من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها و من شكرها فقد قيدها بعقالها.

قلـت: اتفقت مقالات الحكماء على هذا المعنى، و أن الشكر قيد الموجودات، و صيد المفقودات..

و قالوا أيضا: من أعطي و لم يشكر، سلب منها و لم يشعر، فمن شكر النعمة فقد قيدها بعقالها، و من كفرها فقد تعرض لزوالها، قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) الأنفال/53 ، أي إن الله لا يغير ما بقوم من النعم حتى يغيروا ما بأنفسهم من الشكر، و تغييرهم الشكر هو اشتغالهم بالمعاصي و الكفر، و لذلك قال الجنيد رضي الله عنه: الشكر أن لا يعصى الله بنعمة، و قيل الشكر فرح القلب بالمنعم لأجل نعمته حتى يتعدى ذلك إلى الجوارح، فتنبسط بالأوامر و تنكف عن الزواجر.

و قال في لطائف المنن: الشكر على ثلاث أقسام: شكر اللسان و شكر الأركان و شكر الجنان.

فشكر اللسان، التحدث بنعم الله، قال تعالى:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) الضحى/11 .

و شكر الأركان، العمل بالطاعة لله تعالى: قال تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) سبأ/13..

و شكر الجنان بالاعتراف بأن كل نعمة بك، أو بأحد من العباد فهي من الله، قال سبحانه و تعالى:( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ) {النحل/53،

و من القسم الأول قول النبي صلى الله عليه و سلم:" التحدث بالنعمة شكر" و من الثاني أنه صلى الله عليه و سلم قام حتى تورمت قدماه فقيل له: أتتكلف كل ذلك و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر فقال: " أفلا أكون عبدا شكورا"

و سئل أبو حازم ما شكر العينين، قال إذا إذا رأيت بهما خيرا أعلنته، و إذا رأيت بهما شرا سترته، و قيل له ما شكر الأذنين، قال، إذا سمعت بهما خيرا وعيته و إذا سمعت بهما شرا دفنته، و قيل له ما شكر اليدين، قال، لا تأخذ بهما ما ليس لك، و لا تمنع حق الله فيهما، و قيل له ما شكر البطن، قال، كما قال تعالى:( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) {المؤمنون/6 قيل فما شكر الرجلين، قال: إن رأيت شيئا غبطته استعملتهما، و إن رأيت شيئا مقته كففتهما.

و اعلـم، أن الناس في الشكر على ثلاث درجات، عوام و خواص و خواص الخواص،

فشكر العوام على النعم فقط، و شكر الخواص على النعم و النقم، و شكر خواص الخواص الغيبة في المنعم عن شهود النعم و النقم.

و النعم التي يقع الشكر عليها ثلاثة أقسام:

دنوية كالصحة و العافية و المال الحلال.

و دينية كالعلم و العمل و التقوى و المعرفة.

و أخروية كالثواب على العمل القليل بالعطاء الجزيل؛ و أجل النعم الدينية، التي يتأكد الشكر عليها نعمة الإسلام و الإيمان و المعرفة، و شكرها هو اعتقاد أنها منة من الله تعالى بلا واسطة و لا حول و لا قوة، قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الحجرات7، و قال تعالى: (فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الحجرات/8..

قال أبو طالب المكي رضي الله عنه: بعد كلام، فلو قلب قلوبنا في الشك و الضلال كما يقلب نياتنا في الأعمال، أي شيء كنا نصنع و على أي شيء نعول، و بأي شيء كنا نطمئن و نرجو، فهذا من كبائر النعم، و معرفته هو شكر نعمة الإيمان، و الجهل بهذا غفلة عن نعمة الإيمان توجب العقوبة، وادعاء الإيمان أنه عن كسب معقول، أو استطاعة بقوة و حول هو كفر نعمة الإيمان، و أخاف على من توهم ذلك أن يسلب الإيمان لأنه بدل شكر نعمة الإيمان كفرا..

 

خف من مقابلة إحسانه لك بإساءتك معه

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire