من عبر من بساط إحسانه أصمتته الإساءة، و من عبر من بساط إحسان الله لم يصمت إذا أساء.

   قلت: أهل التعبير هم أهل التذكير، الذين يذكرون عباد الله، و يعبرون عما منحهم الله به من العلوم و المواهب و الفتوحات.

   و الفتوحات على قسمين: علماء و عارفون، أو تقول أهل الحجاب و أهل الفتح، فأهل الحجاب يعبرون من بساط إحسان أنفسهم، فيقولون فعلنا كذا و رأينا كذا، و فتح علينا في كذا، و افعلوا أيها الناس كذا و اتركوا كذا، فإذا وقعوا في زلة أو هفوة سكتوا حياء من الله و خوفا أن يأمروا بما لم يفعلوا، لأنهم باقون مع نفوسهم، محجوبون عن ربهم، فإذا فعلوا طاعة فرحوا بها و اعتمدوا عليها، و إذا فعلوا زلة حزنوا و جزعوا و سقط ما في أيديهم، فلما عبروا من بساط إحسان أنفسهم أصمتتهم الإساءة.

   أما أهل الفتح من العارفين يعبرون من بساط إحسان الحق، غائبين عن شهود الخلق، فانون عن أنفسهم باقون بربهم، فهؤلاء إذا عبروا عما منحهم الله من المعارف و الأسرار و العلوم و الأنوار و الكرامات و الفتوحات و المواهب و ذكروا و أمروا و نهوا، دام تعبيرهم و نفع تذكيرهم، فإذا أساءوا لم تصمتهم إساءتهم، لأن إساءتهم من أنفسهم، و تعبيرهم من بساط إحسان الله إليهم و إحسانه لا يكده شيء، و قولنا من أنفسهم أعني أدبا فقط، إذ هم لا يشهدون إلا تصريف الحق فيهم، فلذلك لم تصمتهم إسائتهم لأنهم مغموسون في بحر المنة، لا يشهدون في الكون سواه.

   و أيضا من عبر من بسار نفسه، نادته مساويه: اسكت، أما تذكر فعلك القبيح و وصفك الذميم، فيسكت خجلا، و من عبر من بساط إحسان الله غابت مساويه لغيبته في محاسن مولاه، فلا يشهد إلا إياه، فإذا أراد أن يعبر سبق نور معرفته إلى قلوب عباده، فيسري فيهم التعبير، و يأخذ بقلوبهم التذكير، كما أبان ذلك بقوله:

أنوار الحكماء في الاأقوال و التعبير

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire