الطبائع والأمزجة :

الطبائع هي التي جبل عليها الإنسان بطبعه الأصلي، والطب القديم حصرها في أربعة طبائع ناري وهوائي ومائي وترابي، ويرجع تقييمها الأصلي إلى عنصر الوراثة، ووقت الازدياد، وموضعه، وأرض النشأ، وأرض العيش... وكل هذا يتأثر به عنصر تكوين الإنسان ونموه بتأثر الإفرازات الهرمونية ومدى تأثيرها على الأعضاء الظاهرة والباطنة...

ومن المعلوم أن كل طبع يحمل خاصية، فللنار الحرارة، وللهواء الرطوبة وللماء البرودة وللتراب اليبوسة ... وعند امتزاج العناصر الطبائعية مع خصائصها تتولد الأمزجة والميولات... وهذا الذي يكون طبع الإنسان أو بعبارة ربانية "شاكلته"، وبقدر ما تكون الطبائع الأمزجة، تتبلور الشاكلة في الإنسان وتتخصص، وإن كانت في الأصل أربعة حسب تصنيفها العمودي، وهي قواعد الشخصية الربانية الأربع التي صنفها كتاب الله في "أولوا العزم من الرسل" (وللعلم أنهم أربعة: نبي الله نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، اما الرسول الكريم فهو فوق التصنيف، لأن طبعه الرباني جمع كل الطبائع، ومنبع سلوكه صلى الله عليه وسلم حصر كل الأخلاق الرفيعة...) أما تمثيل الشخصية في الأمة المحمدية ففي الخلفاء الراشدين الأربع... ولمن أراد الغوص في علوم الإنسان فليدخل هذا المجال، وهذا ما كان يسمى "الفلسفة" في العصور الذهبية، ومن فاتهم موكب الذكر والفكر نعتوها بالإلحاد والكفر... والآن الأبحاث تجري بالتكالب على أبحاث بعض الأسيويين الذي فرع في الطبائع الناتجة من فصائل الدم، وأصبحت توجهات التكوين والتعليم والصناعة ترتكز عليها...

اما في التصنيف الأفقي فتصبح أربعين، عشر تفريعات لكل طبع، أو بتقييم آخر على أيام الأسبوع فتصبح سبعين... وتلك اعداد الطبائع الأصلية، وهو عدد الأبدال كما ورد في الأحاديث... ما دام علم الطبائع لم يعرف على مستوى البحث العلمي في العالم الإسلامي، ولم تدرج في برامج التكوين الإنساني أو علم شاكلة الشخصية، فإن برامج العلم تبقى خير من وجودها عدمه كما قال أحد الصالحين!!...

ونحن هنا في مبحث الصرع (ولكي لا يتوه بنا الكلام، وسوف نرجع للموضوع لأهميته لاحقا بإذن الله) فلعموم الإنس طبعان: التراب والماء، ولعموم الجن طبعان: النار والهواء (وسبق ذكر هذا سابقا).. إلا أن باقي الطبعين مجبول على كل من الفريقين الإنس والجن..

فإن زاد أحد العناصر على المعتاد زاد فيه من طبع الجنس الآخر، ووجد نفسه قريب منه بلا حول منه ولا قوة، وقد يوجد هذا في أسر دون غيرها، فيكون مرجع ذلك إلى الوراثة، وقد يكون في الأسرة الواحدة ميل لفرد دون غيره من الإخوة، فيكون ذلك تبعا لوقت التكوين أو الازدياد أو النمو (كما سلف ذكره)، وهو أن عنصر النار والهواء يكون زائدا في الفرد أكثر من المعتاد، فعلى قدر الزيادة يكون القرب.. وهذا يكون في الإنس كما يكون في الجن... وهذا يسميه بعض المتخصصين انطلاق روحي وهو ليس كذلك لأنه لا علاقة للروح به، بل العلاقة في الطبع، وهذا له تأثير على الجهاو العصبي يجب حمايته وعلى الميل الفكري فيجب تقويته وعلى الجانب الإحساسي فيجب ترشيده...

وللذكر هذا لا علاقة له بالولاية ولا بالكرامة، ولكنه محض طبع، فقد يكون صاحبه وليا لله إن التزم بما أمر الله وانتهى بما نهاه عنه وزاد في النوافل قدر المستطاع، وقد يكون ساحرا إن انجرف فيما يملى عليه وانجر فيما يطمح إليه... والآيات واضحة في الباب وكذلك الأحاديث الصريحة والصحيحة، وكما يقال إنما الكرامة في الاستقامة...

ولا ننسى أن الطبع يمكن أن يخرق إذا خرق الإنسان من نفسه العادة بالترقي في انواع الزهد والعبادة...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire