كلمة: مرضت:

سبق الكلام عليها وتلافيا للتكرار نحاول أن نرى معا أنوار حروف هذه الكلمة الدالة (يمكن أن نقول من باب الأنطلوجيا) بالنسبة لمن ينكرون الوارد ويشككون في المعطى، ولننزل النعرات المذهبية والانتماءات، أو لنقل لننظر إليه من باب التجربة والاختبار على الأقل كما نظر إلى نظريات "فرويد" في الأنواثة والذكورة والكبت الجنسي... . وهذه صورة الكلمة كما يأتي:

التحليل: سبق تحليل هذه الكلمة الربانية في كتاب "أنوار الحروف فوق ما هو مألوف" في باب: "الطب على الأنوار المحمدية".. ومعها كلمة "يشفين" كما وردت في الآية الشريفة، ونحاول أن نعيد التحليل هنا بصيغة طبية، أو أقرب ما تكون إلى التحليل النفسي الطبي..

ومن تأمل الآية يجد أن المرض مسنود أمره إلى الفرد نفسه، أو بمعنى أدق: ما هو السلوك الفطري الصحي الذي عارضه هذا الشخص حتى استحق الدخول في سلك المرضى؟ وهذا ما هو واضح في أنوار كلمة "مرضت"..

صحيح أنه من الصعب على أي باحث أن ينطلق من هذه الفرضية كبحث تقني، ولكني أجزم على أنها ليست اجتهادات فردية، ولكنها أنوار الاستقامة في كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

أما كيف تشرح هذه الأنوار في كلمات القرآن، فإنه اجتهاد بسيط، يشترط فيه معرفة المصطلحات النورانية للحروف (أبجدية معاني 29 حرفا فقط)، ومقياس للشرع الحنيف، فإذا خالفت المعاني الشرع يضرب بها عرض الحائط، أما وإن دلت عليه بل وفرضته في كل الأحوال، فمن اعترضها لا يقام له وزن ولا يحسب له حساب..

فكلمة مرض كما تدل عليها الصورة هي أربعة أنوار، إن استقامت في العبد كانت منعة له ووجاء من المرض، وإن سقطت منه هذه الأنوار (استبدلت بنقيضاتها من الأكدار) يستحيل ان يكون في سلامة وعافية!!!

وهذه "الحروف الأربعة" هي بمثابة أركان للصحة إن اعتبرت أنوارها، أو أركان للمرض إن اعتبرت أكدارها، إن سقط منها ركن، سقط ربع حظ سلامة الفرد وإن سقط ركنان تأهل الفرد إلى حظ النصف وهكذا..

اما معانيها بكل بساطة فهي كما يلي:

م: ولها من الأنوار الذكورية.. وتعني من المعاني النفع والانتفاع، فمن كان فيه نفع (خير) للناس وما ينفعهم، ففيه من النور على قدر عمله ونيته وعقيدته... ومن انتقص نفعه للناس انتكس فيه النور وكان على قدر ذلك من عكسه وكدره (قلة النفع) .. والنفع مطلوب قال صلى الله عليه وسلم: الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله..

ر: له من الأنوار: حسن التجاوز.. ومعناه حسن التجاوز في الأحوال الحسنة والسيئة، وعدم التوقف النهائي لها، فإن أصاب الإنسان خير لم يتكبر به ولم يتجبر، ولا يعتبر نفسه انه مخصوص به من دون غيره... وإن أصابته فتنة او مرض يبقى متعلقا بالأمل ولا ييأس ولا يبتإس... وكل هذا من تعاليم الإسلام قال تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ .. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ .. كَلَّا...

ض : ولها من الأنوار: قول الحق، ومعناه الصدق في القول والفعل، قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى.. وقال تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى.. وعكسه الكذب.. قال صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فإنَّ الصِّدْقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ..

ت : كمال الحواس الظاهرة، ومعناه سلامة أدائها الجوهري، والحواس الظاهرة هي الخمس المعروفة: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ومعنى كمال السمع إذا سمع صاحبه ووعى وفهم المعنى وكان ممن يسمع القول فيتبع أحسنه، وكمال النظر هو من كانت معه عبرة يعتر بها وآية يتذكر بها.. وكذلك في باقي الحواس، فكل حاسة لها مهمة آلية توصل المعلومة، ومهمة بعدها جوهرية في تحليلها والتصرف على إثرها...

فالذي نود تصويب الأنظار إليه من قبل المتخصصين في وظائف الأعضاء والتحليل النفسي، هو دراسة هذه السلوكات الأربعة :

1) الذكورية.. وعكسها قلة النفع/

2) حسن التجاوز.. وعكسها الوقوف مع الأحوال والنوازل/

3) قول الحق.. وعكسه الكذب في القول والفعل/

4) كمال الحواس الظاهرة.. وعكسه الطمس فيها/

فكيف تحلل نفسيا هذه السلوكات النورانية أو نقيضاتها الظلمانية، وكيف تتأثر بها الأعضاء في وظائفها الظاهرة والباطنة، وكيف تتأثر سلبا وإيجابا ؟؟

من تأمل هذه السلوكات الأربعة فإنه يجدها حتما تجمع أربع أنواع من مسببات الأمراض، والتي تعتبر مؤثرات جميع الأمراض التي يمكن أن يصاب بها الإنسان.. وإن كان هذا الكلام يبدي كثيرا من التحدي القولي، ولكن من تأمله بعمق وتبعه بحكمة وعلم فإنه يجده كذلك رغم بساطة طرحه.. وهذه دلالة من دلالات الإيمان، وعلامة جودة في السلوك الرباني... الذي لا يتوقف على عبقرية كي يطبق ولا دراسات معمقة كي يفهم، إنما يلزم إيمان ثابت وتطبيق على قدر المستطاع، وقياسه في مثل قوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ...

فكيف يدرَك العلم بالتقوى ؟؟ وقد عُبدت طريق العلم ومقاييس يجب السير عليها وآليات يجب التحاكم عندها!! والجواب: في العقود الأخيرة أصبح لا يخفى على الباحثين والمتخصصين، ذلك أن العلم بمكونات الشيء الظاهرة والبارزة أمر، والعلم بمكوناتها الباطنة أو مؤثراتها الخفية أمر آخر.. وأصبح يعتبر (بلا منازع) أن المؤثرات الباطنة هي الأصل في المكونات الظاهرة، فكيف لا يكون تغيرها مغيرا لما يتكون منها.. سلبا أو إيجابا...

اما من الناحية الشرعية فكيف يفهم معنى قوله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا.. وقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا.. ومعنى قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ.. وقوله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ...

فإذا كان الجزاء على الفعل الديني له نتائج حتى في العالم الآخر، فهو أولى وأقرب أن يكون له في الحياة الدنيا، وهذا منصوص عليه في كل التعاليم الدينية، وهو ما يجب الرجوع إليه والوقوف عنده، وهو من بدهيات علم السلوك وعلاقته بأحوال الناس الظاهرة والباطنة.. وأقل الناس ذكاء يعرف مدى أثر الحزن على حالة العبد النفسية ومدى تأثيرها على تقهقر وظائف الأعضاء، والعكس تماما يكون مع الفرح.. كيف تنشط معه الحواس وترفع معه الهمة ويحصل معه النشاط.. كذلك الأمر في الخوف والأمن، والبخل والكرم، والكذب والصدق، والجبن والبخل... وما إلى ذلك من السلوكات المحصية دينيا إحصاء والمنصوص عليها نصا... وحيثما ذُكرت في كتاب الله أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وذكر معها من العواقب إن كانت اكدارا، أو من الإيجابيات إن كانت انوارا ، ما نحن اليوم في أشد الحاجة إلى إعادة قراءتها واستخلاص العبر منها.. وإن لم نفعل فقد فرطنا في كتاب الله العظيم ومنهج رسوله المصطفى الكريم.. نسأل الله أن تُرفع بها هِمم وتُنار لها عقول وتهيأ معها أقلام لهذا الفهم الرباني، الذي لا يمكن رفعه إلا بأهله.. ولا يمكن تبليغ الدين بدون تبليغ كل ما نزل فيه، والحق سبحانه يقول: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..

فكيف يعرف هذا من لم يعرف إلا عن وظائف الأعضاء المادية، وكيف يدرك السلوك الرباني من لا يعرف إلا سطحيات الأفعال ومدى تأثيرها على ماديات الأحوال.. وهذا هو المقصد من هذا البحث "الطبي الرباني" (إن صحت هذه التسمية)، وإلا فليدخل في التحليل النفسي.. (إن وجد من يثبته "ولا يحتاج إلا إلى عزم وتوكل على الله")

اما ملخصه بكل بساطة، كيف يؤثر النفع (الذكورية) إيجابا على الأعضاء، أو ما هي الأعضاء الظاهرة والباطنة التي تتأثر مباشرة به.. والعكس (قلة النفع)، وما هي الأعضاء التي تتأثر منه؟؟

إذا تأملنا بعض الشيء نرى أن النفع عادة يشمل ما هو ظاهر وملموس ومادي إلا فيما نذر، فيكون قياسه على العطاء والبذل والكرم... كإطعام الطعام ومصاحبة المساكين والعناية بالأيتام... قال تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا .. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا.. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا .. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا..

فالآية جعلت لهذا الوصف من الناس (الذين يطعمون الطعام على حبه...) جزاء في يوم الوعيد من جنس العمل، وهو صريح في نص الآية: (... وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).. و"النضرة" وليست من النظر، ولكن" النضرة" هنا هي سماة جمال وكمال تكون على المنظور إليه تدل على انه في منتهى السعادة في الظاهر والباطن.. وهذا ما تدل عليه الآية الأخرى من قوله تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ.. فتصور كيف تظهر نضرة النعيم من عنوان وجه الفرد السعيد، وعلى ماذا تدل؟.. وكيف يمكن أن تشخص؟؟..

وهذا المقصد في بحثنا، فهذا جزاء الفعل في الآخرة، وحال الآخرة منسوخ من فعل الدنيا، إذن للحال ما يقابله من أوصاف دنيوية.. فالموصوف بالميم (الذكورية) في الدنيا يعني: الكريم الذي يحب الكرم ... يكون له وصف ذكره الحق سبحانه في كتابه العزيز: (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا).. إذن يكون ظاهره فيه نضرة، وباطنه فيه سرور..

ومن هنا يبدأ البحث التحليلي: ما هي المؤثرات المباشرة التي تجعل لظاهر الإنسان نضرة، ولباطنه سرور؟؟؟

أو سؤال بطريقة أخرى: عندما يحب الإنسان الكرم والبذل والعطاء ، ما هي الغدد الذي تتفاعل، وما هي الأعضاء في الجسد التي تتأثر وما هي المناطق في المخ التي تنشط ؟؟؟

هذه الأسئلة.. مطلوب الإجابة عنها من خلال أبحاث ربانية، ولي اليقين انها لن تتطلب أكثر مما تبحثه شركات الاستهلاك في المشروبات الغازية أو المأكولات السريعة... .

فإذا أردنا ان نفعل انوار كلمة "مرضت" في الوقاية من المرض أو أكدارها في معرفة أسباب المرض، فإننا ننظر إلى كل حرف على حدة، ونحاول تحليل المناطق التي تسفيد منه في الجسد الإنساني، وأنا متأكد أن علماء وظائف الأعضاء والتحليل النفسي سيتجاوبون مع الفكرة، وسياقها كما يلي:

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire