أما الوظائف الرئيسية للمعرفة في فص الناصية هي كما يلي:

* اللغة (langage).

* التذكر (mémoires)

* المشاعر (émotions)

* الاهتمام، بجميع أشكاله (l'attention sous ses différentes formes)

* الغنوص (les gnosies) وفيها الإدراك والاعتراف ومعرفة الهوية والقدرة على تعلم كيفية التعرف...

* التطبيقات العملية (les praxies) وهي القدرة على معرفة الكيف الفعلي...

* المهارات البصرية المتعلقة بالزمان والمكان ( les habiletés visuo-spatiales et temporo-spatiales)

* ووظائف التنفيذ (les fonctions exécutives)، وتدخل هذه الأخيرة في المهام الفكرية التالية:

* الكبت (l'inhibition): هو الكذب على النفس أو تكذيبها، وذلك أن النفس الضعيفة تبحث على مبررات باطنة لتقوية تصرفها اللامسؤول امام الوقائع أو النوازل.. فإن تمكن الكبت في صاحبه أصبح يبحث على تبرير لفشله.. وإن تمكن الكبد لصاحبه وقع في الدفاع عنه، ولو كان ما يدفعه حق وما يدافع به باطل!!! .

* المنطق (le raisonnement) ولم أجد اسما أفضل من "التفكر" قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.. أما المنطق فقد اصطلح عليه قديما بهذا الاسم، واستثمره مفكرونا تبعا للمدرسة الغربية فيه.. أما من حيث عمقه التاريخي فأول من تكلم به أرسطو حيث رتب مسائله وفصوله وأول من ألف فيه مجموعة كتب تسمى الأورغان، أما من تكلم فيه من المسلمين فابن سينا، وأخذ اهتمامات الفارابي بعده إلى أن قام أبو حامد الغزالي (حجة الإسلام) بمزج ما ذكر من علم المنطق بتأصيله حسب المفهوم الديني أو الإسلامي، حتى أصبح فيه مثقفون ومجتهدون ومهتمون ودارسون، ثم بدأ انحطاطه عبر القرون والسنين حتى طغت المدرسة الغربية عليه ولم يعد للمنطق الإسلامي إلا تاريخ يذكر غير بعض التآليف الشعية..

لعلم المنطق الحديث تصورات خلاصتها أربعة:

1) الإدراك الحسي (Perception dans le sens) وهو بداية تعلم الإنسان.

2) الإدراك الخيالي (Perception imaginaire) وهو بداية تأليف الخيال أو التصور للشيء الغير موجود بناء على المتوفر في الخيال المعرفي والموجود فيه..

3) الإدراك الوهمي (Perception de l illusion) وهو إدراك المعاني المعنوية مثل المحبة الواجبة أو الخوف المفترض أو الواجب المحتم...

4) الإدراك العقلي والفكري (cognition mentale et intellectuelle) هي الملكة العقلية الكاملة التي تمكن الإنسان من معرفة الخطإ من الصواب، وجعل من الصواب منهجا يكون فيه التنامي والاجتهاد، ومن الخطإ علامات يعرف بها ومؤشرات تنبه إلى خطورتها...

هذه الخطوط العريضة التي يستثمرها الباحثون في التعبير على شتى مراحل الإدركات الفكرية أو مراحلها أو تطوراتها أو معوقاتها..

اما إذا أردنا البحث في التخصص الإسلامي، وبما أن التعبير أو الكلمة بكل جدورها: يتفكرون أو يتفكروا أو فكرّ... فإننا نجد لها دلالات في 18 موقعا التي توجد فيه حسب الترتيب القرآني، وحسب الشرح النبوي الوارد في الأحاديث، والكلام يلزمه تفصيل خاص للإحاطة به، ولكن نقتصر على استقراء أنوار حروف كلمة يتفكرون، وهي إن شئت قلت الأدوات اللازمة للتفكر، أو منهج التفكر الصحيح والحقيقي، وما انتقص من أنواره ينقص نتائجه في تحصل التفكر..

فــــــــــــــــــــ: يتفكرون: هي سبعة حروف بسبعة انوار، وعكسها معوقاتها وهي على التوالي:

ي: لها الخوف من الله عز وجل/ ت : لها كمال الحواس الظاهرة / ف: حمل العلوم./ ك: المعرفة بالله./ ر: حسن التجاوز/ و: الموت في الحياة / ن الفرح بالله.

ومن أراد الزيادة في مدلولات الأنوار فليرجع إلى كتاب "أنوار الحروف فوق ما هو مألوف"..

ومن تأمل هذه المدلولات النوارنية يرى الفرق بين المدلولات الإسلامية مقارنة مع التعريفات الأدبية الغربية...

* التفكير المجرد (la pensée abstraite) ويسمى كذلك في علم النفس القدرة على التجريد (capacité d'abstraction)، ويعني بها قدرة العقل على إنشاء واستخدام المفاهيم في المنطق، أو بعبارة أخرى: هو القدرة على إنشاء أو توفير إطار عقلي وفكري عن طواعية واختيار، وهي تختلف عن التفكر الرسمي (pensée formelle concrète) (والمقصود بها التفكير المبني على تجارب حقيقية)..

وإن كان هذا في علم النفس عطلا فكريا أو مرضا نفسيا، فإنه كذلك في الحياة العادية، أما في تطوير الملكات الفكرية فيضطر إليه كل شخص في تخصصه التوجهي، وعليه بنيت ليس فكرة التجرد ولكن سلوك التجريد في التوجه القصدي في التوحيد.. اما المقصود منه في علم النفس الديني: هو ترويض النفس بتجريدها عن المنافع الظاهرة عن الأعراض والباطنة عن الأعواض، حيث يتحرر العبد السالك من كل انجذاب مادي او معنوي عن امتثال الأوامر والانتهاء عن النواهي.. ولهذا السلوك قواعده وأصوله مستقات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واجتهاد العلماء العاملين...

* صنع القرار أو أخذ القرار(la prise de décision) وهو عملية معرفية معقدة في اختيار ما يجب فعله بين بدائل عدة، ويتوقف عليه كل فرد وجماعة.. أما في المنظور الإسلامي فأفضل أن أسميه "العزم"، لأن العزم في اللغة يقرنها الصبر كما بين ذلك كتاب الله من قوله تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ.. وسلوك قال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.. والأخذ به من عزائم الأمور قال تعالى : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا..

وقد سطر الإسلام للعزم شروطا وفي انوار حروفه ما يبين سر ذلك، وفي الآيات العظام ما يرفع الالتباس لكل متفكر ومتدبر كما تدل عليه الآية العظيمة في توجيه الصادق المصدوق على حيثيات العزم من قوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.. فَاعْفُ عَنْهُمْ / وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ/ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ/ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ..

وقد بين العزيز الحكيم امورا لا يصح أخذ العزم بدونها وامورا تجب بعد أخذ العزم..

أما التي تكون قبلا فهي ثلاثة:

فاعف عنهم: لأن العفو مشروط قبل الجلوس الحقيقي لمناقشة وهو يؤهل جامع القرار للتفرغ لسماع المشورة دون معوقات..

واستغفر لهم: وهو يؤهل المستشارين من تخطي عقبات الذنب المرتكب، لن الذنوب تعرقل المستشار في التوصل الرأي الصائب والشورى الصالحة..

وشاورهم في الأمر: فإذا توفرت في المستشارين الشرطين السابقين صحت مشورتهما..

بعد أخذ المشورة الصحيحة يكون العزم في الأمر، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ.. ويشترط التوكل على الله فيما يأتي بعده.. أما شروط صحة أخذ العزم فقد استلزمت، اما النتائج فهي على الله، ويجب قبول النتائج مهما كانت، فربما يمنع الشيء لضرر لا يدركه العبد وفيه نفع لا يعرفه.. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ..

* الحكم (le jugement) من المنظور الفلسفي، الحكم هو حقيقة التأكد من الشيء وجوده أو عدمه، أو على الشكل الفلاني أو غيره، أو الإمكانية الفكرية التي تنتج الحقيقة على حسب ما ينتج منها أو عنها... والذكاء والخبرة والمعتقد أدواتها..

أما في القاعدة الأصولية نقول: ان الحكم على الشيء فرع من تصوره.. والمعنى أن الحكم على الأشخاص أو الأشياء أو النوازل، هو متوقف على مدى التصور الشامل لها، فعلى قدر صحتها تصح الأحكام ويكون فيها العدل، وعلى قدر القصور فيها يكون الجور فيها والشطط.. ويبقى التصور متوقف على الإمكانات المتوفرة في البرمجة العصبية للمتصور، ومن هنا يكون التفاوت والتفاضل في الأحكام (ونقصد هنا صحة الأحكام فقط) والدليل عليها ما اورده الحق في حكمي بني الله داود وسليمان قال تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا.. فحكم نبي الله داود كان سليما ولكن حكم بني الله سليمان كان أسلم لأنه سقي في تصوره للمسألة بالفهم اللدني " فَفَهَّمْنَاهَا " وكلاهما كانت له حكمة الحكم والعلم في التصور...

ومن هنا في شرح القاعدة الفقهية يجب ان نضيف: أن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وتصوره فرع من العلم به، والعلم به موقوف على الفهم بالله فيه... .

وعليه فالأحكام على الأمور الفقهية والعقدية التي لم تراعى فيها هذه القواعد يجب إعادة النظر فيها بالمؤهلات الربانية حتى يرفع هذا الشطط الفكري في الفهم الخاطئ للأمور التي انقسمت فيها الأمة وتشرذمت.. والواقع أن كل الأحكام سالمة ولكن بتفاضل.. فلنختر الأفضل لديننا على الأقل كما نختار الفانيات في دنيانا...

فإذا توفقنا لسن قوانين لأحكام ديننا تحررنا في أحكامنا على دنيانا وصرنا مرجعا يقتدى به ويهتدى..

* التوقع (l'anticipation) والمقصود به القلق، أو الأفكار القلقة على المتوقع (les pensées anxieuses)، وهو في الواقع من عوارض الفكر البناء.. والتوقع الحقيقي يجب ان يكون أساسا في المشاورة وعليه الحكم السليم كما تقدم، اما ما يكون بعد القرار فهو هوس وتشتت فكري أكثر ما يكون استجماع للقوة الفكرية.. وجوابه الثقة في العزم السليم الذي هو حقيقة التوكل على الله.. فليس كل قرار يأتي النتائج المرجوة ولكنه يأتي بخبرة معتبرة..

* ويدخل كذلك في باب الحكم مع التوقع: التخطيط (la planification) وهو التنظيم لتحقيق هدف معين في وقت مناسب وبنتائج مرجوة أو محسوبة...

اما التخطيط السليم فهو منهج يبنى على التوقعات السليمة بكل اعتباراتها.. وأصبح للتخطيط في كل الدول مدارس ومناهج لا ينفع منها إلا النافع ولا يصلح منها إلا المفيد في الدين والدنيا، وليس كل تخطيط نافع وصالح، ولا يجب أن يعتبر المكر والخديعة والحيل من التخطيط.. فكم من تخطيط أوقع بصاحبه قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ...

* وكذلك التنظيم (l'organisation) * والحافز (la motivation) * وأخذ المباذرة (l'initiative) والمرونة مع الفعل (la flexibilité) * وحل المشاكل (la résolution de problème) * وتعلم القواعد (l'apprentissage de règles) * واختيار الاستجابات والتجاوبات المرنة (la sélection de réponses motrices) ...

 

ذكرت كل هذا وبعجالة كبيرة حتى تعرف بعض الوظائف الرئيسية للمعرفة في فص الناصية، وإن ساعدنا الوقت سوف نبحث لاحقا في مدى فعالية هذه الأمور العلمية المعتمدة حاليا في علم النفس العصبي (Neuropsychologie) أو علم الأعصاب (neurosciences) أو التخاطر في علم النفس (parapsychologie)... .

ومن نظر إلى حالة الأمة من خلال علمائها والعاملين فيها بهذه التخصصات "العلمية" يجد الساحة خاوية على عروشها وكما يقول القرآن الكريم: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire