سلوك رباني آخر يمنع السحر بين الأزواج ويساعد على إزالته:

من المعلوم أن كل الأنوار الربانية في السلوك إنما هي نور واحد، قال تعالى: ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ.. والظلام هو ظلمات متكررة ومتعددة، بعضها يصب في بعض ولا يحل بعضها بعضا، وكل لها عقد لا تحل كغيرها، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ.. فمن خرج من النور لا يدرى في أي ظلمة يقذف به، ولكن من أراد التوجه إلى الأنوار فكل منها يوصل لبعض وكل منها يجزي عن بعض...

ذكرت هذا لأبين أن سلوك الطاعة بين الأزواج كله يصب في سعادة المرأة والرجل معا، ومن ثم إلى الأسرة والمجتمع، فإذا قال الحق سبحانه: وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡأَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ..

فمنحة الأزواج من آيات الله، ومن آيات الله أن تجد الزوجة زوجا تسكن إليه، ومن آياته أن يجد الزوج زوجة يسكن إليها، ومن فضله سبحانه أن يجمع بينهما بهذا السكون والتساكن.. وهو في اللغة الاستقرار بعد الاغتراب والثبات بعد الحركة والاضطراب، وللكلمة الربانية قوانين سلوكية لا تحقق بتطبيقها وهي في حروفه وتعتبر من شروط الحياة الزوجية أو بعبارة أدق: شروط التساكن بين الأزواج، وهي كما يلي:

اللام له العلم الكامل وهذا معناه ان الزواج يقوم على أسس يعتبر الإخلال بها إخلال بالزواج..

التاء لها كمال الحواس الظاهرة، فإن لم تكن الحواس كاملة حتى يستفيد الرجل أو المرأة من السمع لفهم الآخر أو البصر للحس بالآخر أو الحس حتى لا يظلم الآخر، فإن ذلك يخل بالسعادة الزوجية..

السين له خفض جناح الذل فعلى كل منهما ان يخفض جناحة للآخر، المرأة بجمالها وعفتها والرجل بلطفه وأنافته..

الكاف لها المعرفة بالله عز وجل، ليكون كل ما يفعله الرجل أو المرأة يقصدان به وجه الله، لكي لا يكون الإعجاب بشيء..

النون له الفرح بالله، حتى لا تغطي المتعة نعم الله سبحانه، فينظر أحدهما إلى العطية فيرى فيها المعطي فيكثر شكره لله، ولا ينحصر بصره في العطية فيكون عبدا لها ويدخله الغرور...

الواو لها الموت في الحياة، فيجب أن كل من الرجل والمرأة أن يفنيا في إسعاد بعضهما، وذلك دليل المحبة والإخلاص..

الألف لها الامتثال، وجاءت أخيرا هنا للتأكد أن الأنوار يجب أن يمتثل لها على التريب المطلوب وعلى المنهج المرغوب..

هذا باختصار معنى التساكن بين المرأة والرجل في الزواج، فمن افتقد في الأنوار شيئا فقد افتقده في السكون إلى الطرف الآخر، وعلى قدر الافتقاد يكون النفور والابتعاد (فافهم)

أما آليات التساكن فنورين آخرين يذكرهما الحق سبحانه: وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ.. ولم يقل الحق سبحانه حب أو محبة كما يصطلح عليه في الأوساط الشبابية التي حمتها الأوساط الأدبية في القصص والشعر والروايات...

فالحق سبحانه ذكر سلوكين اثنين مركب كل منهما بأنوار مخصصة ومتوالية: مَّوَدَّةٗ وَ رَحۡمَةًۚ.. فمن عرف المودة بفصولها حق له أن يعرف الرحمة بأصولها، وكل منهما سلوك يخدم من يخلفه، فالمودة تخدم الرحمة، والرحمة تؤهل إلى السكون والتساكن بين الأزواج، فإن ثبت هذا بين الأزواج كانت لهم جنة في الأرض كجنة آدم مع زوجه...

أما الكلمتان الدالتان هما مودة و رحمة، فهما كلمتان يشترك فيهما الرجل والمرأة معا، كل منهما على الأنوار القائمة فيه، وعلى التركيبة الخاصة التي أقام الله فيها كل منهما، وهما كما يلي:

الميم من مودة، تعني نفع الرجل للمرأة بما وهبه الله إياه ونفع المرأة للرجل بما اولاها الله فيه..

الواو، وتعني الموت في الحياة، فيفنى الرجل في خدمة زوجته وتفتى المرأة في إرضاء زوجها، وهي المحبة التي يتكلم عنها الأدباء، حيث يخدم كل من المحب حبيبه ولا ينتظر منه شيء (فافهم) فالمسمى"حب" هو جزء من أربعة من المودة..

اما الدال، فهي الطهارة في الحس والمعنى، فكل من الرجل والمرأة يسعى في طهارة النفس وتطهير الأجواء بما يقدر عليه..

ة ولها حكم الهاء وهي النفرة عن الضد، فلا يتطلع الرجل إلى غير زوجته ولا هي إلى غير زوجها...

هكذا تقوم المودة الحقة، وهي مدخل إلى كلمة الرحمة، التي تأتي بعدها وهي ثمرة المودة.. وهي كما يلي:

الراء لها حسن التجاوز، فلا يجوز لأحد الزوجين أن يقف مع حال، ولا بد للإنسان من أخطاء وهفوات، فكل ما هفى أحدهما في شيء يقول له زوجه كما كان يقول الرسول الكريم: قدر الله وما شاء فعل..

الحاء لها الرحمة، إذا وصلت الأنوار في الزوجين إلى هذا الحد فإنها تنشأ بينهما رحمة، فيبدأ كل منهما يرحم الآخر ويسعد به على شكله الأصلي بود إضافات ولا زوائد...

والميم أخيرا وهو النفع الذي ينتهي، فكل من الأزواج يبذل لزوجه وكل منهما ينفع زوجه، ويصبحا كل منهما رحمة لا تنتهي للآخر، هذا هو الزواج، وهذا ما يسره الله لهم من باب فضله وجوده وكرمه... فأين الأزواج من رحمة الله بهم؟؟

أردت ان أذكر هذا ولو بعجالة حتى يعلم أن العلاقات الربانية في النفس أو بين الأفراد والجماعات ابتداء من الأزواج والزوجات لم تكن ليبدع فيها الفرد على هواه ولا حسب مبتغاه، ولكن الشرع الشريف أصّل لها من العلوم بما لا يترك حظا لارتجال السلوكات الفردية، فيحصل منها الشرود أو يقع فيها الشذوذ، وأصلها من الدين بل هي أصل بنيته، وكل ابتداع فيها إنما هو من البدع.. وشتان بين الإحسان في السلوك والبدعة فيه.. فإذا كان التحلي بالفعل الفضيل والإتيان به على الوجه المطلوب يسمى سلوكا قويما أو سليما، وله في الدين "سُلم" يقاس عليه(اتباع السنة) فالإحسان فيه عموده الإخلاص وآلياته الخروج منه، وضمانه وذروة سنامه قصد وجه الله به (وتلك حقيقة السنة)..

وإن ابتدع المبتدعون في التعريف بالسلوك أو حتى بمفاهيم البدعة، فإن للسلوك منبع ومجرى ومقصد، أما منبعه فظاهر فعل قلبه باطن نية، فإن فسد القلب كان القالب أجوفا، وإن فسد القالب لم يقو على حمل القلب وأصبح جوهره متلفا، أما إن صلح القلب والقالب فيلزمهما سير محكم في المسير، ومنهج محكم في التدبير، وينتهي المجرى في المقصد المراد، فإن كان خيرا فقد وافق سلوك الدين، وإلا فهو من أعمال الشياطين... ألن تسمع قوله تعالى: وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡوَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ.. فثلاثية المراقبة ملزومة بثلاثية المراجعة والمحاسبة، لمصلحة المؤمنين، ومطابقة عمل الرسول الكريم، والقصد بها لرب العالمين...

وفقه هذه الأمور تلزمه قلوب متعلقة وليست أفكار متألقة، ألم تسمع قوله تعالى: لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا.. وقوله تعالى: أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَلَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ.. وليس معنى هذا تعطيل المعقول ليتحصل المنقول (كما يدعي البعض) أو الاستدلال بالمعقول على تأكيد المنقول (كما يدعي الآخرون)، ولكنه تفعيل المعقول للمحافظة على المنقول، لأن العقل نور ومدده وجداني (بطاريته إحساسية) إن وجّه العقل بالوجد أصاب، وإن تعلق العقل بالفكر خسر وخاب...

كان يجب ان يسمى هذا فقه المقاصد بدل أن يدل به على غيره، أو فقه حقيقة السنة حتى تعرف حقيقة البدعة، فإن الأمر متعلق بجوهر الدين لا بشكليات أو مظاهر أشكال المسلمين، ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امريء مانوى،فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه.. فكل هاجر، ولكن كل كان له ما هاجر إليه، فمن كانت هجرته في هذه الدنيا إلى الله ورسوله، فقد صفا قلبه وقالبه، وصحت وجهته وطريقه، ووصل بإذن الله مقصده ومراده، ومن زاغ قلبه وإن صح قالبه وقصدت وجهته، كان له من توجهه ما طلب ولم ينل من مسيره إلا المظهر والتعب..

أريد ان أذكر بكلمة أخيرة للأهمية، فبالأصول يستنير الطريق إلى المقاصد، والسعي بينهما محض الشرع، والشرع فيه ظاهر فعل وباطن حس ووجدان، فمن حقق الشرع بين الأصول والمقاصد فقد حفظ بيضة هذا الدين، وأستبرأ لحقيقة دينه وسلامة دنياه، قلة الأسباب في الدنيا تكفيه للسعادة، وحفظ الفرائض في الدين يغنيه عن الزيادة.. وقد اوصى الرسول الكريم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ابن عمر، دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.. فالدين لحم ودم لمن فهمه، وعلم وعمل لمن انتهجه، فلا يأخذ إلا ممن خالط علمه دمه وعمله لحمه، هم الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، وهم الذين تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا...

أما من مال او استمال فقد أحدث في أمر العلم والعمل ما ليس منه، وأضاف في تكوين اللحم والدم ما ليس منه، فأمره عليه مردود، وحضه من العلم والعمل مفقود، ونصيبه من الهداية الضلالة، ومن الحكمة والاستقامة الهوى والغواية، قال الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم في خطبته: من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار...

والمقصود من هذا الكلام الطويل أن كل بدعة ظلمة، وكل ظلمة لها شيطان رجيم يحرسها، ومن وقع فيها وقع في قبضته، ومن زحزح عنها فبضل الله وحده ومنته.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسود...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire