من علامات إقامة الحق لك في الشيء إدامته إياك فيه مع حصول النتائج.

   قلت: إذا أقام الحق تعالى عبده في حالة لا يستقبحها الشرع، و لا يذمها سليم الطبع، فلا ينبغي له الانتقال عنها بنفسه حتى يكون الحق تعالى الذي أدخله فيها هو الذي يتولى إخراجه منها، (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) الإسراء/80.

   فالمدخل الصدق أن تدخل في الشيء بالله لا بنفسك، و المخرج الصدق أن تخرج منه بالله لا بنفسك، فإذا أقامك الحق تعالى في الأسباب، فلا تخرج منها بنفسك فتتعب، فامكث حتى يخرجك الحق بإشارة صريحة من شيخك، أو من هاتف من عند ربك، و قد تقدم هذا في أول الكتاب، و من علامة إقامة الله تعالى لك في ذلك الشيء الذي أنت فيه، إدامة الحق إياك في ذلك الشيء مع حصول النتائج و سلامة الدين.

   و المراد بالنتائج ما يترتب عليه من إعطاء حقه الواجب و المستحب، كأداء الزكاة و إطعام الجائع و ستر العريان و إغاثة اللهفان، و غير ذلك من أنواع الإحسان، و إذا أقامه الله تعالى في نشر العلم الظاهر، فعلامة إقامة الحق فيه تعليمه لله ونفع عباد الله، و الزهد في الدنيا، و الرغبة فيما عند الله، و التواضع و الصبر على جفاء المتعلمين، و هكذا سائر الحرف إذا كان فيها من المنهج الشرعي فلا ينتقل عنها بنفسه.

   و إذا أقامك الحق في التجريد فالزم الباب و تحل بالآداب حتى يفتح لك الباب، فعلامة إقامته إياك فيه حصول نتائجه، و هي الترقي في الأحوال و المقامات حتى تبلغ النهايات، و المقامات هي التوبة و التقوى، و الاستقامة و الزهد و الورع و الخوف و الرجاء و الرضا و التسليم و الإخلاص، و الصدق و الطمأنينة و المراقبة و المشاهدة و المعرفة، و كل مقام له علم و عمل و حال، فأوله علم و ثانيه عمل و ثالثه حال، ثم مقام، فإذا بلغ إلى مقام المعرفة و تمكن فيها انقطعت المقامات.

   قال بعضهم: في بحر التوحيد غاصت الأحوال و انطمست المقامات، و إن إلى ربك المنتهى، فحينئذ يغمس في بحر الإحسان، فإذا عبر من بساط إحسان الله له لم يصمت إذا أساء كما بين ذلك بقولــه:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire