لا تطلب بقاء الواردات بعد أن بسطت أنوارها و أودعت أسرارها، فلك في الله غنى عن كل شيء، و ليس يغنيك عنه شيء.

   قلت: طلب الشيء يدل على محبته، و محبة الشيء عبودية له، و الحق تعالى لا يحب أن تكون عبدا لغيره، فلا تطلب معه حالا و لا مقاما، فإن وردت عليك الأحوال و هي الواردات الإلهية، ثم انقشعت و انصرفت، فلا تطلب بقاءها بعد أن بسطت في قلبك أنوارها، و أخرجت منه ظلمة الأغيار و صور الآثار، و أودعت أسرارها من مزيد الإيقان و شهود العيان.

   أو تقول: لا تطلب بقاء الواردات بعد أن بسطت أنوارها من هدم عوائد نفسك عليك، فتحررت من رق الشهوات الجسمانية و العوائد النفسانية، و تخليت من الرذائل و تحليت بالفضائل، فهذه آثار أنوار الواردات.

   و بعد أن أودعت أسرارها في قلبك من اليقين و الطمأنينة و المعرفة، أو من الزهد و الرضا و التسليم، أو من الخشوع و التواضع و الذلة و الانكسار، فهذه علامة صدق الوارد و حصول نتيجته، فإذا حصلت النتيجة فلا حاجة للشيخ لشيء فلك في الله غنى عن كل شيء، و ليس يغنيك عنه شيء، و سيأتي للشيخ ماذا فقد من وجدك و ما الذي وجد من فقدك، و قال الشاعر:

لكل شيء إذا فارقتـه عــوض           و ليـس لله إن فارقـت مـن عـوض

   و في الإشارة عن الله تعالى، لا تركننّ إلى شيء دوني، فإنه وبال عليك و قاتل لك، فإن ركنت إلى العلم تتبعناه عليك، و إن ركنت إلى العمل رددناه إليك، و إن وثقت بالحال وقفناك معه، و إن آنست بالوجد استدرجناك فيه، و إن لحظت الخلق وكلناك إليهم، و إن اغتررت بالمعرفة نكرناها عليك، فأي حيلة لك، و أي قوة معك، فارضنا لك ربا حتى نرضيك لنا عبدا.

   و سئل أبو سليمان الداراني عن أفضل ما يتقرب به إلى الله، فقال أقرب ما يتقرب به إلى الله أن يطلع على قلبك و هو لا يريد من الدنيا و الآخرة سواه و في ذلك قيل:

مــن عـرف الله فـلـم تغـنــه        معرفـــة الله فـــذاك الشــقــي

مـا يصنـع العبــد بعــز الغنــى       و العــز كـل العــز للمتقـــــي

 

علامة عدم الوجدان بالله

   فإذا حصل لك الغنى بالله استغنيت عن كل ما سواه، فلا تتطلع إلى بقاء حال، و لا وارد، و لا مقام، سوى شهود الملك العلام، فتطلعك إلى بقاء حال أو وارد دليل على عدم غناك به كما أبا ذلك بقوله:

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire