ربما عبر عن المقام من أستشرف عليه، و ربما عبر عن المقام من وصل إليه، و ذلك يلتبس إلا على صاحب بصيرة.

    قلت: العبارة لا تدل على نهاية المعبر، و لا وصوله إلى ما عبر عنه، فقد يعبر عن المقام من لم يصل إليه، و لكن استشرف عليه، و قد يعبر عنه من وصل إليه، و ربما عبر عن المقام و قدمه فوق ما عبر عنه، و ذلك ملتبس، إذ لا يعرف المستشرف من الواصل إلا ذو بصيرة، يعني فتح الله عليه في المعرفة.

   فكل من فتح عليه في معرفة الله، و رفع عنه الحجاب، عرف كلام الواصل من المستشرف، فليس من خالط البلد و وصفها ثم نعتها، كمن استشرف عليها و لم يدخلها ثم جعل ينعتها، قال بعضهم: و قد يعرف المستشرف بطول التعبير، و الواصل باختصاره، فالمستشرف يطول العبارة و يكررها و الواصل من أول مرة يدركها، و قد قالوا: العارف بالضرب لا يكثر الهنا، و العارف بالمفاصل لا يكثر الحنا.

   قلت: و هذه القاعدة ليست كلية، إذ كثير من العارفين الواصلين تطول عبارتهم لمعرفتهم بتفاصيل الخطاب، و من المستشرفين من تقصر عبارتهم، قال المؤلف رضي الله عنه:

   الاستشراف و الوصول ليس مراتب التوجه للتحقق بالعجز، فمن وصل لمعرفة العجز عن الوصول فهو الواصل، لكن العجز لا يكون إلا بعد الاتصاف به حقيقة لا مجازا، و ذلك أن الجاهل عجزه حالي قهري، و العارف عجزه جلالي رحماني.

   قلت: المراد بالعجز في حقه الحيرة و الدهش أولا، ثم العجز عن الإحاطة و المكنة ثانيا، ثم قال: يشهد لذلك أن الجاهل متى تحرك وقع في الحظوظ، و العارف لا يتحرك إلا بالحقوق، و الجاهل نصيبه الوهم، و العارف نصيبه الفهم، الجاهل طالب للعلم و العارف للمعلوم، الجاهل تابع بنظره للصور الحسية، و العارف غائص ببصيرته مع الأرواح المعنوية.

   و جميع المراتب و المقامات مراحل بين الحس و المعنى، و انتقال من الهياكل الجسمية للعوالم القلبية، ثم من العوالم القلبية إلى الحقائق الروحانية، ثم من الحقائق الروحانية إلى الأسرار الربانية، ثم من الأسرار الربانية إلى المعارف التوحيدية/.

   ثم لا ينبغي للسالك أن يعبر عن هذه الأسرار إذا واجهته في طريق السلوك كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire