لا يخرجك عن الوصف إلا شهود الوصف، المؤمن يشغله الشاغل لله عن أن يكون لنفسه شاكرا، و تشغله حقوق الله عن أن يكون لحظوظه ذاكرا.

لا يخرجك عن الوصف إلا شهود الوصف

   فلا يخرجك عن أوصافك الذميمة إلا شهود أوصاف ربك العظيمة، فهو يخرجك من دناءك نفسك إلى شهود كرم ربك، فلا يخرجك من شهود أوصافك الحادثة إلا شهود أوصاف ربك القديمة، فيخرجك من شهود فعله بشهود فعله، و عن شهود صفاتك بشهود صفاته، و عن شهود ذاتك بشهود ذاته.

   و قد سئل شيخ أشياخنا القطب ابن مشيش عن حقيقة المحبة، سأله تلميذه أبو الحسن رضي الله عنهما فقال: المحبة أخذ القلب و خطفه عند كشف نور الجمال و قدس الجلال، و الشرب مزج الأوصاف بالأوصاف و الأخلاق بالخلاق و الأنوار بالأنوار و الأسماء بالأسماء و النعوت بالنعوت و الأفعال بالأفعال ...

   فما دام العبد لم يشاهد أوصاف ربه العظيمة، لا يمكنه أن يخرج من أوصاف نفسه اللئيمة خروجا كليا، و إنما يكون ذلك مجاهدة تارة له و تارة عليه، بين طلوع و نزول، بخلاف ما إذا شاهد أوصاف ربه، فإنه قد يغيب عن نفسه، قد تولاه محبوبه، فكان سمعه و بصره و يده و رجله مؤيدا له، فلا يتصرف إلا بالله، و من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، و أنشدوا:

إذا حزت الفخــار فـلا تبـال             بنقـص فـي الجبلـة أو كمـال

فما التأنيث في اسم الشمس نقص            و لا التذكير فخـر الهــــلال

المؤمن يشغله الثناء على الله عن كل شيء

    يشير إلى أنه إذا تحقق الفناء في الذات و البقاء بالله، فلا نقص للنفس و لا كمال، و إنما الكمال للكبير المتعال، فله الحمد و الثناء على كل حال، كما قال الشيخ رضي الله عنه:

 

المؤمن يشغله الثناء على الله عن أن يكون لنفسه شاكرا،

 و تشغله حقوق الله عم أن يكون لحظوظه ذاكرا

   قلت: النفس عند تحقق الفناء لا وجود لها حتى تذكر و لا فعل لها حتى تشكر، فليس للعارف عن نفسه أخبار حتى يخبر عنها بفعل شيء فضلا عن أن يشكر لها وصفا قد استغرقه شهود فعل الحق عن فعله، و شهود وصف الحق عن شهوده، و شهود نور ذات الحق عن شهود ذاته، فيشغله الثناء على الله عن الالتفات إلى ما سواه، إذ لا يشهد في الكون إلا إياه، و تشغله حقوق الحق عن الالتفات إلى حظوظ النفس، إذ لا نفس مع الفناء، فلا يبقى إلا حقوق العالم الأسنى، فتنقل الحظوظ في حقه حقوقا، لأنهم إذا نزلوا من عش الحضرة إلى أرض الحظوظ نزلوا بالإذن و التمكين و الرسوخ في اليقين، نزلوا بالله، و من الله و إلى الله، فليس لهم نظر إلى سواه، قد تخلصت أرواحهم من طلب الحظوظ معجلة أو مؤجلة نفسانية أو روحانية، إن صدر منهم عمل رأوه منة من الله، فيستحيون أن يطلبوا عليه عوضا أو غرضا كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire