أوجه التطبيب:

والمقصود بها أنواع الطب أو الطبيب المتداول بين الناس، في الأوساط وحسب الانتماءات ومختلف الثقافات واعتبار الإمكانات... وهذا في الواقع يختلف حسب تكوين الفرد ومجتمعه وإمكانياته والإكراهات التي تحيط به.. وقد تختلف فيه القيمة المنشودة بين العرض فيه والطلب.. فأحيانا يكون التطبيب عرضا والطلب له من المريض، وهذه طبيعة الأمر، إلا أنه أصبح المرض عرضا والطلب عليه يكون جهات متعددة ومتخصصة، وهنا أصبح الطالب مطلوبا لغاية ومصلحة، وهذا يتنافى مع أدبيان العرض والطلب ومتناقضات الضرر والاضطرار.. وهذا ما أصبح عليه الحال...

بدأنا إلى الألفية الثالثة، ولا تزيد أوجه التطبيب مع تقدم العقود والسنين إلا تعقيدا في الأسماء والمسميات وضبابية في النتائج المرجوة، ولم يعد خافيا على أحد، أن هذه الترسنات الآلية والتجزهيزات الفوق خيالية في المعدات تجد نفسها مقزمة أحيانا أمام طفح جلدي (إكزما Exéma) أو ألم حاد في الرأس (شقيقة Migraine) فأحيانا لا تعرف له سببا وأخرى لا تجد له إلا مهدئات أو مسكنات، وفي مقابل ذلك تجد أمراضا خطيرة كالسرطان المتقدم، أو انواع عجز تام نتجت عن كسور في العمود الفقري، أو علل أخرى هالكة في الأعضاء الظاهرة أو الباطنة توقفت نهائيا وشفيت بفعل ما أو بدعاء ما!!!... هذا في الواقع ما يجب البحث فيه والتعمق..

من الخصوص من يرون أخذ أسبرين عند ألم الرأس، وأخذ مضادات حيوية عند وجود جرثوم من عزائم الأمور... وهذا يصنف في الأخذ بأثريات المرض، ويسمى الطب العرضي (médecine symptomatique).. والاستعجال فيه ضروري لكي لا تكون مضاعفات..

وخصوص آخر، يرى أن الطبيعة أوجدت في الجسم قواما لا يفتقر إلى غيره، يبحث في العلة من داخل الجسم، ويتصدى للعنصر الدخيل في إنتاج مضاد حيوي طبيعي من طبيعة العنصر نفسه إن كان الأمر فيروسا، أو يأمر بعض الأعضاء الباطنة بإنتاج ما يمكن إنتاجه لتوازن ما تم فيه الخلل، وعملهم يتمركز على إرجاع الفرد إلى حقيقة الطبع أو إعانته بما يحفزه على ذلك.. وهذا ما يمكن أن يسمى الطب الطبيعي ( Médecine naturelle)... وكل يدعيه من زاويته، وكل يستغله بطريقته، وكل يدوسه بنعليه أو يغطيه بإليته...

وكل يدعي وصـــــــلا بليــــــــــــــــــــــــــــلى \//\\ وليلى لا تقر له بـــــــــــــــــــــــــــــــــــذاك

إذا اشتبكت دموع في خدود \//\\ تبين من بكى ممــــــــن تباكــــــــــــى

وأما من بكى فيذوب وجـــــــــدا \//\\ وينطق بالهوى من قد تباكى

في الواقع هذا جزء الدين.. فإذا قال الرسول الكريم: "داووا مرضاكم بالصدقة " فلأن للعلل والأسقام باب آخر للتداوي هو التصدق، وإذا قال صلى الله عليه وسلم: "صوموا تصحوا" فلأن للجوع وجه آخر يحافظ على الصحة غير الأكل والشرب المعروف للعموم.. وإذا قال الرسول الكريم: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن" فلأن التوسط وتربية النفس على الاقتصاد الاستهلاكي خير ما ينتفع العبد.. وإذا قال العليم الحكيم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).. فلأن للإيمان والتقوى علاقات بالبركات السماوية والأرضية... وللتكذيب سلب مخصص بما تم فيه النكران وأخذ معين بما حصل فيه من الخذلان (وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)...

فما علاقة الدين بالصحة، وما علاقة الذنوب بالمرض وما علاقة التوبة والاستغفار بالعلاج والرضا والقبول بالشفاء...

هذه أسئلة ما يكون لدين كامل ونعمة تامة ودين مرضي من الله ورسوله أن يفتقر إلى مقومات الطب وأسراره، وما يكون لأدبيات دينية وإسلامية أن تنكر ما ورد منها في كتاب الله إما بالتضرع والدعاء، قال تعالى في حق أيوب عليه عليه السلام: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ.. وما كان بالتعلم الرباني في حق عيسى عليه السلام قال تعالى: ...أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ.. وما كان بالهداية الربانية مددا وإمدادا قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.. ولا يحرمه إلا المنكرون لهذه الأنوار الربانية القرآنية.. وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا.. وقال تعالى في بيان ذلك: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ .. قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.. اللهم اجعل فضلك علينا رفيقا ورحمتك بنا لنا طريقا، وبلغنا يقينا نتحصن به من كل علم لا ينفع وعمل لا يُرفع ودعوة لا يستجاب لها..

الطب التقليدي لا ينكر ان هناك عادات طبية تخرق للوصول إلى العلاج النهائي أو النسبي في علة أو مرض عضوي كانت تبدو مستحيلة عليه، بل وأن كثيرا من العيادات المتخصصة أصبحت تتعهدها في تقنياتها، وكثير من المتخصصين العالمين شقوا عصا الطاعة العمياء لبروتوكولات الشركات المهيمنة لقول الحقيقة والدلالة عليها، ولو كلفهم ذلك الغالي والنفيس، ولكنهم ارتضوا أن أنفس منهم قول الحق والدلالة عليه..

يقول البروفيسور "روبير توكي Robert Toquet" في كتابه قدرات ما فوق الطبيعة(les pouvoirs du surnaturel):

إن الحالات الغير الطبيعية (Les phénomènes paranormaux) التي يتناولها علماء النفس المتخصصون أو بعبارة أدق المهتمون بهذه الحالات الغير عادية (في الطب العرضي)، أو ما فوق العادية، أو علم ما وراء النفس (أو بلغة أدق: علم الخوارق)(Métapsychiques) (هذا البحث الذي لم يجد له مكانا في الأوساط العلمية (التي تلتزم ببروتوكولات العمل الطبي) يقول طوكي: ما هو إلا تبادل الخواطر أو تواردها او كما يسمى تخاطر (Télépathie) (وهو الذي يعتبر الحالات أو التصورات التي لا تترجمها الحواس الظاهرة) (perceptions extra-sensorielles)... ومعرفة ما غاب عن النظر او الحواس، أو الميكانيزمات التي توجد عادة فوق ما نعرفه أو نألفه، هو بمثابة عضو خارجي لا يرى، وذلك مثاله في تحريك الأشياء بغير الأسباب المعروفة (Télékinésie) هو في الواقع بمثابة نتوء الجبلة أو الهيولي (plasma) التي تصبح على شكل عضو خارجي.. (وللتوضيح: فالهيولي هو الحالة الرابعة للمادة، فإذا اخذنا غازا تحت درجات عليا من الحرارة فإن ذراته تتأين، ونحصل على خليط من الإلكترونات والإيونات.. فالخيوط الزرق هي الموضع التي تنشئ فيه الذرات فتوناتها نتيجة إثارة ذرية (dés-excitation)... والبرق مثال آخر على تأين الهواء الذي يبعث الضور)

يضيف طوكي في مقدمة كتابه: اننا غذا كنا معنيين بحالة من هذه الحالات الفوق العادية نكون في نفس السياق مع علم النفس العادي (Psychologie) أو خاص بعلم الأمراض (pathologique) أو نكون من رجال الدين.. ويكون في نفس الوقت خارجا من علماء ما وراء النفس، وذلك راجع إلى سلوكهم الغير العادي او الفوق الطبيعي..

فبعض منهم ينتمي إلى ما يسمى "ما فوق النفس" أما ظهور الوصم (Stigmatisation)( والوصم هو اختلاف اجتماعي في وسط معين سواء كان في الشخصية أو المعتقد العام والخاص) وكذلك ظهور (ما سماه الغرب) الشفاء المعجزة (Guérisons miraculeuses) (وما نسميه كرامة الشفاء).. والتي تبدوا جامعة بين علم النفس والخاصية الانفرادية (caractère subjectif) أو علم النفس والخاصية الغير الذاتية (caractère objectif).. وهذا من شأنه تخويل الانتماء إلى شريحة خاصة، هي الظواهر النفسية الجسدية الفوق الطبيعية الملموسة (hénomènes psychosomatiques paranormaux)...

وسواء تعلق الأمر بظهور "الوصم" أو "الشفاء المعجزة" فإننا نجد تداخلا في الظواهر، فقد تكون أحيانا فوق طبيعية وأخرى نجدها تدخل في سياق ما وراء النفس، كما ان الكثير منها يدخل في علم النفس الوظيفي التقليدي (Psychophysiologie classique)..

وذكر البروفيسور طوكي في كتابه كل ما تعلق بمختلف الشفاءات بعض انواع الظواهر النفسية (Psychiques) سواء كان لها انتماء ديني (Religieux ) أو سحري (magique ) أو مغناطيسي (magnétique) او ما فوق الطبيعي (métaphysique) أو فكري (moral) أو نفسي (psychologique )..

انتهى كلام البروفيسور الفرنسي طوكي مع تبيين وتعليق بين الأقواس..

هذه العلاجات وغيرها من الأساليب المعالجة أو المشافية قديمة قدم الإنسان، ولها جذور في تكوين الشعوب وانتمائهم الديني والعقدي وكذلك درجة علمهم وتقدمهم أو تأخرهم حسب الاهتداء والقبول والرفض...

واليوم.. ونحن في القرن الحادي والعشرين، لا تزيد هذه الأساليب إلا اصطداما مع الأنظمة الطبية (المهيمنة بقوانينها).. ولكن من أثبت نفسه بالنفع يضل يفرضها ولو كان حبيس الحيل والشطن... وهذا ما نريد أن نبين منه ما بقي رهن التهميش أو الكتمان والتعتيم من أهله حتى أضحى قاصيا بين عبث أدعيائه و مآمرات أعدائه..

أطلت بعض الشيء في السرد لعل المهتم يتنبه إلى الأدب الطبي الغربي، ولو كان الباحثون "كالبروفيسور توكي" والذين يبحثون فوق حواجز الالتزام المهنية، فإنهم لم يتوفقوا إلى ذكر الطب الإسلامي من قريب أو بعيد، أو ربما زجوا به في خانة الطب الديني، الذي يساوي بين الشاماني الإفريقي أو السبيري أو المنغولي أو الصيني أو الهندي، وبين الممارسات في الإسلام التي إلى الآن لم تقيم بين أبنائه إلا فيما وصف بالممارسات السطحية والتي اكتسب صبغة التخاصم في السنة والبدعة بدل السير بها في ميدان العمل، وإن سبقت فيه ريادة علمية وعملية في العهود الذهبية للإسلام والتي بقي العمل بظاهرها في الغرب إلى حدود القرن التاسع عشر، أما أسرارها وجواهرها فلا تزال في كواليس التاريخ مشفرة بإحكام ومبرمجة بإتقان، ولو كانت مدونة للظاهر في المخطوطات والكتب..

فإذا كان من لوم، فأولى أن يوجه إلى علمائنا وأطبائنا في عدم تبليغ ما أنزل الله إلى عباده من أساليب الطب وأنواع التداوي (والتي تعتبر وحيا من الله وسنة مشروط اتباعها سنها سيد الأولين والآخرين رحمة من رب العالمين)..

أما الذي نريد ان نقف عنده للتوضيح، هي مواضيع كان للمجتهدين في الطب الغربي شرف السبق في طرحها، نحاول معا تسليط بعض الأضواء العلمية من الدين لعل همما تقوم من سباتها وأقلاما تتحرر من أغلالها في خدمة الفرد والإنسان، بصرف النظر عن دينه أو عرقه أو انتمائه، فالطب أو الدواء كالهواء والماء والغذاء، الحق فيه لكل واحد.. قال صلى الله عليه وسلم: "الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله"..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire