أما في أمر العلاج من هذه الأعراض والأمراض:

وإن كان ينفيها الطب جملة وتفصيلا نظرا لأسبابها الغير الواضحة، ويمتهنها بعض المتمرسين في كل الأوساط والثقافات والديانات، وهذا ما يدل على ثبوت ضررها على الأفراد والجماعات، ويستحيل على أجهزة الطب النظيفة أن تنكرها ولو لم يسمعوا بها في المعاهد والجامعات، أما المتمرسون فكل يفعل حسب ما يراه أو حسب هواه.. ولا نستثني المتمرسين في البلاد الإسلامية (إلا من أخذ الله بيده، وهم قلة قليلة).. اما حقيقة العلم فبقيت عند أهلها لا يطرق بابهم أحد ولا يعتبر علمهم أحد، وإن كان من متطفل عليهم فإنما يقصد بها المصالح الدنيوية أو المنافع الشخصية، وهذا يتنافى مع أصول الحكمة، فينطوي المشايخ على أنفسهم وينكرون ما عندهم (رحمة بالطالب وحفظا على الحكمة)...

أما في ما يتعلق بحاجة الناس من هذا الطب الراقي النافع (اعترفت به ضمنيا أجهزة الطب أو أنكرته جزئيا أو كليا)، يجب أخذ المعومات فيه من ينابيعها، ومراجعتها خلال تطورها وتحولها على أصولها وفصولها.. وهذه مهمة علماء الإسلام الذين امتهنوا الطب في تخصصاتهم، وأركز هنا على هذا الجمع بين التخصصين "العلماء الأطباء" أو "الأطباء العلماء"، والحاصل أن التخصص كان موجودا في فجر الإسلام وقد غذى الساحات الطبية في جميع التخصصات..

أما أول ما يبدأ به هو التشخيص له، وبداية الرجوع إلى التوازن الطبيعي، وعمومه يكون في الرجوع إلى الشرائع وأصول الطبائع على قدر المستطاع، ثم النفاذ من خلالها إلى حقائقها ولب جوهرها، وذلك مراعاة المقاصد فيها، باعتبار أن فقدها كان الأصل في الإصابات، ولا يمكن أن يتم علاج وباب سببه لا يزال مفتوحا أو أصل علته لا يزال موجودا (وهذا لا يخالف فيه أحد).. والمقصود من الشرائع والحقائق معروف عند المسلمين وهو حقيقة الدين.. هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ..

أما لمن سأل عن غير المسلمين، جوابه: أن الحق في الشفاء هو كالحق في الماء والغذاء والهواء، ويدخل في رزق الأبدان، والحق فيه للجميع إذا وافق الأسباب الصحيحة، ومعنى موافقة الأنوار، فإن للأنوار ظاهر وباطن، أما الباطن فهي موافقة الدين والعمل بأسباب الدنيا، أو بعبارة أهل التحقيق: الإحسان في العلم والعمل (وهو أرقى ما يمكن أن يصله العبد)، وأما الظاهر فهو العمل بأسباب الدنيا، قال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلۡأٓخِرَةِ نَزِدۡ لَهُۥ فِي حَرۡثِهِ.. وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرۡثَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا، وَمَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ.. وقال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَالَا يُبۡخَسُونَ .. وهذا واضح في جميع أسباب الدنيا وأكبر دليل عليه في أسباب الطب الذي هو موضوعنا.. وتنفيذه في العمل الجاد المثمر، وسره في تطبيق القوانين الجاري بها العمل في كل المجالات، والتي تحفظ للناس حقوقهم وإن كانت فقط مادية (لجهلهم بما هو فوقها)..

خلاصة الكلام: أن هذا الطب مضمونة نتائجه لخصوص المسلمين الذي أشرقت فيهم أنوار "الشفاء" ( وقد سبق الكلام عنها في فصل سابق)، ولعموم الناس الحق فيه على قدر امتثالهم للأنوار ولو كانت ظاهرة، (وسبق تعليل هذا فيما سبق)، ونحن نراه كل يوم في المشافي وعلى أعين الناس... لكننا نتكلم على تأصيل هذه الأسباب والعلل، ونريد أن نجعل من ثقافة الطب الإسلامي أصلا في العلاج من الأمراض والأعراض لا تتنافى مع أرقى ممارسات الطب الحديث وفي كل توجهاته..

أرجع وأذكر على إصابات الجن أو الشياطين، (وقد أطلت بما فيه الكفاية قصد تغطية ما يمكن من الجوانب حتى توضح الرؤيا العلمية) فإن لها جانبين أساسين من العلاج، وشطرين مختلفين يجب احترامهما على العموم (ولو أنها توجد استثناءات في الكرامة الشفائية) لأننا نتكلم على طب عادي ومادي وليس طبا بما هو فوق العادة، وإن عرّفه الطب العرضي بأنه يخرق عادة الطب، فنحن نريد أن تدخل هذه الممارسات في عادة الطب لأنها جزءا لا يتجزأ منه كما دخلت ممارسات الطب النفسي أو ما فوق النفسي فأصبحت عادات طبية ولها قواعد بها تدرّس وقوانين بها تنفّذ..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire