تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب.

التشوف إلى الشيء هو الاهتمام به و التطلع له.

قلــت: تشوفك أيها الإنسان إلى ما بطن فيك من العيوب، كالحسد و الكبر و حب الجاه و الرياسة و هم الرزق و خوف القهر و طلب الخصوصية، و غير ذلك من العيوب، و البحث عنها و السعي في التخلص منها، أفضل من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب، كالإطلاع على أسرار العباد، و ما يأتي به القدر من الوقائع المستقبلية، و كالإطلاع على أسرار غوامض التوحيد قبل الأهلية له، لأن تشوفك إلى ما بطن من العيوب سبب في حياة قلبك، و حياة قلبك سبب في الحياة الدائمة و النعيم المقيم، و الإطلاع على الغيوب إنما هو فضول، و قد يكون سببا في هلاك النفس، كاتصافها بالكبر و رؤية المزية على الناس، و سيأتي للشيخ: من اطلع على أسرار العباد، و لم يتخلق بالرحمة الإلهية كان إطلاعه فتنة عليه و سببا يجر الوبال عليه.

و اعلـــم : أن العيوب ثلاثة: عيوب النفس ، و عيوب القلب ، و عيوب الروح.

فعيوب النفس تعلقها بالشهوات الجسمانية كطيب المأكل و المشرب و الملبس و المركب و المسكن و المنكح و ما شابه ذلك..

و أمـا عيوب القلب تعلقه بالشهوات القلبية، كحب الجاه و الرياسة و العز و الكبر و الحسد و الحقد و حب المنزلة و الخصوصية و شبه ذلك مما يأتي في أوصاف البشرية.

و أمــا عيوب الروح، فتعلقها بالحظوظ الباطنية، كطلب الكرامات و المقامات و الحور و القصور، و غير ذلك من الحروف، فتشوف المريد إلى شيء من ذلك كله قادح في عبوديته، مانع له عن القيام بحقوق الربوبية، فاشتغاله بالبحث عن عيوبه النفسانية و القلبية و الروحية، و سعيه في التطهير من جميع ذلك، أولى من تشوفه إلى ما حجب عنه من علم الغيوب كما تقدم، و بالله التوفيق، و لما ذكر التخلية، ذكر ثمرتها، و هي التخلية بالمعرفة، إذ ما منع منها إلا تشوف النفس أو القلب أو الروح إلى حظوظها الوهمية فقــال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire