الخلاصة:

أما مقصد بحثنا من الآية المذكورة، وما سلف ذكره من الحيثيات والملابسات في أصول العقوبات، هو ما يتعلق بسلوك الإنسان فيه، ومدى صُلوحه من فسوده، ومعرفة ارتباط أحوال الإنسان معه، وعلاقة الأحوال بوظائف الأعضاء الظاهرة والباطنة، ومدى تأثرها بالدرجات الدنيا القابلة للتوبة والعليا الموجبة للختم والإقفال.. ثم علاقة تلك الأحوال بالعوالم الخارجية وارتباطها حسا ومعنى بالكائنات والمكونات والطبائع والتأثيرات والمؤثرات...

فإذا كانت قاعدة القضاء الرباني عدل كلها، ويد القدرة الربانية حكمة كلها، وكانت الشريعة والطريقة والحقيقة هدي كلها، كان من واجبات البحث في الدين الاطلاع على هذه المأسسة السلوكية والمحافظة على مقومات الارتباط بينها وبين الكائنات والمكونات، وهذا الذي يؤسس لشمولية المقاصد العليا للدين..

فما هي العلاقة بين الأخذ القدري لعقوبة الحاصب في حق عاد وجرائمه المنصوصة في كتاب الله تعالى المسنبطة من نصوص الآيات كقوله تعالى: وَتِلۡكَ عَادٞۖ جَحَدُواْ بِٔاۚيَٰتِرَبِّهِمۡ وَعَصَوۡاْ رُسُلَهُۥ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَمۡرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيد.. فعندنا هنا الحجود بآيات الله وعصيان المبلغين من الرسل واتباع أوامر الجبارين والمعاندين.. وكذلك من قوله تعالى: أَتَبۡنُونَ بِكُلِّ رِيعٍءَايَةٗ تَعۡبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمۡ تَخۡلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشۡتُم بَطَشۡتُمۡ جَبَّارِينَ.. ومعناه هو علو البناء للعناد والظهور، ومتانته كأن صاحبه يستعد للخلود، وإذا حصل العناد كان القضاء على الخصم كأنه عدو مبين...

وما علاقة هذا السلوك المقيت بوظائف الأعضاء الظاهرة والباطنة كالجهاز العصبي والقلب وإحساساته والأعضاء الظاهرة وتنفيذاتها، وما نوع ارباط ذلك مع الظاهرة الكونية: "الحاصب"... وهذا المطلوب في طب الكموم و فيزيائها و هو جوهر تأثير المحسوسات على الملموسات أو تأثير اللاماديات على الماديات.. وهذا المقصود من هذا البحث الديني!..

وكذلك في الأخذ بالصيحة في قوم ثمود... أما من جرائمهم قوله تعالى: قَالُواْ يَٰصَٰلِحُ قَدۡ كُنتَ فِينَا مَرۡجُوّٗا قَبۡلَ هَٰذَآۖ أَتَنۡهَىٰنَآ أَن نَّعۡبُدَمَا يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكّٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ مُرِيبٖ.. فتكذيبهم لرسل الله واختقارهم لهم واتباع الضلال لما فيه من المتعة الزائلة...

أما الخسف الذي كان في حق قارون وتكذيبه وعناده وكبره ومنع حق الله للفقراء فيما رزقه الله...

وهكذا يكون القياس في البحث، ويلزمه خبراء في جميع التخصصات، كعلم النفس وعلم الطب وعلم الطبيعة والحساب والفيزياء والكيمياء والذرة... فلا يوجد علم إلا وسره مطوي بين دفتي هذا المصحف العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. قال تعالى: مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ .. فكل علم عرفه الإنسان ونارت به طريقه يجب أن يوظف في هذه القراءات حتى تكون المعرفة الحقة بدين الله الذي ارتضاه لعباده فيهديهم به وهو الهادي، ويعزهم به وهو العزير، ويكرمهم به وهو أكرم الأكرمين ويرحمهم به و هو أرحم الراحمين.. لأن أمر المرض أوسع مما حصره الأطباء بين الآلام والعلل، فإن كان الطب لم يتوفق في كبت جماح الأمراض الناطقة فكيف يتعرف على الأمراض الصامتة وهي الأصل في كل الأسقام والعلل...

لو طال العمر وتيسر الأمر وشاءت الأقدار، سوف نبدأ في الجزء الثاني من هذا الكتاب، الذي لم أكن في الواقع أنتظر أن يطول حتى يشمل كل هذه المواضع، وبدايته كانت أسئلة محصورة طرحت علي من بعض إخواني وأبنائي في الغرب، وكلهم أبناء الزاوية ومجتهدون في هذا الاتجاه بطريقة تجعلني أخجل من نفسي على التقصير أمام اجتهادهم والتقهقر في قول كلمة الفصل أمام إقدامهم وجادتهم في البحث على المعلومة الدينية الحقة مع تحري المشرب العذب والمنهل الزلال لحقيقة السنة المحمدية الشريفة، وتحقيقها حسب المعطيات العلمية الحديثة والقواعد الطبيعية الناطقة في الأكوان والمكونات والأفعال والأحوال...

ولعل هذا مبحث دعاة العصر الجديد، الذين يستنبطون العلم من جوهر العمل، ويقيسون أحوال الفعل على نصوص الأثر، فإن كان للأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين سر النظر بكشف الحجاب، فإن لهؤلاء صدق النية والعزم مع صفاة الطوية في الدلالة بالآليات الحديثة والعمليات والأرقام الحثيثة...

هذا ما نأمل الانطلاق منه للبحث في طب إسلامي نافع، ونمر عبر أطواره ونستخلص عناصر أسراره.. أسأل الله العظيم، أن تستنهض همم لهذا العمل الرباني فقد أستنفذت السبل البديلة في شتى انواع الطب البديل (والطب التقليدي الأثري كذلك ليس إلا بديلا) وأصاب الناس منها ما لا يخفى على أحد، والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.. وهو حسبي، لا إله إلا هو عليه توكلت، وعليه يتوكل المتوكلون.. /.

والحمد لله رب العالمين..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم./.

انتهيت من تبييضه يومه الأحد 28 جمادى الأخيرة 1438/ الموافق 26 مارس 2017

ويليه الجزء الثاني بحول الله وحسن توفيقه

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire