متى طلبت عوضا عن عمل طولبت بوجود الصدق فيه، و يكفي المريب وجود السلامة.

   قلـت: متى صدر منك عمل من أعمال البر و طلبت الحق سبحانه أن يجازيك عليه طالبك الحق تعالى بوجود الصدق فيه، و هو سر الإخلاص و لبه، الذي هو التبري من الحول و القوة، و انعزال النفس عن رؤية العمل بالكلية بعد تحقيق الحضور و السلامة من الوساوس و الخواطر و الهواجس، حتى تكون صلاتك بالله و لله، غائبا فيها عما سواه، قد ملأ قلبك عظمة الله، فغبت في الله بالله، فإذا تحققت فيك هذه الأمور، صح لك أن تطلب ما رتب الحق سبحانه على العمل من أنواع الجزاء و الأجور، و إن لم تتحقق من نفسك هذه الأمور، فاعلم أن عملك مدخول، فاستحي من الله أن تطلب الجزاء على عمل مدخول، فيكفيك من الجزاء و حصول المطلب السلامة من الهلاك و العطب، و يكفيك من طلب حسن نواله السلامة من عقابه و نكاله..

   يكفي المريب و هو المتهم، وجدان السلامة من العقوبة بما اتهم فيه، فمن كان عند الملك متهما، و هو محبوس للعقوبة على ما اتهم فيه، ثم قيل له إن الملك يمنحك و يعطيك كذا وكذا، فيقول لهم يكفيني في العطاء وجدان السلامة من عقوبته..

   و أنت أيها الإنسان طولبت بالأعمال و الإخلاص فيها، و إتقانها و إتمام إقامتها، فأتيت بطاعة مشوبة بالخواطر و الوساوس، و على تقدير سلامتها من ذلك، فطلبك الجزاء يقتضي رؤية نفسك، و وجود الفعل منك، و هو شرك تستحق عليه العقوبة، فيكفيك من عطائه وجود السلامة من عقابه..

   قال الواسطي رضي الله عنه: العبادة إلى طلب العفو عنها أقرب منها إلى طلب الأعواض..

   و قال خير النساج رضي الله عنه: ميراث أعمالك ما يليق بأفعالك، فاطلب ميراث فضله، فإنه أتم و أحسن..

   و قال تعالى:( قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) يونس58، و معنى كلامه رضي الله عنه، أن جزاء أعمالك ما يليق بأفعالك الناقصة، و جزاء الناقص ناقص، فاطلب منه ثمرة فضله، فإنه كامل من كل وجه، فهو أتم و أكمل و الله تعالى أعلم..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire