الفكرة سير القلوب في ميادين الأغيار، و الفكرة سراج القلب، فإذا ذهبت فلا إضاءة له.
الفكرة سير القلوب في ميادين الأغيار
فمن لا تفرغ له لا فكرة له، و من لا فكرة له لا سير له، و من لا سير له لا وصول له، فالفكرة هي سير القلب إلى حضرة الرب، و ذلك السير إلى ميادين الأغيار، أي في مجال شهود الأغيار ليستدل بها على وجود الأنوار، فهذه فكرة أهل الحجاب، و فكرة أهل الشهود سير الروح في ميادين الأنوار، أو سير السر في ميادين الأسرار.
فتكلم الشيخ على بداية الفكرة و لم يتكلم على نهايتها، و لو تكلم عليهما معا لكان أحسن كما فعل فيما يأتي، حيث قال الفكرة فكرتان...
و قال الشيخ زروق رضي الله عنه: الفكرة انبعاث القوة الإدراكية في عالم الغيب و الشهادة ليدرك حقيقة الأشياء على ما هي عليه، و من وجد ذلك فهو عارف/.
و قيل إنما عبر الشيخ بالأغيار، و هي المخلوقات لقوله صلى الله عليه و سلم و قد رأى قوما يتفكرون فقال لهم: تفكروا في الخلق و لا تتفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون الله حق قدره".
قلت: إنما نهى عليه السلام عم التفكر في كنه الذات و إدراك الحقيقة و قدمها و بقائها و وحدانيتها و تجلياتها في ظهورها و بطونها، فهذا لا ينهى عنه لأنه سبب المعرفة مع العجز عن إدراك الكنه.
و التحقيق أن أهل الحجاب لا يحل لهم التفكر إلا في المصنوعات، و أما أهل العرفان فلا يتفكرون إلا في عظمة الذات، أي في عظمة الصانع و توحيده و قدمه و بقائه و ظهوره و احتجابه، و في الغيبة عن الحس، و شهود المعنى، أو في الغيبة عن الكون بشهود المكون، أو في الغيبة عن الظلمة بشهود النور، و هو سراج القلب الذي أشار إليه بقوله:
الفكرة سراج القلب، فإذا ذهبت فلا إضاءة له
قلت: الفكرة في عظمة البارئ و توحيده نور، فإذا كان القلب مشغولا بالفكرة في عظمة الحق فهو منور بنور الحق، و إذا خلا من الفكرة في الحق، دخلته الفكرة في الأغيار، و هي ظلمة، و لا تجتمع الظلمة و النور أبدا، فالفكرة سراج القلب، فإذا ذهبت الفكرة في الحق انطفأ نوره بدخول ظلمة الكون، فلا إضاءة له، و لذلك قال الجنيد رضي الله عنه: أشرف المجالس و أعلاها الجلوس مع الله في ميدان الفكرة على بساط التوحيد/.
و قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: أربعة من حازهن فهو من الصديقين و المقربين، و من حاز منهن ثلاثة فهو من أولياء الله المقربين، و من حاز منهن اثنين فهو من الشهداء المؤمنين، و من حاز منهن واحدة فهو من عباد الله الصالحين:
أولها : الذكر، و بساطه العمل الصالح و ثمرته النور.
الثاني: الفكرة ، و بساطه الصبر، و ثمرته العلم.
الثالث: الفقر، و بساطه الشكر، و ثمرته المزيد منه.
الرابع: الحب، و بساطه بغض الدنيا و أهلها، و ثمرته الوصول إلى المحبوب.
ثم بين فكرة البداية و النهاية فقال:
0 Commentaire(s)