الفكرة فكرتان، فكرة تصديق و إيمان و فكرة شهود و عيان، فالأولى لأرباب الاعتبار و الثانية لأرباب الشهود و الاستبصار.

   قلت: فكرة أهل التصديق و الإيمان هي سير القلوب في ميادين الأغيار، فهم يتفكرون في المصنوعات ليتوصلوا إلى معرفة الصانع و قدرته و علمه و حياته و غير ذلك من سائر صفاته، و هم الذين قال الله فيهم:( مؤمنون بالغيب)، وفكرة أهل الشهود و العيان هي سير الروح في ميادين الأنوار، قد انقلب الأغيار في حقهم أنوارا و الدلائل مدلولات، و الغيب شهادة، و هم الذين أطلعهم الله على سر قوله:( قل انظروا ماذا في السماوات و الأرض)

   ثم بين حال الفرقين فقال:الأولى لأرباب الاعتبار، فأهل الفكرة الأولى و هي فكرة تصديق و إيمان لأصحاب الاعتبار، و هم أهل الاستدلال، يستدلون بالصنعة على الصانع و هم السائرون إلى الله بأنوار التوجه، و الثانية لأرباب الشهود و الاستبصار و هم أهل الفكرة الثانية، و هي فكرة شهود و عيان، و هي لأهل الشهود و الاستبصار، لأنهم ترقوا من شهود الدليل إلى المدلول، و من الأثر إلى المؤثر، و من الأغيار إلى شهود الأنوار، و من الفرق إلى الجمع، و من الملك إلى الملكوت، فما يشهدون إلا أنوار الملكوت تدفقت، و انصبت من بحار الجبروت، فهم غرقى في بحار الأنوار، مطموس عنهم وجود الآثار، فإن ردوا إليه رأوه قائما بالله و من الله و إلى الله، فما أعظم قدرهم عند الله، و في مثلهم قال القائــل:

هـم الرجـال و غبن أن يقـال لمـن          لم يتصف بمعـاني وصفهـم رجل

   حققنا الله بما حققهم به آميـن/.

  و هذا آخر الباب الثلاثين، و بها ختمت الأبواب، و ما بقي إلا المراسلات و المناجاة، و حاصل المراسلات ثلاث كتب و جواب و هو كما يأتي:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire