من أذن له في التعبير فهمت في مسامع الخلق عبارته و جليت إليهم إشارته.

   قلت: الإذن في التعبير إنما يكون على يد الشيخ الكامل العارف الذي أهله الله للتربية، و نصبه للتوصيل و الترقية، فإذا رأى على تلميذه التذكير و الترقية أذن في التعبير، فإذا عبر أخذ بمجامع القلوب، و فاض على لسانه أسرار علام الغيوب، فتحسن في مسامع الخلق عبارته، و تجلى إليهم إشارته، أي تظهر و تفهم، و لا عبرة عند المحققين بلحن الكلام و لا إعرابه، و لا خطأ في رفعه و نصبه من صوابه، و إنما العبرة بالمعاني دون القوالب و الأواني.

      يحكى أن بعض النحويين دخل مجلس الحسن بن سمعون ليسمع كلامه، فوجده يلحن فانصرف ذاما له، فبلغ ذلك الحسن، فكتب له الحسن إنك من كثرة الإعجاب رضيت بالوقوف دون الباب، فاعتمدت على ضبط أقوالك مع لحن أفعالك، و إنك قد تهت بين رفع و خفض و نصب و جزم، فانقطعت عن المقصود، هل لا رفعت إلى الله جميع الحاجات، و خفضت كل المنكرات، و جزمت عن الشهوات، و نصبت بين عينيك الممات، و الله يا أخي ما يقال للعبد: لم لم تكن معربا و إنما يقال له: لم كنت مذنبا، ليس المراد فصاحة المقال، و إنما المراد فصاحة الفعال، و لو كان الفضل في فصاحة اللسان لكان سيدنا هارون أولى بالرسالة من سيدنا موسى، حيث يقول: و أخي هو أفصح مني لسانا /.

   و قال أحدهم:

لسـان فصيــح فــي كلامــه    *****    فيـا لـه مـن وقفـة العـرض يسلـم

و لا خير في عبد إذا لـم يكـن تقـي     *****    و مـا ضـر ذا تقـوى لسـان معجـم

   و قال آخر:

منحرف بالفعــال و ذو  زلــل     *****    و إن تكلـم فـي جدالـه وزنــه

قـال: و قـد كتبــت لفظتــه     *****    فتيهــا و عجبـا أخطـأ ما لحنـه

و إنمــا أخطــأ من قـام غـداً     *****    و لا يــرى فـي كتـابه  حسنـه

   و كان شيخ شيخنا رضي الله عنه إذا ذكر من تقدم له في العربية يقول له: أنت أترك شيئا من عربيتك، و أنا أترك شيئا من جبليتي، يعني من اللغة الجبلية، و نلتفت للطريق.

   و الحاصل: أن من اجتمع في الحال و فصاحة المقال، فهو كمال الكمال، و ذلك لأنه ينتفع بكلامه بعد موته كالغزالي و الششتري و الشاذلي و المرسي، و الشيخ رضي الله عنه، فقد عظم النفع بكلامهم، و أعظمهم المؤلف رضي الله عنه، فقد حاز قصب السبق في التعبير، و نسخت كتبه كتب القوم، و قد شهد له شيخه بهذا المعنى فقال: و الله لا يموت هذا الشاب حتى يكون داعية يدعو إلى الله، و قال له: و الله ليكونن لك شأن عظيم و الله ليكونن لك شأن عظيم، و قال فيه أيضا حين نسخ له كتاب التهذيب، و الله لأجعلنك عينا من عيون الله يقتدى بك في علم الظاهر و الباطن، و قال فيه أيضا: و الله ما أرضى له بجلسة جده، و لكن بزيادة التصوف، و كان جده فقيها، شرح المدونة، اسمه عبد الكريم، و كلام الشيخ رضي الله عنه يدل على مقامه و ما تخلص التصوف و لا تهذب إلا على يديه، فقد قرب المدارك و هذب المسالك في أحسن عبارة، و أوجز لفض و إشارة، جزاه الله عن المسلكين خيرا.

   ثم بين رضي الله الكلام الذي يؤذن لصاحبه في التعبير عنه فقـال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire