ماذا يمكن أن يقدم الطب النفسي الإسلامي؟

من المفيد التعريج (ولو بإيجاز شديد) على الطب والعلوم في العهد الإسلامي قصد استقراء ما لم نتوفق لاستقرائه إلى الآن، أو بالأحرى فهمه حتى يكون منهجا يقتدى به (والدليل ما نحن عليه)..

أخذ الأمر قرنين من الزمن تقريبا على الحضارة الإسلامية حتى أثمرت شجرة الإيمان حتى انعكست على الفهوم وتناولتها الأيدي المبتكرة في العلوم المادية في كل الميادين، ولا يوجد علم من العلوم النافعة في الدين أو الدنيا إلا وتفرس فيه المسلمون، سواء كان الناس فيه إلى احتياج حينها، وتمت الاستفادة منه لقرون طويلة بعده، أو كانت أبحاث نظرية في علوم مادية محضة تعتبر بمثابة أبحاث مستقبلية، منها ما فهم الآن ومنها من لا يزال مطلسما برموز مشفرة إلى أن يحين وقته، وهذا ما لم يفهمه بعض الفقهاء حينها (وإلى الآن لا زالت بعض الألسن تبحث عن المواضيع الشاذة للظهور أو للتسلية).. وما يهمنا الآن هو الطب فلنذكر منه نيفا:

* أبو بكر الرازي، كان في القرن التاسع الميلادي.. درس العلوم الشرعية والأدب والمنطق والرياضيات والطب والفلسفة والفلك والكيمياء.. وأخيرا تخصص في الطب، وأول من ابتكر الطب السريري، وكان يقول: إن استطاعَ الحكيم أن يعالِجَ بالأغذية دون الأدوية فقد وافق السَّعادة.. كتب الحاوي في الطب وظل المرجع الرئيسي في أوروبا لمدة أربعة قرون وزيادة..

* ابن الجزار القيرواني: القرن التاسع الميلادي، أول من اهتم بطب الأطفال، دون ذلك في كتابه " سِياسَة الصِّبيان وتَدبيرهم" ويتعلق الأمر بكل شيء عن الرضيع وصحته ومرضه ورضاعته وصفة اللبن وتركيبه، وعن المرضعات والحاضنات، وختم كتابه عن طبائع الصبيان وعاداتهم... .

* ابن سينا: عالم وفيلسوف وطبيب.. القرن العاشر الميلادي، عرف بالشيخ الرئيس وسماه الغربيون بعد ذلك أمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور الوسطى.. اتبع منهج أبو قراط وجالينوس ويعتبر أول من دون في الطب.. ويعتبر أول من اهتم بالمعالجة النفسية وأثرها في الآلام العصبية، وأول من تكلم على التنفس الحركي (الرياضة) ويقول: والموفَّق لاستعمالها على جهة اعتدالها في وقتها به غناءٌ عن كلِّ علاج تقتضيه الأمراضُ الماديِّة والأمراض المزاجية التي تتبعها وتحدث عنها..

* ابن البيطار: يعتبر أشهر الصيادلة العرب في القرن الثاني عشر الميلادي، اكتشف على نحو من 200 صنف عشبي لم يكن معروفا من قبل، وأورد في كتابه أزيد من 1400 عقار..

* ابن النفيس: القرن 12 ميلادي، الفقيه المشهور والمحدث واللغوي والفيلسوف.. والطبيب، المتفرس أو المبتكر لعلم وظائف الأعضاء (الفيسيولوجيا) وهو أول من تكلم على الدورة الدموية الصغرى.. كما أنه كان له بعد نظر في فلسفة التكوين والنشأ ومدى تأثيرها على الشخصية، وعليها ألف كتاب: فاضل ابن ناطق.. على نمط حي بن يقضان لإبن الطفيل الأندلسي.. يتناول ابن النفيس جانبا متقدما من التحليل التكويني للشخصية الإنسانية، بناء على أصول المواد الأربع (النار والهواء والماء والتراب) والطبائع الأربع (الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة)، ثم كيف يكون السير والترقي حتى الوصول إلى الحكمة والمعارف واستقبال الإمدادات الكونية والهداية بالسنن الشرعية...

صحيح أن هذا بحث سابق لأوانه في القرن 21 فكيف يستصاغ لإبن النفيس ب 900 سنة، وإن في الواقع بدأت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي بعض الأبحاث في الموضوع من اليابانيين على يد "فوروكاوا" الذي ابتدأ بحثه من الفصائل الدموية.. إلى درجة أنه الآن لا يكون توجيه علمي ولا عملي ولا زواج إلا عليه، وقد أنشأت جامعات لا تقبل إلا الفصائل الدموية المعينة قصد تكوين مسيرين ومخططين ومبرمجين...

اما العلم فهو ديني علمي كوني تقدمي، سمه ما شئت، ولكنه يعتني بالفصائل البشرية، والعلم والعمل يمكن أن يسمى "علم الشاكله" قال تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا.. وله أسماء أخرى لا يسع المجال لذكرها، فقط وجب ذكر ما رشح به القلم قصد التنبيه إلى علم الله العليم الحكيم... .

جابر بن حيان: وكان قبلهم في القرن السابع والثامن الميلادي، ويكفي أنه تتلمذ على الإمام جعفر الصادق، ويعتبر مؤسس مدرسة في الكيمياء الحقيقية، والتي إلى الآن لم يقف لها على إسم حقيقي وهوية علمية.. كان علماء الظاهر قديما يسمونها الكيمياء السحرية (لجهلهم بعناصر التكوين الأصلية للمادة) أم الغربيون فيسمونها كذلك (Alchimie) انتسابا إلى الكلمة العربية "الكيمياء" والكلام فيها على الإكسير والحجر المكرم وترقي الأجسام وإزالة التكدير... والعمل عليه باعتبار المادة الموجودة وتصور أصلها الصافي النقي والسير بها على المنهج العلمي الذي يزيل كدرها ويرجع لها سرها وأصلها، وتعتبر في ذلك كل المؤثرات الكونية، ويستحيل أن تكون تلك ثمرة فكر، إنما الأمر فيها مرجعه إلى قراءات خاصة، إن سميت "فلسفة" فليست الفلسفة الفكرية المعروفة في وقتنا، وليست كذلك كل ما ترجم من الحضارات القديمة قبل الهدي النبوي الشريف كما يدعي بعض إخواننا، وليسوا على خطإ، إنما هو عدم الإلمام بالمسألة.. وإن سميت"حكمة" فهي ربط الفروع بأصولها ووضع المسائل في أماكنها وسياسة الأشياء بحقيقة مكوناتها..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire