتضح مكيدة الافتزاز الوحيدة عند الشيطان، وأنحو المنحى العلمي للصوت بجميع أشكاله..

الصوت في المنظور الفيزيائي هي موجة، لها محطة إرسال ولها آليات الاستقبال، فإن كانت في الهواء أو السوائل أو الغازات فتكون طويلة، وتكون عريضة إن كانت في المواد الصلبة، وهذه الموجة أو الموج الذي يحمل الصوت من جهة يعتبر في الفيزياء أحد أشكال انتقال الطاقة، وتتحرك في وسط مادي كما هناك أشكال موجية كهرومغناطيسية وبعض الجزيئات الكمّية التي تكون لها خصائص موجية وتنقل من خلالها الطاقة من مكان إلى آخر (سواء كانت هذه الطاقة سلبية او إيجابية) لكي لا نقول موجبة أو سالبة (فافهم)..

اما إذا رجعنا إلى الصوت المادي المعروف آليا، ومرسله اللسان أو أي احتكاك آخر آلي أو حركي، ومصدره من الشيطان، فإنه يكون مستقبله الأذن ومحلله العقل، والمقصود به انشغال الإنسان باللهو والعبث (كالغناء والموسيقى...) أو بالمعلومة الخاطئة (كما يحصل في قنوات الأخبار المشبوهة أو خطابات الناس المثيرة للفتن...) وهذا كله يدخل في خانة واحدة من صوت الشيطان، وإنه مستفز فعلا، ودليله ما وصلنا إليه من خراب ديني وعقدي وفكري وسلوكي بهذا الصوت الشيطاني (بصرف النظر عن انتمائنا الديني والدنيوي)..

أما ما هو أدق وأعمق من الصوت المادي، هو صوت سلوكي لطالما أغفلنا عنه ولم ندرجه في مراجعة أنفسنا وتربية أجيالنا، وغفل عنه الأطباء المتخصصون في النفس وما وراء النفس، وهو الصوت الذي ينتقل عبر الموجات الكهرومغناطيسة والأشكال الكمومية ذات الخصائص الموجية، وهي موجة مصدر إرسالها فكري، ومصدر التقاطها كذلك فكري، وهي موجة قائمة بذاتها تمسى "الإيحاء".. ويلزمها سلوك معين، إن استقام في الإنسان حلله حينا وأحاله إلى أصله، وإلا حيّنه إلى أجل، وتمكّن من الفكر ونقله الجهاز العصبي إلى باقي اعضاء الجسد..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire