كلمة : يَشْفِيـــنِ..

و هذه صورة الكلمة كما يلي:

و كما ترى أن الكلمة تحمل خمسة أنوار بكل حرف نور، وخمسة أكدار أو ظلمات بكل حرف مثله، و بما أن الشفاء يكون من الكريم الرحيم جعل له بحكمته سبحانه أسبابا منها ظاهرية كالطبيب أو الدواء و منها باطنية و هي التي تمر على يد الطبيب أو الدواء و تكون سببا في الشفاء و هي الأنوار المنبثقة من المريض نفسه، و بها مدى استعداده الروحي أو النوراني للاستشفاء، و هي التي تسمى بلغة الأطباء " رفع الإيحاء عند المريض" ونسميها استجابة المريض للشفاء أو امتثاله للعلاج أو الدواء، و هي في الواقع لباس أنوار الشفاء الحقيقية..

و لعموم الفائدة لو رجعنا على حسب بحث أو تحليل "رورشاش" أن الأشخاص الأكثر تأثيرا بالدواء الوهم هم الأشخاص السريعي التأثر Emotifsو المتلهفين الذين يبدو عليهم أثر القلق أو الهمومanxieux.. فالقول بكل بساطة: هو أن هؤلاء هم الذين تتوفر فيهم أكبر نسبة من الأنوار الخمسة المذكورة و عكسه هم الذين يتوفر فيهم العكس و هي كما يلي:

1) نور الياء له الخوف من الله عز و جل و هذا الخوف لا مدخل له إلا من الموت في الحياة، و معناه أن العابث و المتهور بالسلوك واقع لا محالة في مخالفة أوامر الله عز و جل، و ذلك يجعل من جسده عدم القبول أو الاستجابة لأنواع العلاج في حالة مرضه.

2) نور الشين و هو القوة في الانكماش أو القوة في التراجع عند الاقتضاء، و لا مدخل له إلا من باب النفرة عن الضد و الند، فمن توفر فيه هذا النور كان جسده أكثر امتثالا للعلاج إذا أصيب بمرض بخلاف من كانت له ظلمة الحرف يعني التهور في القرار و عدم احترام الواحد القهار، فإن نسبة رفع الإيحاء في الاستجابة للدواء فيه تكون ضعيفة..

3) أما نور الفاء فهو للحمل للعلوم و فتحه لكمال الحواس الظاهرة، و يجب أن يفرق بين العلم الكامل الذي هو نور اللام و الحمل للعلوم الذي هو نور الفاء و سوف نتطرق إلى هذا في الجزء الثاني بحول الله و حسن توفيقه.. فمهما أتلفت الحواس الظاهرة أو كان فيها خلل كان العبث بالعلوم و التضييع لها، و هذا يعتبر من معوقات الامتثال للعلاج أو للتداوي، و نقيضه في إثبات النور بكامله..

4) و نور الياء له الخوف التام من الله عز و جل و سكونه من امتثال أمره سبحانه، فثبوت النور يكون به امتثال للعلاج و نقيضه يعيقه و يعوّقه..

5) أما النون فله الفرح الكامل، و معناه الفرح بالله و بما جاء من عند الله و لا يكون ذلك إلا بمعرفة الأسرار في قبضه سبحانه و بسطه و عطائه و منعه، و حتى يتأكد العبد تمام التأكد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطأه لم يكن ليصيبه، و أنه لا يجري في الأرض إلا ما حكم الله به في السماء، و هذا النور عزيز الإدراك و غزير الفهم فمن وصله استراح و أراح، أما كسره فمن كمال الخلق الباطن..

فإذا أردنا تلخيص الوصفة السلوكية للشفاء الرباني فهي في أنوار هذه الحروف الجليلة وهي كما يلي:

الحرف الأول له العلاج الأول وهو الخوف من الله تعالى، فمن استحضر هذا النور فإن الخوف يتوحد عنده ولا يبقى يخشى بعد ذلك شيئا البتة، وهذا يسمى الخوف الإيجابي، ونقيضه الخوف السلبي، ومحله القلب وله تأثير مباشر على العقل والجهاز العصبي (وقدتبين في تجارب حديثة أن الإحساس ينتقل مع الدم حيثما حل وارتحل في الجسد).. وأصبح الطب الآن على بينة من إفرازات هرمونات معينة كمادة الدوبانين (Dopamine) والسيروتونين (Sérotonine) والأندريالين (adrénaline)، (وقد بينت دراسة حديثة أن الدوبامين مثلا إذا كان الخوف إيجابيا فإنه يمر على الجبين فيتحول إلى هرمون محفز للسعادة بدل التحفيز والتقفيز الفوق العادي لوظائف الأعضاء ظاهرة كانت أو باطنة... وهذا هو مسرى البحث على هذا النور القيم، فمن ثبت فيه خوف الله لان ظاهره وباطنه وانفتح له أول باب للشفاء الرباني..

الشين هو الحرف الثاني وهو الباب الثاني للشفاء، وله من الأنوار القوة الكاملة في الانكماش، وهي قوة التوقف عندما يقتضي الأمر ذلك، ويتعلق بقرار العبد عندما يصل أمام محضور أو ممنوع أو محرم.. ويتعلق النور بالعقل والجهاز العصبي مباشرة، وعلى الخصوص الدماغ الحوفي (cerveau limbique) وهو الذي يقوي قرار العقل بالسلب أو الإيجاب (بقبول الفكرة أو رفضها)، فإن استقامت وظيفة العقل في هذا المنحى فإنها تنشط العقل وتحفزة على إفرازات الهرمونات المذكورة بالطريقة الإيجابية.. وتنتقل الإيجابة الفكرية كذلك عبر الجهاز العصبي فتشمل وظائف الأعضاء المرتبطة بها (وهو مرتبط بكل الأعضاء)...

الفاء وهو الباب الثالث للشفاء، وله من الأنوار الحمل للعلوم، وهو كذلك له ارتباط بالقلب والعقل معا، وجوهرة تبليغ ما ينفع الناس وعدم كتمانه، وهو يزيدالعبد ثقة بالنفس واطمئنانا بما أداه من أمانة، وهو يزيد في تقوية الجهاز المناعة وإعادة ما تضرر من الخلية...

الياء الثانية وهي الباب الرابع، ولها الخوف من الله، ومعناها هنا هو ترتيب الأنوار والمحافظة عليها والخوف من الله في إفسادها، وهو يزيدفي تمكين العبد من ثقته بنفسه وبالله ويزيد استقراره وانتقال الشفاء على مستوى وظائف الأعضاء الظاهرة والباطنة وما ترتبط به من مكونات التأثير..

النون وهو الباب الأخير للشفاء الرباني وله من الأنوار الفرح بالله، ويبدأ من المعرفة الربانية بالنفس وما خلق الله فيها من غير حول العبد وقوته، وما خلقت له من وظائف نبيلة وكريمة وصالحة، ومدى النعم الذي سخرت في الإنسان ولا يمكن للطب أن يفعل فيها من قريب ولا من بعيد كالبصر والسمع والحس ونعم الغذاء والهواء والماء والحفظ المتوالي من كثير مما كان العبد سببا فيه فكان له الحفظ منه... وهكذا حتى تربى هذه الفرحة بالله العزيز الحكيم.. فإنها إن كسب العبد تمثل للشفاء الرباني بلا شك ولا خلاف...

هذا بإيجاز شديد أمرّ مرور الكرام على الأنوار حتى تعرف ماهيتها و طريقة استنطاقها في الحرف القرآني، وإن في الحرف الواحد ثلاث مراتب لأهل البداية و الوسط و النهاية، و في كل مرتبة حسب ما وفق فيه الرحمن وامتثل فيه الانسان، و بفضل الله و حسن توفيقه سنعطي لكل حرف حقه حتى ينجلي نوره و يسطع سره..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire