لا تتعد نية همتك إلى غيره، فالكريم لا تتخطاه الآمال، و لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك، فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعا، من كان لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه فكيف يكون لها عن غيره رافعا.

لا تتعـد نيـة همتـك إلى غيـره، فالكريــم لا تتخطـاه الآمــــال

 

لا تتعد أي لا تتجاوز، و نية الهمة قصدها الذي يتوجه به، و الهمة القوة المنبعثة في طلب المقاصد، و الآمال قصود القاصدين، و معنى لا تتخطاه، أي لا تتجاوزه إلى غيره..

قلــت: إذا تعلقت همتك أيها المريد بشيء تريد تحصيله، فردها إلى الله، و لا تتعلق بشيء سواه، لأنه سبحانه كريم على الدوام، و نعمه سخاء على مر الليالي و الأيام، فالكريم لا تتخطاه الآمال، و هو يحب أن يسأل، فيجيب السؤال، و قد قالوا في تفسير اسمه تعالى الكريم: هو الذي إذا سئل أعطى، و لا يبالي كم أعطى، و لا لمن أعطى، و إذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، و إذا جفى عفا، و إذا عاتب ما استقصى، فهذا من كمال كرمه، و تمام إحسانه و إنعامه، و في ذلك يقول سيدي إبراهيم التازي في قصيدة له:

كمال الله أكمل حســن

فلله الكمال و لا ممـاري

و حب الله أشرف كل أنس

فلا تنس التخلق بالوقـار

و ذكر الله مرهم كل جرح

و أنفع من زلال لـلأوار

و لا موجود إلا الله حقــا

فدع عنك التعلق بالفشار

 

الأمر الثاني: عدم الشكوى لغير الله

لا ترفعــن إلى غيره حاجة هو موردها عليـــك

قلت : قد علمت أن ما سوى الله خيال وهمي لا حقيقة لوجوده، فإذا أنزل الله بك حاجة كفاقة أو شدة، أو غير ذلك من العوارض، فأنزلها بالله واجعلها تحت مشيئة الله، و غب عنها في ذكر الله، و لا تلتفت إلى ما سواه، لا تعلقا و لا تملقا، ففي الحديث: " من لم يسأل الله يغضب عليه " و قال أبو علي الدقاق: من علامة المعرفة ألا تسأل حوائجك كلها إلا من الله، قلــت: أو جلت مثل موسى عليه السلام، اشتاق إلى رؤيته فقال رب أرني أنظر إليك، و احتاج يوما إلى رغيف فقال: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقيــر.

ثم تعجب ممن رفع أحكام الحق إلى غيره مع عجزه و ضعفه، فقــال:

 

فكيف ترفــع إلى غيره ما كــان هو له واضعـــا

قلت : من قلة حياء الإنسان أن يرفع إلى غير الحق ما أنزل الحق تعلى عليه من أحكام قهره مع علمه تعالى بإحسانه و بره، و عدم انفكاك لطفه من قدرته، قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه: أيست من نفع نفسي لنفسي، فكيف لا أيأس من نفع غيري لها، و رجوت الله لغيري، فكيف لا أرجوه لنفسي، و قال أحد العارفين من المكاشفين رضي الله عنهم، قيل لي، في نوم كاليقظة، أو يقظة كالنوم: لا تبديــن فاقة، فأضاعفها عليك مكافأة لسوء أدبك، و خروجك على حد عبوديتك، إنما ابتليتك بالفاقة لتفزع إلي منها، و تتضرع بها لدي، و تتوكل فيها علي، سبكتك بالفاقة لتصير بها ذهبا خالصا، فلا تزيغن بعد السبك، و سمتك بالفاقة و حكمت لنفسي بالغنى، و إن وصلتها بغيري قطعت عنك مواد معونتي، و حسمت أسبابك من أسبابي طردا لك عن بابي، فمن وكلته إلي ملكَ، و من وكلتَه إليك هلكَ.

ثم يبن وجه التعجب فقال:

من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه، فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعــا

من عجز عن إصلاح نفسه، فكيف يقدر أن يصلح غيره، ضعف الطالب و المطلوب، قال بعضهم: من اعتمد على غير الله فهو في غرور، لأن الغرور ما لا يدوم، و لا يدوم شيء سواه و هو الدائم القديم الذي لم يزل، و لا يزال، و عطاؤه و فضله دائمان، فلا تعتمد إلا على من يدوم لك منه العطاء و الفضل..

 

الأمر الثالث: حسن الظن بالله

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire