من اطلع على أسرار العباد و لم يتخلق بالرحمة الإلهية كان اطلاعه فتنة عليه، و سببا في جر الوبال عليه.
قلـت: الاطلاع على أسرار العباد قبل التمكين في الشهود و التخلق بأخلاق الملك المعبود، فتنة عظيمة، و بلية و مصيبة، و ذلك لأنه قبل التمكين في المعرفة، قد يشتغل بذلك قبله، و يتشوش خاطره و لبه، فيفتره عن الشهود و يفتنه عن الرسوخ في معرفة الملك الودود..
و أيضا ما دامت النفس حية، و لم يقع الفناء عنها، قد يعتقد بذلك المزية على الناس، فيدخله الكبر و العجب، و هما أصل المعاصي، فكان اطلاعه حينئذ على أسرار العباد سببا في جر هذا الوبال، أي العقوبة إليه، و هو التكبر على الناس، و اعتقاد المزية عليهم، و هو سبب البعد عن الله، بخلاف ما إذا تمكن في معرفة الحق، و تخلق بأخلاقه، و تحقق بمعاني صفاته و أسمائه، فإنه يكون على خلق الرحمن، فإذا اطلع على معاصي العباد و مساويهم رحمهم و سترهم و حلم عليهم، و قد قال صلى الله عليه و سلم:" الخلق عيال الله و أقربكم إلى الله أرحمكم بعياله " و قال صلى الله عليه و سلم: " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "
و في الإشارات عن الله سبحانه: " عبدي، إذا استخلفتك شققت لك من الرحمانية شقا، فكنت أرحم من المرء بنفسه"..
و روي عن سيدنا إبراهيم عليه السلام، حدث نفسه أنه أرحم الخلق، فرفعه الله حتى أشرف على أهل الأرض، فأبصر أعمالهم و ما يفعلون، فقال: يا رب دمر عليهم، فقال له الحق تعالى: أنا أرحم بعبادي منك يا إبراهيم، فلعلهم يتوبون و يرجعون، و في بعض التفاسير، أنه كان يعرج كل ليلة إلى السماء و هو قوله تعالى:( و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات ة الأرض و ليكون من الموقنين) الأنعام 75، فعرج به ذات ليلة فاطلع على مذنب على فاحشة، فقال: اللهم أهلكه، يأكل رزقك و يمشي على أرضك و يخالف أمرك، فأهلكه الله تعالى، فاطلع على آخر، فقال اللهم أهلكه، فنودي كف عن عبادي رويدا رويدا، فإني طالما رأيتهم عاصين، و في رواية أخرى: فأوحى الله إليه، يا إبراهيم أين رحمتك للخلق، أنا أرحم بعبادي منك، إما يتوبون فأتوب عليهم و إما أن أخرج من أصلابهم من يسبحني و يقدسني، و إما أن يبعثوا في مشيئتي، فأعفو و أعاقب، يا إبراهيم كفر ذنبك في دعوتك بدن قربان، فنحر إبلا، فنودي في الليلة الثانية، كفر ذنبك بدم، فذبح بقرا، فقيل له في الثالثة كفر ذنبك بدم، فذبح غنما، و قيل له في الرابعة كفر ذنبك بدم، فقرب إلى الله من الأنعام ما بقي عنده، فقيل له في الخامسة، فقال يا رب لم يبق لي شيء، فقيل له إنما تكفر ذنبك بذبح ولدك لأنك دعوت على العصاة فهلكوا، فلما شمر لذلك و أخذ السكين بيده قال: اللهم هذا ولدي و ثمرة فؤادي و أحب الناس إليّ، فسمع هاتفا يقول: أما تذكر الليلة التي سألت إهلاك عبادي، أو ما تعلم أني رحيم بعبادي، كما أنت شفيق بولدك، فإذا سألتني إهلاك عبادي سألتك ذبح ولدك واحدا واحدا و البادي أظلم/..
معالجة حظ النفس في الطاعة أصعب من معالجة حظها في المعصية
0 Commentaire(s)