إيحاء شيطاني:

وهو الذي يقذفه الشيطان بوسائله على مستوى الفكر ويكون له علاقة بالسفليات.. والسفليات عند أهل العادة هي المعاصي بجميع انواعها والموبقات، أما عند أهل الخصوص فهي كلما يتعلق بالدنيا من قريب أو بعيد.. أما دليلهم في ذلك فهي أن الشيطان يستدرج الإنسان إن وجد له مناعة الإيمان، فيجره إلى الدنيا الحلال حتى يستأنس ويسكن لها من دون الله ثم إلى المكروهة ثم إلى الحرام، وحجتهم في ذلك من حديث الحبيب النبي: إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام (الحديث)..

فالشيطان يوحي للعبد على قدر همته (كما سبق ذكره) فإن قبل العبد الفكرة (الإيحاء) أطفأت بعض نور اليقين أو الإيمان فيه، فيجد الشيطان منها منفذا، ويزودها بإيحاء آخر حتى يستأنس العبد بها ويركب الشيطان منها أكثر حتى يصل بالعبد إلى الفعل، ثم يعمل الشيطان على إزالة المنعة فيه، فيصبح الشيطان ملكا في القرار والفعل، وربما يشترك معه العبد في ذلك فيصبحا سويا على وثيرة الإيحاء، ودليل ذلك قوله تعالى: وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّعَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖزُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ...

هذا بعض من معاني قوله تعالى: وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ.. أما المعنى لكمة: "ٱسۡتَفۡزِزۡ" فهي في إحالة حروفها على الأنوار المحمدية، ولا ضير إن ذكرناها بعجالة لعموم الفائدة حتى يعلم كيف يتم استفزاز الإنسان وما هي الأعضاء الظاهرة والباطنة التي تتأثر أولا بأول، وهي تبعا لكلماتها كما يلي:

الألف له الامتثال لأمر الله تعالى وظلمة العصيان والامتناع، فأول ما يُستفز به الإنسان هو عدم امتثال بعض الأوامر..

السين وله من الأنوار خفظ جنا الذل وعكسه الكبر والعلو والتعنت، فإن دخل الشيطان من تكير باب الامتثال في الإنسان الذي هو نور العقل دخل منه إلى تكسير نور الفكر الذي ثمرة الفكر والتأثير العصبي..

التاء لها كمال الحواس الظاهرة، وظلمتها طمسها، فإن مر العبد بالظلمتين التبست عليه حواسه الظاهرة، نور سمعه وعبرة بصره وثمرة عقله، فيسمع ولا يمتثل ويرى ولا يتعظ ويفكر ولا يدبر...

الفاء ولها من الأنوار الحمل للعلوم، وظلمتها تضيعها، فمن طمست حواسه طمست معه منافذ قلبه، فيستحيل أن يتبع مجريات العلم الرباني..

الزين، ولها من الأنوار الصدق مع كل أحد، وعكسه الكذب مع كل أحد.. وهناك زينين متتابعين فأول صدق يفقده مع نفسه وثاني صدق يفقده مع محيطه ودائرته ومع ربه، فيكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا..

أما ما بقي في الآية الشريفة فيصف كيف يكون حمل الأكدار والظلمات وما هي آلياتها وذلك قوله تعالى: وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ.. فتلك جنود الشيطان حسب التخصص والأهمية، وكلهم يعملون كقرناء سوء ولهم الصلاحية في معارضة الإنسان حسب تورطه في دوائرهم وجوهر أعمالهم، ويصبحون له شركاء (بالمعنى القانوني للشركة) وذلك معنى قوله تعالى: وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ .. فكيف يفلح شريك مع الشيطان سواء كان في المال (فكل مال كان من حرام فالشيطان شريك فيه علم الإنسان ذلك أو لم يعلمه) فيصبح للإنسان نصف صلاحية التصرف فيه وللشيطان مثله، فكيف يصلح الإنسان في ماله وله شريك يرفض ذلك جملة وتفصيلا؟؟ أو الولد (وهذه تغيب عن الجم الغفير من الناس) فمن كان مطعمه حرام فتلك النطفة تكون لها قرانة شيطانية في الأصل، وزد عليها إن غذي بها الطفل أو تعلم منها أو كان له رأس مال مادي أو معنوي من تلك الشراكة... فافهم أو لا تفهم.. فهذا مفهوم الآية الشريفة وعليه يقوم الأمر الفعلي بين الإنسان وعدوه الشيطان.. ثم قال تعالى: وَعِدۡهُمۡۚ .. وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا... .

وإن كان في كل هذه الكلمات الدالة أنوار تقوم بها او عكسها ظلمات تعوقها، فعلى المختصين ان ينهجوا منها مدرسة سلوكية يعالج بها أهل الاختصاص من وقع في حبال عدو الله وسجن نفسه في غياهب دهاليزه...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire