المؤمن إذا مدح استحيى من الله تعالى أن يثنى عليه بوصف لا يشهده من نفسه، و أجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس.

المـؤمن إذا مـدح استحيى من الله أن يثنـي عليـه بوصـف لا يشهـده من نفســه

    قلـت: قد تقرر أن التحقيق ما ثم إلا سابقة التوفيق، و من تمام نعمته عليك أن خلق فيك و نسب إليك، فإذا أطلق الثناء عليك بشيء لا نسبة لك فيه، و إنما أنت محل لظهوره، فاستحي منه تعالى أن يثني عليك بشيء تعلمه أنه من فعل غيرك، أو لم يظهر عليك شيء منه أصلا، فإن مدحك بشيء زائد على ما ظهر فيك، فاطلب منه القوة على المزيد، فإن ربك فعال لما يريد، و لا يضرك مدحك بما تفعل إن لم تقصد التعرض للمدح، ففي الحديث عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال:" أتدرون من المؤمن" قالوا الله ورسوله أعلم، قال: " الذي لا يموت حتى يملأ مسامعه مما يحب، و لو أن رجلا عمل بطاعة الله في جوف بيت إلى سبعين بيتا على كل بيت باب من حديد، لألبسه الله لباس علمه حتى يتحدث الناس بذلك و يزيدون" قيل يا رسول الله كيف يزيدون؟ قال: "المؤمن يحب ما زاد عمله" الحديث.

   و في حديث آخر، قيل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل خفية، ثم يتحدث الناس به، فيفرح فقال عليه الصلاة و السلام: " له الأجر مرتين، أجر العمل و أجر الفرح، فإن فرح بما ليس فيه و اغتر بذلك فهو جاهل بربه"..

   كما أشار إلى ذلك الشيخ بقولــه:

 

أجهـل الناس من تـرك يقيـن ما عنده لظـن ما عند النــاس

   قلـت: اليقين الذي عنده هو علمه بمساويه و خفايا عيوبه و ما انطوت عليه سرائره من النقائص و التقصير، و ظن ما عند الناس، هو ما يرون على ظاهره من الكمالات و أنوار الطاعات التي تصحبها العلل الباطنية و الحظوظ النفسانية، فيتوجهون إليه بالمدح و الثناء، فإذا قنع بذلك و فرح بما هنالك، فهو أجهل و أحمق الناس، إذ قد قنع بعلم الخلق، و لم يخف من مقت الحق، و المطلوب من الفقير عكس ذلك، و هو أن ينقبض عند المدح و ينبسط عند الذم حتى يستويا عنده، هذا إن كان المادح من أهل الدين و الخير، و أما إن كان جاهلا أو فاسقا، فلا غباوة أعظم من الرضا بمدحهم و الفرح به..

   روي أن بعض الحكماء مدحه بعض العوام فبكى، فقال له تلميذه، أتبكي و قد مدحك، فقال له إنه لم يمدحني حتى وافق بعض خلقي خلقه، فلذلك بكيت..

   و قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه: تزكية الأشرار هجنة لك، و حبهم لك عيب عليك، و قيل لبعض الحكماء، إن العامة يثنون عليك، فأظهر الوحشة من ذلك و قال: لعلهم رأوا مني شيئا أعجبهم، و لا خير في شيء يعجبهم و يسوءني /.

   فينبغي للفقير أن يخفي محاسنه و أعماله التي يمدح عليها، و يظهر ما يسقط به من أعينهم، مما هو مباح كما تقدم في الخمول، و كان شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه يقول: فينبغي للفقير ألا يكون صيته أكبر من قدمه، بل يكون قدمه أكبر من صيته، و قدره أكبر من دعواه /.

   فيكون جلالي الظاهر، جمالي الباطن، فكل ما تظهره على ظاهرك من الجلال يدخل في باطنك قدره من الجمال، و كل ما تظهره من الجمال يدخل قدره في باطنك من الجلال، فتزين الظاهر يخرب البواطن، و تخريب الظواهر يزين البواطن، فيقدر ما تخرب في الظاهر يكون عمارة في الباطن، و بقدر ما تعمر في الظاهر يكون خرابا في الباطن، و لله در شيخ شيوخنا المجذوب رضي الله عنه حيث قال في شأن الجهال:

اتفقـوا علـى الديــن تركـوه     *******     تعــانـدوا في المال و الكســاوي

الثـوب مـن فـوق  غسلــوه     *******     و خـلـوا القـلـب خــــاوي

   فإذا أظهرت الجلال و أخفيت الجمال، ثم أطلق الثناء عليك الكبير المتعال بما لست له أهـلاً، فأثن عليه بما هو أهله كما أبان ذلك بقولــه:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire