استشرافك أن يعلم الناس بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك ،
قلـت: إذا خلصك الحق تعالى أيها الفقير بخصوصية من خصوصيات خواصه، كزهد أو توكل أو ورع أو رضا، أو تسليم أو محبة أو يقين في القلب، أو معرفة، أو أظهر على يديك كرامة حسية أو معنوية، أو استخرجت فكرتك حكما، أو مواهب كسبية أو لدنية، ثم استشرفت أي تطلعت و تمنيت أن يعلم بخصوصيتك، بأن يطلعوا على تلك الخصوصية التي خصك الله بها، فذلك دليل على وجود الرياء الخفي في باطنك، و دليل على عدم صدقك في عبوديتك، بل أنت كاذب فيها، إذ لو كنت صادق في عبوديتك لاكتفيت بعلم الله، و قنعت بمراقبته إياك، و استغنيت به عن رؤية غيره..
فالواجب على الفقير إذا خصه الله بخصوصية كتمها و جحدها و سترها إلا عن شيخه، فإن أظهرها فهو على خطر، فقد يكون تحدثا و قد يكون تبجحا و في الكتمان السلامة، و قد تقدم قول الشيخ: من رأيته مجيبا عن كل ما سئل و معبرا عن كل ما شهد و ذاكرا كل ما علم، فاستدل بذلك على ثبوت جهله، و في مثل هذا قال شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه:
احفــر لســـرك و دكـــو فــي الأرض سبعيــــن قامـــة
و خلــي الخـلايـق يشكـــو إلــى يـــوم القيـــامــــة
و كان بعض إخواننا إذا سئل ما أردكتم و ما ذقتم في هذا الطريق يقول: البرد و الجوع، فكـان شيخ شيوخنا يعجبه ذلك و يستحسنه لدلالته على صدق الإخلاص، و ما زالت أشياخنا و أشياخهم يستعملون الخراب في ظواهرهم صونا لما في بواطنهم، و لأجل هذا فضل عمل السر على عمل العلانية بسبعين درجة ضعفا كما في الحديث..
و قال سيدنا عيسى عليه السلام: إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته و يمسح شفتيه، فإذا خرج إلى الناس رأوا أنه لم يصم، و إذا أعطى أحدا فليعط بيمينه و يخفيها عن شماله، و إذا صلى أحدكم فليسدل عليه بابه، فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق..
و قال الشيخ أبو عبد الله القرشي رضي الله عنه: كل من لم يقنع في أفعاله و أقواله بسمع الله و نظره، دخل عليه الرياء لا محالة..
و قال بعضهم: ما أخلص عبد قط إلا أحب أن يكون في حب لا يعرف؛ و لهذا كان إسقاط المنزلة شرطا في هذا الطريق، فإن تحقق العبد بالمعرفة و مشاهدة الوحدانية جاز له الإخبار بالوحدانية بأعماله، و الإظهار لمحاسن أحواله، بناء منه على نفي الغير و أداء الواجب من الشكر..
كان بعض السلف يصبح فيقول: صليت كذا و كذا ركعة، و تلوت كذا وكذا سورة فيقال له أما تخشى من الرياء، فيقول ويحكم، و هل رأيتم من يرائي بعقل غيره..
و الحاصل، أن من فني عن نفسه، و تحقق بشهود ربه فلا كلام عليه و قد قالوا: من أحب الخفاء فهو عبد الخفاء و من أحب الظهور فهو عبد الظهور، و من لم يرد غير ما أراد الله به فهو عبد الله حقا..
ثم علمك الشيخ الدواء في ترك الاستشراف إلى الخلق و هو الاكتفاء بنظر الحق، فقــال:
كيف التخلص من الرياء
0 Commentaire(s)