العيد الوقت الذي يعود على الناس بالمسرة و السرور .

 ربما وجدت من المزيد في الفاقات ما لا تجده في الصوم و الصلاة،

الفاقات بسط المواهب، إن أردت بسط المواهب عليك صحح الفقر و الفاقة لديك،

 "إنما الصدقات للفقراء و المساكين"

   قلت: إنما كان الإنسان يجد في الفقر و الفاقة من المزيد ما لا يجده في الصوم و الصلاة، لأن الفاقة من أعمال القلوب، و الصوم و الصلاة من أعمال الجوارح، و الذرة من أعمال القلوب أفضل من أمثال الجبال من أعمال الجوارح.. الفاقات قوت الروح، و الصوم و الصلاة قوت القلب، و الروح محل المشاهدة، و القلب محل المراقبة، و ما بينهما معلوم، قال بعضهم:

   اعلم أن المدد الذي هو الفتح الرباني، إنما يقع في القلوب الفارغة من العوائق و الشواغل، و قد يوجد العبد كثير الصلاة و الصيام، و باب قلبه مسدود لاشتغاله بأمور دنياه، و هم الأكثر من الناس، و قد يوجد العبد قليل من الصوم و الصلاة و باب قلبه مفتوح للعلوم اللدنية و التنزلات الفهمية و هم الأقلون من الناس، و كل العبادات يدخلها الرياء إلا الخمول لكونه لا حظ للنفس فيه/.

   و في بعض الأخبار يقول الله تبارك و تعالى لعبده:"سكتك بالفاقة لتكون ذهبا"، قال في التنوير:

   اعلم أن في البلايا و الفاقات من أسرار الألطاف ما لا يفهمه إلا أولوا البصائر، و لو لم يكن إلا تذلل النفس و تحقيرها و قطعها عن حظوظها لكان في ذلك غاية المطلوب منها، و قد قيل: حيثما وقعت الذلة وقعت معها النصرة، قال الله العظيم:( و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة) /.

   فإن أردت أيها الفقير بسط المواهب و ورودها عليك، فصحح الفقر و الفاقة لديك، فإذا صح الفقر و الفاقة عندك، فاستعد لكتب المواهب، فإنها ترد عليك كالسحاب، و قد قلت في هذا قصيدة سيأتي ذكرها قريبا إن شاء الله:

و إن تردن بسط المواهـب عاجـلا      *****       ففـي الفاقـة ريح المواهـب ينشــر

   و المراد بالمواهب معارف و كشوفات و طمأنينة و حكم و علوم، و أسرار ترد على القلوب من خزائن الغيوب حال صفائها و تصفيتها من الغيرية، و أصفى ما يكون القلب حين تذهب النفس، و ذهاب النفس إنما يكون بترك حظوظها، و لا يتحقق ذلك في الغالب إلا في حال الفاقة و الفقر، و لذلك كانوا يفرحون بالفقر و يحزنون من الغنى، حتى إذا إذا فتح على بعضهم بشيء من الدنيا قال: هذه عقوبة لا أدري ما سببها..

   و قال الهروي: الفقر صفة مهجورة، و هو ألذ ما يناله العارف لكونها تدخله على الله و تجلسه بين يديه، و هو أعم المقامات حكما لقطع العوائق و التجرد من العلائق و اشتغال القلب بالله، قيـل: الفقير الصادق لا يملك، و قيل لسهل رضي الله عنه: متى يستريح الفقير؟ قال: إذا لم ير في كل وقت غير ربه..

  و قال الشبلي: الفقير لا يستغني بشيء دون الله..

  و قال السهروردي في عوارف المعارف: الفقر أساس التصوف، و به قوامه، و يلزم من وجود التصوف وجود الفقر، لأن التصوف اسم جامع لمعاني الفقر، و الزهد مع زيادة أحوال لا بد منها للصوفي و إن كان فقيرا زاهدا..

   و قال بعضهم: نهاية الفقر بداية التصوف، لأن التصوف اسم جامع لكل خلق سني و الخروج من كل خلق دني، لكنهم اتفقوا ألا دخول على الله إلا من باب الفقر، و من لم يتحقق بالفقر لم يتحقق بشيء مما أشار إليه القوم، و التحقق بالفقر هو الاستئناس به، و الاغتباط بحصوله و الاستقرار معه حتى يكون عنده أحلى من العسل، و يكون المال عنده أمر من الحنظل، فحينئذ تترادف عليه المواهب و تتسع له العوارف حتى يكون أغنى الغنياء..

   قال بعض الصالحين: كان لي بعض المال، فرأيت فقيرا في الحرم جالسا، لا يأكل و لا يشرب، و عليه أطمار رئة، فقلت أغنيه بهذا المال، فألقيته في حجره و قلت: استغن بهذا على دنياك، فنفض بها في الحصباء، و قال لي: اشتريت هذه الجلسة مع ربي بما ملكت و أنت تفسدها علي، ثم انصرف و تركني ألقطها، فوالله ما رأيت أعز منه لما بددها، و لا أذل مني لما كنت ألقطها، و هذا هو تصحيح الفقر و الفاقة ظاهرا و باطنا..

   و كان بعضهم إذا أصبح عنده شيء أصبح حزينا، و إذا لم يصبح عنده شيء، أصبح فرحا مسرورا، فقيل له: إنما الناس بعكس هذا، فقال: إذا لم يصبح لي شيء فلي برسول الله أسوة حسنة، و إذا أصبح عندي شيء لم يكن لي برسول الله أسوة حسنة..

   قلـت: و هذه حالة أشياخنا رضي الله عنهم حسب ما استقريناه من حالهم، و قد بلغني أن شيخ شيخنا مولاي العربي رضي الله عنه كان يشعل الفتيلة و ينظر في نواحي البيت إذا وجد شيئا أخرجه يتصدق به، و يبيت على الفاقة، هكذا كان حاله في حال تجريده رضي الله عنه..

   هذا و استشهد المؤلف رضي الله عنه بالآية الكريمة: "إنما الصدقات للفقراء و المساكين "، إشارة إلى ما يهبه الله تعالى من المواهب و المعارف، إنما هي صدقة و منة، لا جزاء على الأعمال و الأحوال، لأن الصدقة لا تكون في مقابلة عمل، و إن الله لغني عن العالمين..

   ثم التحقق بالفقر مجموعه التحقق بأوصاف العبودية، و هي الذل و العجز و الضعف كما بين ذلك فيما يلي..

 

 

البـاب الثاني و العشرون

ليست الكرامــة هي الاستقــامـة

   ربما رزق الكرامة من لم تكمل له الاستقامة

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire