إذا أردت أن تعرف قدرك عنده فانظر في ماذا يقيمك.

قلـت: جعل الله بحكمته خلقه على قسمين أشقياء و سعداء، و جعل السعداء قسمين، أهل قرب و أهل بعد، أو تقـول: أهل يمين و مقربين، و هم السابقون..

فإن أردت أن تعرف نفسك هل أنت من أهل الشقاوة أو من أهل السعادة فانظر إلى قلبك، فإن كنت تصدق بوجود ربك و توحده في ملكه، و تنقاذ لمن عرفك به و هو رسول الله صلى الله عليه و سلم، فأنت ممن سبقت له الحسنى، و إن كنت تنكر أو تشك في ربك أو تشرك به غيره في اعتقادك، أو لم تذعن لمن عرفك به فأنت من أهل الشقاء..

ثم إن وجدت نفسك من أهل السعادة، و أردت أن تعرف نفسك هل أنت من أهل القرب أو البعد، فانظر، فــإن كنت ممن يستدل بأثره عليه، فأنت من أهل البعد من أصحاب اليمين، و إن كنت ممن يستدل به على غيره فأنت من أهل القرب المقربين..

ثم إن عرفت أنك من أهل اليمين، و أردت أن تعرف قدرك عنده، هل أنت من المكرمين أو من المهانين، فانظــر، فإن كنت تمتثل أمره و تجتنب نهيه و تسارع في مرضاته و تحبب إلى أوليائه و أحبائه، فأنت من المكرمين المعظمين، و إن كنت تتهاون في أمره و تتساهل في نواهيه و تتكاسل في طاعته، و تهتك حرماته، و تعادي أولياءه، فأنت و الله عنده من المهانين المحرومين المطرودين، إلا أن تتداركك رحمة من رب العالمين..

و إن تحققت أنك من أهل القرب، و أنك بلغت مقام الشهود، تستدل به على غيره، فلا ترى سواه، فإن كنت تقر بالوساطة و تثبت الحكمة، و تعطي كل ذي حق حقه، فأنت من المقربين الكاملين، و إن كنت تنكر الحكمة، و تغيب عن الواسطة، فإن كنت مجذوبا مغلوبا، فأنت في هذا المحل ناقص و إن كنت صاحيا، فأنت ساقط إلا أن يأخذ بيدك شيخ واصل، أو عارف كامل..

و هنا ميزان آخر تعرف به نفسك في القرب و البعد، فإن وجدت شيخا مربيا كشف لك الله لك عن أنواره، و أطلعك على خصائص أسراره، فأنت أصلا من أهل القرب بالفعل أو بالإمكان، لقول الشيخ رضي الله عنه، سبحان من يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، و لم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه، و إن لم تجد شيخا مربيا و غرك قول من قال: أنه انقطع وجوده، فأنت قطعا من أهل اليمين من عوام المسلمين، هذا الغالب و الناذر لا حكم له، و الله تعالى أعلم /.

و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم:" يقول الله تبارك و تعالى، أنا الله لا إله إلا أنا، خلقت الخير و الشر، فطوبى لمن خلقته للخير و أجريت الخير على يديه، و ويل لمن خلقته للشر و أجريت الشر على يديه " و في حديث آخر: "من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده "، و في رواية: من أراد أن يعلم منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله تعالى في قلبه، فإن الله تعالى ينزل العبد حيث أنزله العبد من نفسه، قال تعالى: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) الليل/5-6، و الله تعالى أعلم..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire