خير علم ما كانت الخشية معه، فالعلم إن قارنته الخشية فلك و إلا فعليك.

خير علــم ما كانـت الخشيـة معه

   فإن لم تكن خشية فلا خير فيه لأنه حجة على صاحبه، و إليه أشار بقوله:

العلم إن قارنته الخشية فلــك و إلا فعليــك

   قلت: لأن العلم الذي تصحبه الخشية يمنع صاحبه من الغفلة و أسبابها، و يزهده في كل ما يشغل عن العمل به، و يرغبه في كل ما يقربه من ربه، فيكون عونا له على الوصول إلى معرفة الله و القرب من ساحة رضاه، فإن لم تقارنه الخشية كان وبالا عليه، لأنه حينئذ حجة عليه، لأن المعصية مع العلم أقبح من المعصية مع الجهل، و في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ويل للجاهل مرة، و ويل للعالم إذا لم يعمل عشر مرات" ذكره الغزالي و مثله قول الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه في حزبه الكبير، فالويل لمن لم يعرفك بل الويل ثم الويل لمن أقر بوحدانيتك و لم يرض بأحكامك.

   فإن قلت ورد في بعض الأحاديث أن يغفر للعالم أربعين ذنبا قبل أن يغفر للجاهل ذنب واحد، قلت: قد يجاب أن الحديث الأول قد ورد في من مات مصرا من العالم و الجاهل، فإن عذاب العالم أكثر لأنه قد ورد أنه يجر قصبة في النار و يدور في رحى بجهنم بخلاف الجاهل لم يرد فيه هذا.

   و الحديث الثاني فيمن تحققت توبته منها، فإن العالم بيده مصباح العلم يستدرك به ما فات أكثر من الجاهل إذا تاب، فقد يجبر العالم من الخلل في شهر ما لا يجبره الجاهل في سنة أو أكثر.

   و الحاصل أن الأول في العالم و الجاهل إذا ماتا مصرين، و الثاني فيهما إذا تابا و أصلحا و الله تعالى أعلم.

   و قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: العلم كالدنانير و الدراهيم، إن شاء الله نفعك بها و إن شاء ضرك بها، و قال في لطائف المنن: فشاهد العلم الذي هو مطلوب الله تعالى من عباده الخشية لله، و شاهد الخشية موافقة الأمر، إما علم تكون معه الرغبة في الدنيا و التملق لأربابها و صرف الهمة لاكتسابها و الجمع و الادخار و المباهات و الاستكبار و طول الأمل و نسيان الآخرة، فما أبعد من هذا علمه من أن يكون من ورثة الأنبياء عليهم السلام، و هل ينتقل الشيء الموروث إلى الوارث إلا بالصفة التي كان بها عند الموروث، و مثل من هذه الأوصاف أوصافه من العلماء، كمثل الشمعة تضيء على غيرها، و هي تحرق نفسها، جعل الله العلم الذي علمه من هذا وصفه حجة عليه و سببا في تكثير العقوبة لديه/.

   قال الشيخ زروق رضي الله عنه: و فيه أشعار بأن العالم الغير المتقي ليس بوارث، و فيه نظر، لأن إفساد الموروث و العمل به في غير حق لا يخرج عن كون الوارث وارثا، و العقوق لا ينفي النسب، لكن يقال: فيه وارث سوء، و لقد أثبت الله العلم لمن لا يخشاه و ما نفاه عن من لم يخشه/.

   قلت: و قد يقال، الموروث عن الأنبياء هو غاية العلم و ثمرته، و هي الخشية و المعرفة به، لا مجرد الرسوم لأن ذلك واسطة، فإذا لم يحصل الموسوط فلا عبرة بالواسطة، فإذا لا وراثة لعالم الرسوم إذ ليست مقصودة بالذات، و قد كان الشيخ الولي الكبير ابن أبي جمرة يقول في علماء وقته، إنما هم معلمون، يعني أنهم محترفون بحرفة العلم، فهم صناع و ليسوا بعلماء، و الله تعالى أعلم.

   و قد أشبع الشيخ ابن عبّاد الكلام في هذا الموضع، فليطالعه من أراد تخليص نفسه من حجة العلم، و بالله تعالى التوفيق.

   و من علامة العلم النافع القناعة بعلم الله و الاكتفاء بنظره، و ثمرة القناعة عدم المبالاة بذم الناس و مدحهم و إقبالهم و إدبارهم اكتفاء بعلم الله و نظره كما أبان ذلك بقوله:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire