علم أن العباد يتشوفون إلى ظهور سر العناية، فقال : يختص برحمته من يشاء، و علم أنه لو خلاهم و ذلك لتركوا العمل اعتمادا على الأزل فقال: إن رحمة الله قريب من المحسنين .

   قلت: لما أخبر الله سبحانه في كتبه على ألسنة رسله أن المدار إنما هو على السابقة، فمن سبقت له العناية لا تضره الجناية، تشوق الخلق كلهم إلى ظهور سر هذه العناية، فكل واحد يظن أنه من أهلها، فأخبرهم الحق تعالى أن ذلك السر إنما هو للبعض دون البعض، فقال تعالى:( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) البقرة/105فأسندها إلى مشيئته دون مشيئتهم، فعلموا أن ذلك إنما للبعض دون الكل، فربما يتركون العمل معتمدين على سابق الأزل، فأخبرهم الحق تعالى أن ذلك السر له علامات تدل على من هو من أهله، و مختص به، فقال:( إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) الأعراف/56 .. الذين أحسنوا عبادة ربهم و أحسنوا إلى عباد ربهم، فتحصل أن سر العناية إنما تظهر على المحسنين المتقين لأعمالهم المخلصين في عبودية ربهم، فمن استند إلى الحكم السابق و ترك العمل فهو مغرور أو مطرود لإبطاله الحكمة، و من استند إلى العمل دون النظر للقدرة و المشيئة السابقة، فهو جاهل بعيد عن الحضرة غافل، و من جمع بينهما فهو محقق كامل، و سر العناية إن شاء الله إليه واصل..

   قال أبو عثمان المغربي رضي الله عنه: قلوب العارفين فارغة لمفاجأة المقدور، و قال بعضهم، ليس كل من طلب نال، و لا كل من نال وصل، و لا كل من أدرك وجد، و لا كل من وجد سعد، و كم من واحد حرم من المنى بمنى، و كم من واحد أدرك من القربات غرفات، و من أيد بالتوفيق وصل في لحظة العين إلى عين القبول، كما حكي عن بعض الصالحين أنه رأى في منامه إبليس اللعين ضج بالصياح و العويل، فاجتمع عليه جنوده و قالوا ما لك؟ فقال لهم: كنت أطمع في فلان منذ سنين فإذا به قد استوى ظاهره و باطنه و سره و علانيته، فلم أجد إليه سبيلا، تحلى بالصدق فامتنع مني في مقعد صدق عند مليك مقتدر/.

   ثم بين ما تقدم في حكم المشيئة فقال:

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire