أنوار كلمة يشفين:

الياء: لها الخوف التام من الله..

ولتعريف الخوف عامة، هو إحساس مزعج و شعور قوي يحس به اللإنسان عند الاقتراب من خطر محذق أو تهديد وشيك... ويمكن أن يكون الخوف مبني عن أمور حقيقية واقعية مادية، كما يمكن أن يكون ناتجا عن أشياء خيالية أو مستقبلية..

أما إذا نظرناه من الوجهة الطبية والناحية العصبية (neurologique) فإننا نجد ان الخوف هو المفعل الأساسي لمادة الأمجدال (amygdale) وهي مجموعة من النوى في الفص الصدغي، إذا تفعلت فهذا دليل على أن الخطر موجود، وهذا مؤدي لا محالة إلى إحباط أي نوع من التفكير عند الشخص ما عدا المقاومة أو الفرار...

والإنسان عند الخوف يمكن أن تحصل له أمور كالاضطراب (tremblements) وزيادة معدل ضربات القلب (fréquence cardiaque haute) أو اضطراب في التنفس (perturbation du rythme respiratoire)... كل هذا وغيره يدل على إفراز مادة الأدريالين (sécrétion d'adrénaline) الذي يعتبر الهرمون الأساسي للخوف...

فالخوف المفاجئ يمكن أن يصرخ صاحبه بطريقة لا إرادية، كما يمكن أن يتسبب له شلل جزئي مؤقت وأحيانا كامل، ويمكن أحيانا أن يفقد صاحبة الوعي (perte de conscience)... كما يمكن أن يسبب أكثر من ذلك، وهذا معلوم عند الخاص والعام..

على العموم وقع كلام كثير جدا على الخوف في علم النفس، ولكنه لم يتعمق فيه أحد إلى المستويات التي يمكن فعلا بها محاربة الخوف أو التغلب عليه وعلى مسبباته وأعراضه الخطرة إذا حصل..

فمنهم من رأى أن الخوف سببه التدين كالألماني "نيتز" (Nietzsche) المتوفي في سنة 1900 ولا زالت تعتبر أقواله: ان الدين والخوف من الذنوب هو السبب في العزلة والانطواء (وكان ذلك تأصيلا للفكر المادي الذي أتى بعد ذلك مباشرة) وهو ما زال عليه إلى الآن، إلا في العشريات الأخيرة حيث بدأ البحث فعلا في مصالح الناس وإن كان على نذرة..

وبدأت بعض الدول تنظر للخوف عند الأجيال الناشئة بالخوف نفسه.. ويسمى ذلك الاستعداد للخوف، وذلك بإنشاء ألعاب أو برامج مخوفة يقولون أن ذلك يجعل الولد مستعد لتقبل الحالات الحرجة من الخوف المحتمل.. وذلك ما يكون في بعض الحفلات عمدا، وربما ما تصنع منه الآن برامج ومسابقات وأفلاما...

شيء آخر لم يتنبه له علماء النفس ولم يقيّمه أحد (على الأقل إلى الآن) هو من المسؤول عن الخوف: هل هو القلب (وإن ذكر في كل التعريفات أن الخوف هو: إحساس..) أو العقل والجهاز العصبي، بما أن الهرمونات المفرزة هي من المخ وتحديدا في حزام القشرة الأمامية من الفص الجبهي (cortex cingulaire antérieur au lobe frontal)..

طبيعي أن نعرف أن القلب هو الذي يتولى تبعات الخوف كاملة، ويتحمله بمختلف أنواعه ودرجاته، ودليله من قوله تعالى: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ.. والرعب هو أكبر درجات الخوف.. فالخوف إذا تملك القلب قبضه، وتنقبض معه سائر أعضاء الجسد العصبية والفكرية والفعلية، ولذلك فإن الخوف يعتبر أكبر عقبات الاستقرار عند الإنسان، وبداية لكثير من النقائص والمهلكات كالجبن والكذب والشح والنفاق... فلا يعرف الخواف طعم الاستقرار أبدا ولا يمكن أن يتصور معنى الاطمئنان ولا حتى الإيمان... وهو أكبر باب يدخل منه الشيطان على الإنسان قال تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ...

فبما ان الخوف سلوك فطري في الإنسان، كالأمل والرجاء والتطلع إلى الأحسن وتجنب الأسوأ... فإنه من الطبيعي أن يكون له توجّه رباني يُهتدى به وتشريع ديني يُقتدى به، قال تعالى جوابا على الانحراف في الخوف: فَلَا تَخَافُوهُمْ.. وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ...

هذا إن شئت سمِّه: "توحيد الخوف" كما أن هناك توحيد الأمل فلا يكون الأمل إلا في الله، وتوحيد الرجاء فلا يُرتجى إلا هو سبحانه... وإن بدت ظلال يتهيأ لغير المؤمن المتمكن أن لها نفعا أو ضررا، كنفع القريب أو ضرر العدو، أو تدخل الطبيب في المرض او الشرطي في الحوادث ونقيضه كالسارق في السرقة أو المجرم في القتل... أو الإشباع بالطعام والري بالماء والتطبيب بالدواء، ونقيضه الإصابة بالفيروس ... فالأصل أنها ليست فاعلة بنفسها ولكن الفعل سر فيها، أودعه الفاعل المختار، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ.. مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ.. سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ..

فإذا كان نور الياء: الخوف من الله عز وجل، هو أول أنوار الشفاء، فذلك يدل على آليته التي هي القلب، والمعنى هو غاية في البساطة: ذلك أن الذي يخاف الله (كما يقال عندنا في المثل الشعبي) يخاف منه كل شيء، ومن لا يخاف الله، يُخوّفه كل شيء...

أما توضيحه علميا، فقد أثبت الباحثون في جامعة كاليفونيا بسان ديجو (université de Californie à San Diego) أن هرمون الخوف الدوبامين (dopamine) هو كذلك هرمون المتعة (plaisir)... وهذا الاكتشاف يبين الخلل الحاصل في النظام الدوباميني ومرض الفصام (schizophrénie) وبعض المخاوف المرهبة..

ذلك أن هرمون الدوبامين يؤثر على النواة المتكئة (le noyau accumbens) وهي عبارة عن كتلة من الخلايا العصبية تستقر في قشرة الدماع الأمامي (الناصية) (zone sous-corticale du cerveau)، وهي بذلك تخلق الإحساس بالمتعة.. والأبحاث التي سبقتها اكتشفت أن المنطقة المرتبطة بالخوف مجاورة تماما للجهة المرتبطة بالمتعة... وهذا إنما يدل على أن هرمون الدوبامين له مفعول مخالف على النواة المتكئة.. وهذا ملخصه أن الدوبامين هو هرمون الخوف وهو كذلك هرمون المتعة (وهذا طبعا حسب طبيعة الشخص وحسن إدارة إحساساته)...

وهكذا يمكن لنا أن نصنف الخوف على نوعين: خوف إيجابي وخوف سلبي.. فالخوف الإيجابي أصله هو الخوف من الله.. ومعناه بالألفاض المادية، الخوف من الوقوع في الخطيئة والعصيان والكذب والخطأ بجميع أنواعه... فإن رتبناه عموديا وأفقيا نجد انه"توحيد الخوف" دينيا، فمن أدركه كان خوفه إيجابيا، ومن زحزح عنه أصله زاد فيه ما ليس منه، فيتحول الخوف الموحد إلى الخوف العام (وهو الخوف من كل شيء) وهنا يكون الخوف سلبيا...

فإن كان الخوف إيجابيا تعاملت معه اعضاء الجسد مع مؤهلاته بما هو أهل له، فتجد أن العقل يفرز هرمونات، لا نقول انها هرمونات الخوف، ولكن يمكن أن نسميها هرمونات التأهل إلى الخوف، فيحصل منها التنبه واليقضة وسرعة الحركة والتحسب، وهذا إن شئت قل: أنها جنود الخفاء الربانية في النازلة و الخوف الطارئ...

أما إن كان الخوف سلبيا فإن الهرمونات تأتي على حين غرة، وبما أن أعضاء الجسد لم تكن تنتظرها ولم تكن لها خلفية عنها فإنها تفعل فيها ما يفعل المطر النافع الغزير على أرض منجرفة فيصبح سيلا عرما.. وهذه أقرب طريقة يمكن أن نفهم بها جميعا هذه المؤثرات العصبية السلبية والإيجابية على الجسد..

فالخوف الإيجابي (الخوف من الله) هو إن شئت قل: تدريب على الخوف وتحسب له، وبه يكون التثبيت عند النوازل وهو كرباط السلامة عند الحوادث، ولذلك سماه الحق في القرآن بالربط قال تعالى واصفا أهل الكهف في ثباتهم ونطقهم بالحق: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى.. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا... فالهدى الأول هو الإيمان بالله، وزيادة الهدى من الله هو الربط على القلب في قول الحق، فلا يضعف صاحبه ولا تؤثر فيه المخاوف من الباطل...

هناك آية أخرى في حق أم موسى عندما وضعته في التابوت ورمته في اليمّ قال تعالى: وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا.. إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ..

فما نريده من هذا المثال القرآن هو تحليل كلمة: " رَبَطْنَا " في الآيتين، فمن أحالها على أنوار الحروف، فإنه من المتأكد أنه سيهدي للباحثين في المجال مفتاح البحث في الهرمونات المفرزة أو المؤثرات الإيجابية التي تجعل الإنسان فعلا يتخطى بخوفه من الله عقبات خوفه من غير الله... وربما إن انتكست هذه الأنوار فإنها تشكل خماسية ضارة بالإنسان وعقيدته وفكره وصحته، والأنوار هي كما يلي وبعجالة:

ر: حسن التجاوز..

ب: سكون الروح في الذات..

ط: التمييز..

ن: الفرح بالله..

ا: امتثال أمر الله...

فانظر إلى الأنوار فإنها تمثل الخوف الإيجابي وإلى الأكدار فإنها تمثل الخوف السلبي.. فافهم...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire