من أشرقت بدايته أشرقت نهايته.

إشراق البداية هو الدخول فيها بالله، و طلبها بالله، و الاعتماد فيها على الله، مع السعي في أسبابها، و الاعتناء في طلبها قياما بحق الحكمة، و أدبا مع القدرة، و يعظم السعي في السبب بقدر عظمة المطلب، فبقدر المجاهدة تكون بعدها المشاهدة، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69 ، و قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه:

لا تحسبوها رخيصــة

راه كل معشوق غالي

ما تحصد صابت الصيف

إلا ببرد الليالـــي

فمن رأيناه في بدايته جادا في طلب الحق، معرضا عن الأنس بالخلق، مستغرقا في خدمة مولاه ناسيا لحظوظه و هواه، علمنا أن نهايته مشرقة، و عاقبته محمودة و مآربه مقضية، و من رأيناه مقصرا في طلب مولاه لم يخرج عن نفسه و هواه، علمنا أنه كاذب في دعواه، فنهايته الحرمان و عاقبته الخذلان، إلا أن يتداركه الكريم المنان، هذا في طريق الوصول إلى حضرة الحق، و أمـــا إشراق البداية في طلب حوائج الدنيا أو المقامات، أو المراتب أو الخصوصيات مثلا، فهو بالزهد فيها و الإعراض عنها، و الاشتغال بالله عنها، قال بعضهم: لا تدرك المراتب إلا بالزهد فيها و الإعراض عنها و الاشتغال بالله عنها، قال الشيخ أبو الحسن: كنت أنا و صاحب لي نعبد الله في مغارة و نقول: في هذا الشهر يفتح الله علينا، في هذه الجمعة يفتح الله علينا، فوقف على باب المغارة رجل عليه سماة الخير فقال السلام عليكم، فرددنا عليه السلام، و قلنا له كيف أنت، فنهض علينا و قال: كيف يكون حال من يقول في هذا الشهر يفتح الله علينا في هذه الجمعة يفتح الله علينا، لا فتح و لا فلاح، هلا عبدنا الله كما أمرنا، ثم غاب عنا، ففهمنا من أين أخذنا، فرجعنا على أنفسنا باللوم، ففتح الله علينا اهـ.

بالمعنى ذكره في التنوير، فمن طلب الخصوصية كان عبد الخصوصية، و فاته حظه من الله حتى يتوب، و من كان عبد الله، نال حظه من العبودية و أدركته الخصوصية من غير التفات إليها و لا طلب و الله تعالى أعلم.

ثم إن هذه الأمور التي تشرق بها البداية، و تكون علامة على إشراق النهاية هي أمور باطنية، كالاعتماد على الله و الرجوع إليه، أو كثرة الشوق و الاشتياق إليه، لكن لا بد من ظهور أثرها على الظاهر و إليه أشار بقوله:

 

العلامة الثانية: تنقية الظاهر


0 Commentaire(s)

Poster un commentaire