علم النفس الرباني

   أدبا مع المتخصصين في هذه المادة العلمية المتخصصة الشيقة، نمر عبر بوابتهم (وهي أقرب الطرق للخروج بما يمكن أن يفيد المادة العلمية وما يمكن أن يقدمه للإنسانية) فنقتبس من "ويكيبيديا" بتصرف ما يلي:

   ... باختصار: علم النفس هو الدراسات العلمية للسلوك والعقل والتفكير والشخصية، ويمكن تعريفه بأنه: «الدراسة العلمية لسلوك الكائنات الحية، وخصوصا الإنسان، وذلك بهدف التوصل إلى فهم هذا السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه». وكما أنه من العلوم المهمة حديثا ولم يتوسعوا فيه قديما وهذا العلم لا يقتصر على فرع واحد، بل لديه عدة فروع وأقسام بالإضافة إلى ذلك فإنه من العلوم الممتعة، مع أن دراسته قد لاتكون بالسهلة ويساعد هذا العلم في معرفة أنماط الشخصيات المختلفة...

   لن نكون كما يقال (ملكيين أكثر من الملوك) ولكن علماء النفس قطعوا أشواطا كثيرا في أصول العلم وفروعة وتاريخه ورواده، وميزوا بين مختلف تطبيقاته والقوانين التي تنظمه حسب المدارس... (فلا نقول أكثر مما قالوا)..

   أما موضوعنا.. فما أغفل (أو هُمش فيه أو ركن في رفوف النسيان) في علم النفس، ونحمل المسؤولية لعلمائنا ومثقفينا.. ولا نستثني علماء الغرب.. لأنه من كلف نفسه البحث عن التسمية في اللغة اليونانية والعروج على مؤسسي المدارس كويليام فونت الذي تكلم على "عملية الاستبطان" التي انتقدت بعدها على يد جون واطسون في المدرسة الأمريكية الذي أبرز منهجية دراسة السلوك الظاهري يعني ما يمكن لمسه ورؤيته... ثم برزت مدارس أخرى كالروسي بافلوف الذي أدرج الدراسات المخبرية... وقد وصل العلم بكل استقراره وأطره إلى عدم الاستقرار حيث يظهر على الساحة من وقت لآخر من يبطل نظريات سبقت باقتراحات نظرية وعملية جديدة، والتي تنتظر بطلانها بأخرى أكثر دلالة وأظهر حجة (كما هو الشأن في كل العلوم المادية التي لا أصل لها في العلوم الحقيقية.. ويبقى تنافس التجارب يحترم بين المتخصصين ويعتمد في التنافس بين الماديين).. فاللوم على علماء الغرب الذين يبحثون في كل الحضارات للتأريخ، ويمرون مرور الكرام على تأصيل الأحداث في الحضارة الإسلامية.. أو كما لا يخفى طمس هويات كثير من العلوم (إلا ما فرض نفسه، ورغم ذلك يتم الزيادة أو الانتقاص في أسمائه كما لا يخفى على أحد)..

   على كل حال كل التنويه لمن سمى: "علم النفس" (أو ساهم في تسميته) الذي هو في الحقيقة اسم على مسمى (وإن كان لا دلالة له في الأسماء الغربية أو العلمية... وإن كان اسم "نفس" له تأصيل في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل، وكذلك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقوال العلماء العاملين والأولياء الصالحين... وتناولها أهل التخصص الديني بشتى الأسماء والمسميات: كالإحسان أو التصوف أو أعمال القلوب أو السلوك أو الزهد أو مراقبة الأعمال وترقي الأحوال... ولم تغيب يوما من أقوال الوعاض والعلماء وأهل المنابر.. إلا أنه في الأوساط العلمية لم يكن لها نصيب في احتضان الأبحاث الجامعية بالصبغة التي تتناول بها مواضيع علم النفس على الصيغة الغربية، فلا علماؤنا اشترطوها ولا بينوها ولا حتى اقترحوها، ولا الأوساط الجامعية العالمية اعترفوا بها كعلم حتى يتم إدراجه في برامجهم ومقرراتهم (وهذا ما يجب استدراكه، وفي أقرب الأوقات ومن أوسع الأبواب، لضرورته في أيامنا وفي آخر الزمن.. وقد أصبح الحال كما لا يخفى)..

    لم تعرف المكتبة الإسلامية بمادة علمية تحت" علم النفس"، ولكنه في الواقع لم تخل منه أية مادة علمية إسلامية على الإطلاق لأن الأمر يتعلق بالأوامر والنواهي، وفي الأمر والنهي أقوال وأفعال وأحوال ظاهرة وأخرى باطنة قال ربنا: "وَلَا تَقرَبُواْ ٱلفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ" فإذا كان فقه مخصص لفواحش الظاهر كالسرقة والقتل والكذب... فإنه كذلك مشروط أن يكون فقه يعالج فواحش الباطن كالحقد والحسد والبغضاء والكبر وحب الرياسة... وإن كانت فواحش الظاهر محلها الجوارح ولها قصاص معين فإن لفواحش الباطن سلوك يخرجها من ضيق ما هي فيه وبيان تأثيره إلى سعة ما هو مستحق وهذا كله له علاقة بالسلوك النفسي (معالجة فاسده وتبني صالحه والسير به إلى الأحسن)، وهذا الفقه حوته جملة كبيرة من المدارس منذ العهود الذهبية، وتخصصت في ذلك مؤسسات في التربية الربانية خصوصا على يد مشايخ التصوف (ولا يضن أحد أن علماء المذاهب في الفقه أو الأصول أو الحديث كانوا بعيدين عن هذا التخصص النفسي السلوكي، بل كان ديدنهم) ولذلك تجد كل كتب التصوف التي تعتبر أمهات الكتب في علم النفس الرباني أو علم السلوك الرباني، إلا أن الأبحاث لم تعن بهذه الجواهر العلمية، كأمهات الكتب في الفقه وغيره، حتى أصبح العلم مجهولا إلى حد بين المسلمين وأحيانا بين الباحثين، فمنهم من صنفه في الفلسفة ومنهم من ألحقه بفلسفات أرسطو أو أفلاطون... ومن بني جلدتنا من سفه أهله وبدعهم بل ومنهم من كفرهم، ولعل وراء الأفعال أيادي ووراء الأحوال أعادي، فقبر العلم الرباني بين من يعادون وبين من يدعون، وبقيت البضاعة الوحيدة "المعروفة" في الأسواق الثقافية هي الخصم وفيها الحكم..

 

   شرف تسمية "علم النفس" ومعناه:

   أفلح أهل اللغة فعلا في الاحتفاظ بهذا الاسم، على عكس التسميات الغربية (ولا يضر إن بقي التداول على الأسماء الغربية كبسيكولوجيا أو سيكولوجيا...) في انتظار أن توجد أسماء علمية لها من الدلالات أصل ومن الأنوار منهج ومن الأسرار فصل.. فنهيب بأهل التخصص ألا يتنازلوا على هذا الاسم في أوساط التداول العلمي، فلتسمى: (science du nafs) فقد تنازل العرب كثيرا وهذه الدواعي والعلل كما يلي:

   - أولا: كلمة "نفس" لم تعط حقها في الترجمة القرآنية (صحيح أن أكثر التراجم لكتاب الله كانت على الرهبان والمستشرقين غير المسلمين) ولذلك تجد كثيرا من المعاني القرآنية المترجمة لا تدل على نفس المعاني (وإن كان أن اللغة العربية عميقة ودقيقة وأصيلة)، ولذلك تجد كلمة "نفس" في كتاب الله ترجمت إلى كثير من المعاني منها: روح (âme) أو فكر (intellect)) أو عقل (esprit) أو أنانية (égo)... هذا وأكثر منه تجده في ترجمة كتاب الله تعالى لكلمة النفس على مشتقاتها وأكثر من هذا بكثير... وليت الأمر اقتصر على المترجمين ولكن العدوى انتقلت إلى علمائنا وجامعاتنا ومؤلفينا، وإذا أردت الحيرة الفعلية فادخل محركات البحث واختبر..

   - ثانيا: كلمة النفس وردت في كتاب الله تعالى بأوصاف معينة، وهي تشخيصات ربانية لها، وبين تعليها وتدنيها سعادة الدارين حقا وصدقا بدليل قوله تعالى: "قَد أَفلَحَ مَن زَكَّىٰهَا وَقَد خَابَ مَن دَسَّىٰهَا" فالأمر فيه نجاح بكل المقاييس أو رسوب بكل المعاير، فكيف سمحت الأوساط العلمية بتهميش هذا الاسم وهذا المسمى، وقد وصلت الأسماء والمسميات إلى عشرات التخصصات..

 

   فروع علم النفس :

   عرفت ساحة علم النفس العديد من التفرعات التي لا تنتهي، وعرفت أقساما لا تبدو إمكانية حصرها أو ضبطها أهمها:

   - علم النفس القياسي (Psychologie standard): وهو الذي يبحث في طبيعة علم الأمراض النفسية وأسبابها، ويطبق هذه المعرفة على علم النفس السريري... (والنتائج ظاهرة على المرضى من حيث آلاف أطنان المسكنات "والمخدرات" التي تستهلك كل يوم)

   - علم النفس الخوارقي (Psychologie paranormale): هو الذي يبحث في خوارق العادات، ولكن مهمة الباحثين تتجلى في كشف علاقات منطقية بين العادة الطبيعية وما يظهر أنه خارق، وأنشئت وحدات بحث تخصصية أهمها في جامعة لندن... (وسوف نفصل في هذا الموضوع)

   - علم الوراثة السلوكي (Génétique comportementale): ويبحث في طبيعة الاختلافات الفردية في السلوك وأسباب الاختلافات فيها، ويرتكز على فواصل البشر والقواسم المشتركة بينهم.. وتفرعت من العلم أبحاث في دراسة التوائم والاختلافات الأسرية وتحسين النسل (كما يقولون) وما يتعلق بذلك من دراسات النمط الجيني ومصفوفاته وتسلسل الجينوم... وتأسست منه أبحاث لدول عظمى خصصت الملايير للبحث في تحسين الجينوم من الأمراض الوراثية "وما وراءها من الأهداف" ... وكلام طويل عريض، وقد قلنا وقتها أن البحث كان أولى أن يوجه أو يرشد في الدخيل على الجين الوراثي (لأن أصله رباني لا تلوث فيه وكامل لا نقص يعتريه) ولكن التغيير عليه طارئ، ومن عرف كيف تم تلويثه سهل عليه معرفة معالجته (فافهم) ..

   - علم النفس الحيوي (Biopsychologie) وهي الدراسة التي ترتكز على دراسة السلوك من حيث ارتباطه بالجهاز العصبي، وكيف يعمل الدماغ لفهم هذا السلوك، ويسمى علم النفس الحيوي أو العصبي، ويعتمد المتخصصون فيه على التصوير العصبي الذي يمكنهم من معرفة مناطق الدماغ النشطة خلال المهمة المعينة... (وقد ساء استعماله للأغراض التجارية في آخر الزمن حيث أصبح يستثمر في جلب الزبناء لمختلف البضائح باستعمال عطور معينة أو مذاقات مخصصة أو ألوان أو موسيقى...) فافهم.

   - علم النفس المعرفي (Psychologie cognitive) ويعتني بالنشطة العقلية في التعلم والإدراك الحسي وحل المشاكل والتفكير عموما والذاكرة والانتباه وكذا معرفة اللغات... ويعتمد هذا العلم علماء الأعصاب المعرفيون والباحثين في الذكاء الاصطناعي والتفاعل الإنساني الحاسوبي والعلوم العصبية الحاسوبية وعلماء المنطق وعلماء الاجتماع... وهو الذي فيه مقاييس النشاط الدماغي..

   - علم النفس المقارن (Psychologie comparée) وتعتني بدراسة العقلية الحيوانية من غير البشر، ويسمى علم سلوك الحيوان.. ويطمح الباحثون إلى الحصول إلى تعمق أكبر في علم السلوك البشري (ولكن الأدوات في الواقع غير متوفرة...)

   - علم النفس الإرشادي (Psychologie du conseil) ويهتم (على ما يقول) على تسهيل العمل الشخصي في مناحي الحياة مع الاحتفاظ بالاهتمامات المهنية والاجتماعية والعاطفية وكذلك المتعلقة بالصحة والتطور وكذلك التنظيم... واختلف فيه وانتقصت نتائجه على مستوى التطبيق... ولكن يبقى تداوله في كثير من المجالات والأماكن كالجامعات والمستشفيات والمنظمات الحكومية وكذلك الشركات...

   - علم النفس التنموي (psychologie du développement) يعمل على التطوير العقل البشري بشكل أساسي من الناحية العصبية أو المعرفية أو الاجتماعية أو الأخلاقية... ويعتمد على هذا العلم بتوجيه علماء النفس النظريين خصوصا في تصميم ألعاب الأطفال أو الأنشطة المفيدة أو منهجية الدراسة (إلا أننا أصبحنا نرى نفس العلم يوجه للأطفال لتخريب تكوينهم الفطري في التكوين الجنسي أو الحريات الشاذة...)

   وتبقى القائمة طويلة.. كلها تخصصات في علم النفس... والنفس البشرية في توازنها واستقرارها وصلت إلى ما ترى!!

 

   دندنة خفيفة :

   لا يمكن بحال إنكار الجهود الذي يبذلها علماء النفس على مستوى الدراسات والأبحاث، إنما تجدر الإشارة، أو يجبر التنبيه إلى أنه لكل علم أصول ولكل نجاح محاج وفصول، واحترام الأصول والفصول طَرق لباب القبول والوصول، وإلا ففي السير مخاوف الرسوب والأفول... قال لي صديق مستشرق (وكان طبيبا متخصصا) وكان قد اعتنق الإسلام بعد بحث طويل في المسيحية دام عشرات السنوات، التي بعدها سافر للدول الأسيوية معتمدا دينهم ومنهجهم لبضع سنين فلم يجد صالته، وبعد أن اعتنق الإسلام سافر عبر الدول الإسلامية يختبر المناهج والمدارس وأخيرا استقر به المقام في المغرب معتمدا التصوف كمشرب والمالكية كمذهب... وكان أطال الله عمره (إن كان حيا...) ذو سمت وحكمة وبصيرة.. (أقتبس من قوله): نحن في الغرب.. يأتي الواحد منا بفكرة من العالم المظلم.. ويعرضها على عمي... فاحمدوا الله على كتاب الله.. وأقوال أهل الله... (ه)

   وهذا الكلام لا أقوله انتقاصا من إخواننا في الغرب (والله يشهد) ولا لمثقفينا الذين اضطروا قهرا لإتباع مناهج في البحث، حيكت بتوجهات وضبطت بحدود ومعطيات.. ولكن الذي يجب أخذ العبرة منه (لا أقول الاستمداد منه ولا الاقتداء به، ولنا في ديننا الغنى والكفاية) هو أن هذه القوانين المهيمنة عمت وشملت كل الثقافات والحضارات بين الشرق والغرب، ولم تستثن منها جامعة أو كلية أو مجمع علمي... ولكننا نرى في العالم الأسيوي وشرق أوروبا أوجدت لنفسها مخارج في البحث وفرضت مناهج في إثبات أنفسهم على مختلف الأصعدة سواء في الطب أو الفيزياء أو التجارة والصناعة... أفيكون العرب والمسلمون أقل كفاءة من هؤلاء... وإذا كان جل هؤلاء قربوا جماهيرهم من معبوديهم بوضع أصنام بوذا في الشوارع والطرقات والمحلات... أفلا نكون أقوب منهم لمعبودنا "الله" وهو يقول سبحانه: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَليَستَجِيبُواْ لِي َليُؤمِنُواْ بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ" و يقول ربنا: "وَلَقَد خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ وَنَعلَمُ مَا تُوَسوِسُ بِهِۦ نَفسُهُۥۖ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ ٱلوَرِيدِ" أفلم يأن للذين يؤمنون بإله الأرض والسماء، والذي خلق كل شيء وبيده أمر كل شيء، وهو الذي هدانا إلى خير الأديان وأنزل علينا أبلغ الكتب وأرسل لنا أكمل الرسل... "أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم وَكَثِير مِّنهُم فَٰسِقُونَ"

   تصنيف الشخصية حسب علم النفس المتداول:

   صنف الاختصاصيون النفسيون الشخصية إلى أصناف حتى يسهل التعامل معها على تداولهم أو التوجيهات النفسية المتداولة، ويعترف أن تعدد الشخصيات واختلاف طباعها وميزاتها أكثر من أن يعد أو يحصى، ولكنهم (على كل حال) حصروها في أسماء أو أصناف... وهي كما يلي:

    1) الشخصية الانطوائية (Personnalité introvertie):

   يتميز صاحب الشخصية الانطوائية كما يدل عليه وصفه بالعزلة والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية، وعادة صاحب هذا الشخصية يعتبر ما حوله مصدر إزعاج.. ويجد لنفسه بدائل حسب إمكانياته وطاقاته... وغالبا ما تخرج هذه الشخصية من هذا الوصف إذا وجدت من يهتم بها خصوصا لإرجاع الثقة لها ببذل في الوقت والصبر والتشارك (وغالبا ما تكون عكس الأسباب هي التي كانت السبب في انطوائها وقلة ثقتها بنفسها والآخرين)

   2) الشخصية الوسواسية (Personnalité obsessionnelle):

      يهتم صاحب هذه الشخصية كثيرا بالنظافة الزائدة وتفاصيل مبالغا فيها، وتختلف صاحب شخصية الوسواس العادي عن صاحب الوسواس القهري (Trouble obsessionnel-compulsif) الذي يكون له هذا الوصف طول وقت أما صاحب الوسواس العادي فتعتريه في أوقات معينة وتسهل معالجته باحترامه والنظر إلى الجانب الإيجابي في شخصيته وتشجيعه عليها، التي سرعان ما تستبدل حالته الوسواسية إلى الإتقان والإبداع ثم التألق...

   3) الشخصية النرجسية (Personnalité narcissique):

   يعاني صاحب الشخصية باضطرابات مفرطة وخطيرة، بحيث يعتبر نفسه فوق الجميع ويشعر بالعظمة (وهو الكبر والعلو) ولا يتقبل الانتقادات، وهو في الواقع شعور وهمي وانتكاس في الشخصية... فإذا كانت هذه الشخصية بعيدة عنك فالابتعاد عنها أفضل حل والإعراض عنها أحسن لك ولها..

   4) الشخصية المظلومة (personnalité opprimée):

   صاحب هذه الشخصية يشعر أنه مظلوم على الدوام، ولا يعترف بخير الناس حوله بل يعتبر أن له الحق في ذلك ويطلب الزيادة دائما ويظن أن له الحق في ذلك، يعتبر صاحب هذه الشخصية متعبا لغيره مرهقا لها... وعادة يتجنب الناس صاحب هذا الطبع، وإن كان ضروريا فليحاول مصاحبه تجاهله وتجاوز طبعه وهو المخرج الوحيد..

   5) الشخصية العصبية (Personnalité névrotique):

   صاحب هذه الشخصية يكون شديد الغضب سريع الانفعال وذو طبع حاد، عادة يكون صوته مرتفع والجميع يتجنبه ويبتعد عنه.. فصاحب هذا الطبع يجب تجنبه أو على الأقل في وقت عصبيته، وإن كان معاشرته ضرورية فاختيار الأوقات التي يكون فيها رائقا وهي وقت راحته وانبساطه..

   6) الشخصية الاجتماعية (Personnalité sociale):

   صاحب هذه الشخصية يكون مجتمعيا محبوبا ومقبولا عند الجميع، يتبسط في الأمور ولا يكلف نفسه إلا جمال ما خلق فيه، فهذا يجعله اجتماعيا مهما كان شكله أو بنيته أو لونه، فالتطبع يغلب الطبع كما يقال...

   وليس هذا إلا غيض من فيض من برامج علم النفس في التكوين والتعليم، ويبقى معه أنماط الشخصية، أو إن شئت قل تصنيفها حسب أنشطتها وميولها..

   أنماط الشخصية وميولها:

   وحدده علم النفس في تسع أنماط وأصناف وهي كما يلي:

   1) الشخصية الإصلاحية (Personnalité réformiste):

   وهي شخصية تتبنى الإصلاح بعدما تقيمه في نفسها، ويكون اهتمامها بالمجتمع في بناء القيم والمبادئ وتصحيح ما انحل فيها مع إيجاد المحيط المناسب لحاجيات الإنسان في مختلف المجالات... وهو الشخص المطلوب في المجتمع يجب امتثال أمره والتجاوب مع توجهاته.. وسوف نضيف ما يمكن إضافته مع بيان أصوله وفصوله بحول الله وحسن توفيقه لاحقا..

   2) الشخصية المتعاونة (Personnalité collaborative):

   وهي شخصية مقبولة من الجميع لما تقدمه من عون ومساعدة للغير، وتمتاز بعلاقتها الاجتماعية وكثرة الصداقات...

   3) الشخصية المحفزة (Personnalité motivante):

   وتتميز هذه الشخصية إضافة إلى ما تتميز به الشخصية المتعاونة انها تعين الغير وتحث عليه بأجمل الطرق وأحسن الأساليب، ويكون صاحب هذه الشخصية عمليا لا ييأس ولا يمل أو يكل، وإنما يجد في كل صعوبة تحفيز لإعادة الكرة والأمل في الإنجاح..

   4) الشخصية الرومانسية (Personnalité romantique)

   تتميز هذه الشخصية بالحب للجميع ولا يحمل ضغينة لأحد ولا حسدا ولا حقدا، لا يرى نقائص الناس بقدر ما يبحث لهم على عذر (وسوف نتطرق إلى هذه الشخصية لاحقا بإذن الله) علماء النفس يقولون أنه يفضل العيش بعيدا عن الناس منفردا وهذا فيه نظر..

   5) الشخصية المُفكرة (La personnalité pensante):

   وهي شخصية لها كفاءات عقلية مميزة أو طورتها، ويتميز بالتحليل الدقيق للأمور والأحداث، ويعتبرها علماء النفس بأعقد الشخصيات والتعامل معها من الصعوبة بمكان (وهذا كذلك فيه نظر في التحليل وسنوضحه لاحقا بحول الله)

   6) الشخصية الشكاكة (Personnalité sceptique):

   ويعتبرها علماء النفس أصعب الأنماط التسع، لأنها تشك في كل شيء وفي أي شخص، وتبحث عن العلل لتكذيب الغير أكثر ما تبحث عن التدقيق والتحقيق لتصديقه (وهذا هو الواقع) وسنوضحه كذلك لاحقا..

   7) الشخصية الحماسية (Personnalité enthousiaste)

   يعتبرها علماء النفس أفضل أنماط الشخصية، لتطلعها إلى الجديد والمغامرة والتجربة، ومن الطبيعي أن تتعرض للخيارات الصعبة والخاطئة بسبب التهور والتسرع الزائد (وسنوضح أكثر على هذه الشخصية لاحقا بإذن الله تعالى)..

   8) الشخصية القيادية (Personnalité de leadership):

   تمتاز هذه الشخصية بالحزم والقوة وأحيانا الحيلة، وكثيرا ما تحتل المواقع المرغوبة بحق او بباطل (وهذا ما سنوضحه لاحقا) وتبقى من الشخصيات الناذرة في المجتمعات..

   9) الشخصية المسالمة (Personnalité paisible)

   يعتبر علماء النفس هذه الشخصية آخر أنماط الشخصية التسع، وهي شخصية مسالمة ومتصالحة مع ذاتها وتطبق ذلك مع الآخرين سواء استحقوه أو لا، وتمتاز بتجاوز أخطاء الآخرين ومسامحتهم...

   ووضح علماء النفس أنماطا أخرى لكل من هذه الشخصيات المذكورة، وذكروا كيف يكون التعامل معها... وتبقى تلك اجتهادات، قد توافق أو تخالف من المتعامل او من المتخصص، أو قد تختلف باختلاف النمط وشذوذه أو شروده أو مزاجه في الوقت والحين... والكلام في ذلك طويل طويل طويل.. والبحث فيه متعب وشاق.. فهل في ديننا ما يكمل ذلك أو يصححه أو يتممه أو يغنيك عنه تماما... هذه كلها أسئلة.. مشروط فيها احترام الغير.. وانتقاء الخير.. والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل...

 

      علم النفس الديني:

   وسمي كذلك علم نفس الأديان (حسب ما وجدت في "ويكيبيديا") يقول وولف د.م. في موسوعة علم النفس والدين: يشير علم نفس الأديان إلى تطبيق طرق علم النفس والإطارات التفسيرية على التقاليد الدينية فضلاً عن الشخصيات الدينية وغير الدينية، ويحاول هذا العلم البحث عن وصف دقيق لتفاصيل ومصادر واستخدامات المعتقدات والسلوكيات الدينية. رغم أن علم نفس الأديان ظهر كأحد فروع المعرفة الذاتية منذ عهد قريب في أواخر القرن التاسع عشر، فإن كل مهمة من هذه المهام الثلاث يرجع تاريخها إلى قرون عدة قبل هذا التاريخ...

   وتضيف الموسوعة: أن هناك مساحات واسعة من الدين لم يكتشفها علم النفس حتى الآن. في حين يلعب الدين والروحانية دورًا في حياة كثير من الناس، لا يعلم على وجه اليقين كيف تأتي بنتائج إيجابية في بعض الأحيان وسلبية في أحيان أخرى.. لذا فإن الأسباب والنتائج التي تنبني عليها هذه المعاني (أو المسببات أحيانًا) تحتاج إلى مزيد من البحث. فالحوار المتواصل بين علم النفس والإلهيات قد يسفر عن تعميق الفهم ويفيد كلا المجالين...

   ويعتبر لعلماء النفس الدينيين ثلاث مشاريع رئيسية:

   - الوصف المنهجي، وخاصةً للمكنونات والسلوكيات والخبرات والتعبيرات الدينية.

   - شرح أصول الدِّين، سواءً في التاريخ البشري أو في الحياة الفردية، مع مراعاة مجموعة متنوّعة من التأثيرات.

   - تحديد عواقب السلوك الدِّيني، بالنسبة للفرد وللمجتمع ككل..

    ويضيف وولف د.م.: نشأ علم نفس الدِّين أولًا كأحد الضوابط الذاتيّة للوَعي في أواخر القرن التاسع عشر، ولكن يعود تاريخ هذه المهام الثلاث إلى عدّة قرون قبل ذلك (على حد قوله)..

  ويقول هيل ب.س. وهود ر.و. في مقاييس التدين من برمغهام: مع تزايد الاتجاهات الإيجابيّة في علم النفس على مدار القرن العشرين، ولا سيّما المُطالبة بتحليل جميع الظواهر عبر الإجراءات الكميّة، طوّر علماء النفس الدِّينيون العديد من المقاييس، وطُوّر معظمها للاستخدام مع المسيحيين البروتستانت...

   وكتب شليهوفر وأوموتو في مجلة الدراسة العلمية للدين سنة 2008: ظهر في العقود القليلة الماضية، لا سيّما بين علماء النفس السريريين، تفضيل لمصطلح "الروحانية"، بالتزامن مع الجهود المبذولة لتمييزهما عن مصطلحات "الدِّين" و "الدِّيني"، ولا سيما في الولايات المتحدة، يرتبط "الدّين" بالنسبة للكثيرين بالمؤسسات المذهبيّة وعقائدها وطقوسها الإلزاميّة، مما يعطي الكلمة طابعًا سلبيًا؛ في المقابل، تظهر "الروحانية" بشكل إيجابي على أنها مفهوم شخصي وذاتي بشكل كبير، ذات نطاق عالمي في قُدرتها فهم حياة المرء وتزويده بحقائق أعمق وأعظم...

   وقبلهم وصف جورج هيغل جميع أنظمة الدِّين والفلسفة والعلوم الاجتماعية بأنّها تعبيرات عن الرغبة الأساسية للوعي في معرفة نفسه ومحيطه، وتسجيل النتائج والفرضيات التي توصّل إليها.. وهكذا، فإن الدِّين ليس سوى شكل من أشكال هذا البحث عن المعرفة، إذ يسجل البشر خبراتهم وانعكاساتهم المختلفة...

   في الواقع كلام كثير ومتشعب ولا علاقة له بالنفس ولا بعلمها ولا بالدين، والداهية الدهياء هي أن البرامج مفروضة على مثقفينا، وقد أصبحت واقعا مؤثرا، ليس على الثقافة العامة فحسب، ولكن الأمر يتعلق بعلم النفس السرسري، بل وأصبح طقوسا في الكنائس وله من الحماية ما يكفي لنشره في المجتمعات... بل وله من القوانين ما يسيجه ويدافع عنه ومن الجامعات ما ينظر له، وقد وضعت له قواميس ومصطلحات (مشروط على كل من يقتحم المجال أن يسندها، وكل من أراد شهادة أن يستعملها) ...

 

   علم النفس الإسلامي:

   هذا المصطلح أرق المنتمين إلى المدارس السالفة الذكر، وكأنه لم يكن في الإسلام ما يرقي النفس أو يهذبها أو يعالجها في حالات مرضها، وكتاب الله جاء بما يكفي ويشفي لو عرفناه وفهمناه واتبعناه.. وقد حاول علماء النفس المسلمون (أو العرب) بمعية علماء الدين أن يجتمعوا أكثر من مرة، آخرها كانت في القاهرة.. ولكنها كانت اجتماعات أدبية أكثر منها علمية أو نفسية، وكان من يعارضها بكل صفاقة أكثر مما يعارضها لأنها تفتقر إلى منهج علمي (غربي) في كثير من الأسماء والمسميات التقنية، التي لا أصل لها في العلم ولا في التاريخ ولا في الحضارة ولا في النتائج من ممارستها، ولكننا لا نعارضها في شيء لاقتناع أصحابها، ولكن أن تفرض على من له أصول سماوية ورواسخ حضارية وقاعدة علمية... فهذا ما يجب فيه النظر.. وهذه بعض النماذج من المعارضين والمدافعين، الذين بقي علم النفس الإسلامي يتقاذف بين أرجلهم كما تتقاذف الكرة، أحيانا بنشوة غلبة وأخرى بغضب استفزاز:

   1- يقول د. سعد الحاج بن جخدل من الجزائر: ... ونظرا للنجاح الكبير الذي حقّقه علم النفس بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا في مجال الرعاية النفسية، فقد جَرَت كثير من المحاولات لتأصيل هذا العلم الجديد وربطه بالإسلام على غرار كل العلوم الأخرى، فما إن نشر (محمد عثمان نجاتي) كُتُبَه الأولى عما أسماه هو (علم النفس الإسلامي) في خمسينيات القرن العشرين، حتى انطلقت جهود تأصيل علم النفس إسلامياً، وقد استمرت هذه الجهود بطريقة أقل ما يقال عنها أنها فوضوية، حيث أنتجت لنا كتلة ضخمة من الأدبيات لا يكاد كتاب فيها يشبه الآخر، لا في المنهج ولا في المحتوى ولا حتى في المصطلحات...

   وقد دافع الباحثون في هذا المجال عن أطروحاتهم  المختلفة بنصوص وردت في كتابات لفلاسفة وعلماء مسلمين متقدمين على غرار البلخي والكندي وابن سينا وابن رشد والرازي والغزالي (مشيرا إلى: محمد عثمان نجاتى، الذي ذكر اسمه عاريا من كل تخصص، وسيرته على النت بدرجة دكتوراه متخصصة منذ سنة 1952)، ويضيف "حديث الأسنان سفيه الأحلام": مع استحضار اشتهائي لبعض الآيات والأحاديث التي تحتوي على مفردات قريبة من تلك الموجودة في القاموس السيكولوجي، من قبيل (النفس) و(الروح) و(القلب).. كما ركّزوا على تلك الجوانب العلاجية التي تَعتمد على مفهوم الرقية والأذكار، وفي بعض الأحيان حتى على تلك العلاجات العضوية كالحجامة والفصد... لعل أهم مصطلح تم التجني عليه من طرف أصحاب أطروحات علم النفس الإسلامي هو مصطلح (النفس) حيث اعتبروا أن النفس التي ورد ذكرها في النص القرآني هي ذاتها النفس التي تُشكل موضوع علم النفس...

   الجواب: الواقع أني لم أجد جوابا لهذا "المثقف العربي المتخصص من جامعة ابن خلدون ومن مدينة بوسعادة من الجزائر الشقيقة"، يتماشا مع جوهر موضوعنا ويحترم قارحة القارئ المتعطش إلى مخرج علمي نفسي ينقذ الأمة والأسر والأفراد... وأترك الجواب للقراء وواسع النظر للمهتمين (وللمخلوق نشاط خاص فيما يفعل وكتب متعددة ومقالات كثيرة ومنشورات في الموضوع وموقع مخصص على النت)...

   ثم يضيف: وباستنفاد حجج من دافعوا عن فكرة (علم النفس الإسلامي) فإن أطروحاتهم التي تقدموا بها لتمثيل هذا العلم توصف بأنها مجرّد ردّات فعل مستعجلة أكثر منها بدائل حقيقية؛ وإذا كان من تماسك فيها فهو كتماسك ألواح الشكولاطة سرعان من يذوب مع أول حمام إبيستيمولوجي تخضع له، حيث إنها ورغم كثرتها لم تستطع تقديم تعريف علمي عابر-للأطروحات  (Trans-theses) لهذا التخصص الجديد؛ كما لم تفلح هذه الجهود في بناء أي نموذج أو إطار مفاهيمي يمكن أن يَلمَّ شتات هذا العلم ويُنظم شظاياه؛ فقد صُبِغت معظم الدراسات التي نُشرت حول مفاهيم علم النفس الإسلامي بصبغة فلسفية إيديولوجية غير مؤهلة لمواجهة متطلبات الممارسة النفسية الواقعية؛ بسبب ضبابية وهلامية المصطلحات المستخدمة في هذا المجال.

إلى أن يجد علم النفس الإسلامي إجابات حقيقية عن هذه التساؤلات الإبيستيمولوجية؛ سيظل مجرد حلم جميل لم يجد بعد طريقه إلى حقول المعرفة العلمية؛ وسيظل أي جهد تأصيلي فيه فاشلا... هذا وقد امتدت هذه الغُمّة الكبيرة التي اكتنفت ما يسمى بـ(علم النفس الإسلامي) إلى درجة جرى فيها تعميم مفهوم الصحة النفسية بمنظورها الإسلامي على هذا العلم الجديد الذي من المفترض أنه أوسع من أن يُحصر في مفاهيم السلام والصحة النفسية... وبهذا تقف هذه المحاولات التأصيلية عاجزة عن الإجابة على عدة أسئلة من قبيل؛ عن أي علم نفسٍ إسلامي نتكلم؛ هل عن العيادي، أم المدرسي، أم الصناعي؟ وباستحضار إشكاليات الطوائف والمذاهب؛ فهل سيكون للشيعة علمهم النفسي الإسلامي الخاص وللسنة علمهم النفسي الخاص؟ وماذا عن هواجس التأويل؟ هل ستنعكس على قواعد هذا العلم الجديد؟ ...

   2 – نضيف نموذج ثاني من المتكلمين في علم النفس الديني أو الإسلامي، وهو: زادان المرزوقي (اختصاصي نفسي وباحث فلسفي سعودي) كتب في جريدة الفيصل بعنوان: نقد مصطلح علم النفس الإسلامي.. أهم ما ينتقده أو به ما يلي:

   موضوع «علم النفس الإسلامي» يثير كثيرًا من الجدل حاليًّا في أوساط البحث النفسي العربي، وكذلك في بعض المراكز العالمية. منذ بداية الموجة مع الدكتور مالك بدري، في سبعينيات القرن الماضي، والطرح ما زال غامضًا بين المنظرين/ المخالفين لهذا العلم. حتى الآن لم يصل المطالبين بعلم نفس إسلامي إلى أطروحة متكاملة -أو حتى شبه متكاملة- بمنهج بحثي رصين يمكن الاعتماد عليه في إنتاج معرفة دقيقة؛ لذلك فالحكم عليه قبل اكتماله قرار متسرع وغير منطقي. في هذا المقال نحاول نقد مصطلح «علم النفس الإسلامي»، ومناقشة بعض أفكار المنظرين له، من الناحية الفلسفية والنظرية..

   ثم يستدرك: إن المشاركة بصناعة أساليب علاج جديدة هو أمر ممكن، وما زال مفتوح الأفق، للبحث والاكتشاف والتنقيب عن ماهية العقل الإنساني وأسراره النفسية وطرق علاجه. حتى إن تأثير الدين والروحانية أصبح من ضمن الاهتمامات البحثية، فقد كشف كثير من الدراسات دورها الكبير في تطوير الصحة العقلية والجسدية بطريقة إيجابية...

   ثم يرجع في إشكالية المصطلح والتسمية قائلا: ... ما زالت لدينا مشكلة مفاهيمية في مصطلح «علم» من حيث المضمون والدلالة. لكن من حيث العموم فإن تسمية: «علم نفس إسلامي»، تحمل ضمنًا اختزال النفس البشرية في دين معين أو إيمان معين. ويحيل الاسم إلى دراسة النفس البشرية بأدوات إسلامية حصرًا. وهذا يحتمل أحد أمرين أو كليهما:

– افتراض أن النفس البشرية في أصلها «مسلمة» بالفطرة.

– احتكار أدوات البحث النفسية على العلماء المسلمين فقط.

في حال أطلقنا اسم: «علم»، على مجال معين، فإن هذا المجال يجب البحث في مواضيعه بحياد قدر الإمكان للوصول لمعلومات صحيحة. لكن عندما نقول «علم إسلامي» فإننا بالضرورة نفترض موقفًا مسبقًا قبل البحث. وهذا يعارض الطريقة العلمية الصحيحة. فإن الموقف المسبق يؤثر سلبًا في مخرجات البحث ويشوه المنتجات العلمية... يبدو أن منظري «علم النفس الإسلامي» يميلون إلى مدرسة فرويد؛ لأنهم يتفاعلون بالنقد والإنتاج عن طريق المدرسة التحليلية الفرويدية في أغلب أطروحاتهم؛ حتى إن قسم علم النفس الإسلامي بمينيسوتا بأميركا يقدم مادة مستقلة عن المدرسة التحليلية، وذلك حسب رئيس القسم محمد محمود مصطفى. بل إنه يفتخر بتدريس فرويد، ويعزو رفض علم النفس المعاصر لمدرسة فرويد إلى أن فرويد كان ضد المثلية ويعدُّها شذوذًا غير سويّ. لذلك -حسب محمد مصطفى- هم يرفضونه أيديولوجيًّا وليس علميًّا. ويمتدح كارل يونغ ويرى نفسه شبيهًا له... انتهى بعض من تحليل زادان..

   3- نرتقي إلى المدافعين عن المادة ونأخذ د. فؤاد عبد اللطيف أبو حطب كنموذج، وهذا بعض ما دافع به وقال عنه:

   نقل إلينا هذا النمط (والمقصود به علم النفس) الذي لم يكن معروفاً لنا فقد كان الطالب في التعليم الإسلامي يدرس العلوم الإسلامية أولاً ثم يدرس ما شاء بعده من العلوم فأقيمت التخصصات المختلفة في جامعتنا الحديثة بعيداً عن النموذج الإسلامي، وتخرجت أجيال على هذا النموذج العلماني لا تعرف خارج التخصص من علوم الإسلام إلا القليل، وحدثت جفوة بين نوعين من العلوم كلها إسلامية علوم تبني المعرفة بالدين، وعلوم تبني المعرفة بالطبيعة والاجتماع، ولم يكن التخصص في علم النفس استثناء من هذا الواقع...

   ويشرح د. فؤاد ما يستدعيه واقع علم النفس الحالي في البيئة الإسلامية الذي يفتقر إلى بيئة انتقائية لتبني أسس علم النفس على الأسس الإسلامية، وبقيت متطفلة على موائد الغرب التي أصلت بما أمكنها أن تؤصل العلم (ولكنها اعتمدته وفرضته...)

   ويضيف في ذلك: أن بعثاتنا تركت دون توجيه محدد، وترك الطالب يدرس "الجاهز من البرامج" ليحصل دبلوما... في غياب الجامعات العربية الإسلامية عن تكوين بعثات مخصصة تهدف إلى تأصيل علم نفس تأصيلاً إسلامياً... ولا ننسى أن الضغوط التي تمارسها المجموعة العلمية (البلد والانتماء والجامعة والأساتذة) يؤثر في اختيار نوع الأطروحات المقبولة في الماجستير والدكتوراه، وإعطاء الدرجات العلمية وقبول الأبحاث للنشر...

   ويلخص الدكتور فؤاد واقع العلاقة بين الغرب والعالم الثالث في مجال الدراسات النفسية الذي يلخصه في نقاط منها:

   علاقة الاستيراد والتصدير التي تتم من جانب واحد دائماً، والاعتماد المعرفي على الغرب (نظريات ونماذج ومناهج اختبارات ونتائج).. وقطع الصلة بالتراث الثقافي واعتبار القديم عائقاً عن التقدم، وانتشار البدع الثقافية في العلم (معظم التراث الغربي المستورد لم يتم اختباره على ضوء الحاجات القومية والثقافية) ... والاغتراب وفقدان الهوية الثقافية وفقدان الهوية المهنية (الخلط بين الأخصائي النفسي، والأخصائي الاجتماعي وطبيب الأمراض النفسية...

   الجواب: هذا كلام نظري جميل من مثقف متنقل في كثير من التخصصات أساسها علم النفس التربوي، وكثير من المهام داخل بلده وخارجها في البلدان العربية والغربية على اختلاف غربتها واختلاف الوظائف فيها... ولكن الرأي يبقى مجرد رأي، ولكي يستقيم يلزمه ما يلزم لتأصيل علم قائم يفرض نفسه ببرامج وصحة سير ونتائج.. وهذا يعني ما يعني من إرادة وعزم وتخطيط، وهذا الذي افتقدناه بجهلنا أو تقاعسنا أو بما حاكه السفهاء منها.. أما فعل أعدائنا فلا يعتبر لأنهم يجب أن يتخذوا أعداء...

   وعلى غرار د. أبو حطب، كتاب كثر، كلهم نظروا ونبهوا وأصلوا بأدبياتهم وتأريخهم إلى علم نفس إسلامي لا يسع المجال لذكرهم، وجميعهم دافعوا على علم نفس أصيل له ارتباط وثيق بالدين والهوية الإسلامية، كما لا ننسى أن علم النفس له أصول عند العلماء العرب والمسلمين في القرون الأولى كالغزالي وابن سينا وابن رشد والفارابي والرازي وابن خلدون... كما لا ننسى أن الشيعة بدأوا في تأصيل علم نفس شيعي مصدره أقوال الإمام علي وجعفر الصادق... ولكنها تبقى اجتهادات منفردة لم تؤصل عند المتقدمين ولم تستثمر عند المتأخرين... ويبقى علم النفس الإسلامي مجرد مقالات تطفو تارة وتهاجم أخرى، وتبقى المدارس الغربية في الريادة والمفروض اتباعها بكل ما فيها.. "أقول كل ما فيها" (فافهم)...

   4- وننتقل إلى رواد علم النفس العالمي، وعلى رأس القائمة: سيغموند فرويد، النمساوي اليهودي، مؤسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث، واشتهر بنظريات العقل واللاواعي.. امتهن الطب النفسي كمساعد، ثم عين كمحاضر في أمراض الجهاز العصبي بعد بحث في لب الدماغ، ثم انتقل إلى فرنسا مع طبيب كان يستخدم التنويم المغناطيسي في علاجه للهستيريا... ثم أكمل دراسته في العلاج بالتنويم المغناطيسي...

   كان يقول: أن الأعراض الهستيرية تنتج عن "كبت الميول والرغبات" والذي يعتبر منطلق أو تحول في علاج الأمراض العقلية والنفسية.. ومن خلال النظرية ابتكر فرويد طرقا علاجية لمرضاه النفسانيين، ومن أشهرها: التداعي الحر، حيث يضع المريض في وضعية مريحة تمكنه من الكلام المسترسل والمريح وكل ما يخطر بباله، فيتدخل الطبيب عبر منهج يراه علميا أو عقلانيا... ومن خلال تجاربه اكتشف فرويد أن في كل إنسان جزءا في الشخصية غير معلن وغير مدرك، يمكن تشكيله وإبرازه ببعض الغرائز المكبوتة والتصورات المختلفة والأفكار... التي تنشأ لدى الفرد دون إدراك منه، ويختزنها عقله الباطن وسماه "اللاوعي"..

   ويرى فرويد أن هذا "اللاوعي" يخزن كل خبرات الطفولة وتجارب الحياة اليومية الهامشية والمهملة والمقموعة من قبل الوعي أو المجتمع الخارجي، ومعها كل الغرائز التي يأتي بها الإنسان إلى العالم، وتقبع فيها كل هذه التصورات ومعها الذكريات المؤلمة وكذلك المخجلة أو المنسية عمدا من قبل الوعي والذاكرة...

   وابتكر فرويد مصطلح: "عقدة الأب" (Complexe Père) وهي إشارة إلى مجموعة من الأفكار لدى الشخص طفلا أو بالغا لها علاقة بتجربة الأب وصورته... وعقدة أديب (complexe d'Oedipe) ويشير به إلى الرغبة الجنسية أو الميل الجنسي للولد تجاه أمه أو للبنت تجاه أبيها... ولذلك يجب يحصل إشباع الرغبة الجنسية للصغير والطفل ذكر او أنثى حتى لا يكبت...

   "هذه ترهات فرويد وهذا ما اعتمدت عليه مدرسته، وعلى هذا الأساس والتنويم المغناطيسي كان يعالج مرضاه !!!"

   من مؤلفاته: تفسير الأحلام وقلق في الحضارة ومستقبل الوهم والشذوذ الجنسي والجنس عند فرويد وتغلب على الخجل... وكتب أخرى ومقالات..

   توفي فرويد سنة 1939 في لندن عن عمر 83 سنة بعد أن طلب من طبيبه جرعة مميتة من المورفين جراء سرطان في الفم من كثرة استهلاكه للسجائر ما كلفه 30 عملية جراحية لفمه... ومع ذلك لم يقلع عن التدخين..

   5- ننظر النموذج الأخير (لكيلا يطول بنا المقام في الغيبة أو النقد) بذكر: كارل غوستاف يونغ (1961-1875) السويسري الطبيب النفسي الذي أسس علم النفس التحليلي، ويعتبر امتدادا لفكرة فرويد ومدرسته مع اختلاف طبيعي معه فيما لا أصل له ولا جذور بأسماء مبتدعة ومسميات محدثة سميت الأمثلة اليونغي كاللاوعي الجماعي، والتحليل النفسي، والانبساط والانطواء... "وكلها تحترم، ويجب التعامل معها على أساس تصنيفها وإلحاقها بأصلها وجذورها في طبيعة الخلقة (الشاكلة) أو تأثرها وانحرافها (وهي طبيعة النفس) وهذا ما سيأتي بيانه"..

   أسس يونج هذه المدرسة التي سميت مدرسة علم النفس اليونجي، والتي تعمل على أهمية الحالة النفسية للفرد والسعي به نحو الكمال "أو بعبارة أحسن: نحو التوازن"... وعلى غرار ذلك وضع نهجا تأسيسيا لدراسة العقل البشري.. وهذا ما أكسبه سمعة في أوساط الطب النفسي..

   اختلف يونج مع فرويد وزاد على الوعي واللاوعي الفرويدي شيء سماه: اللاوعي الجماعي، والذي يقصد به لا وعي البشرية بشكل عام، وعلى حسب يونج أن الإنسان يولد بذاكرة جينية موروثة، ومنها يستمد الخرافة والأساطير لها قواسم تجمعها كالآلهة والأم والأرض والماء والشمس... (ويستدل على ذلك بنفس الرؤى التي رآها الذين اقترقبوا من الموت "mort éminente")...

   واعتلى يونج سلم علم النفس بعد الهو (Le Ça) في المدرسة الفرويدية (ويأتي بعد الأنا والأنا الأعلى) ويتكون من: جزء فطري أو طبيعي وهي مجموعة الغرائز الفطرية... وجزء يكتسب من العمليات العقلية "المكبوتة" التي منعها الأنا من الظهور والبروز..

   والأنا (Le Moi) وهي الجزء الواقعي المنتظم الذي يتوسط بين الهو والأنا العليا، ويقبل التصرفات من كليهما، بحيث يمكن أن يقبل لها إشباع بعض الغرائز التي يطلبها الهو لكن بصورة متحضرة يقبلها المجتمع ولا يرفضها الأنا العليا..

 والأنا الأعلى(Le Surmoi) وتلعب دور النقد والوعظ، وهي صورة المرء الأكثر تحفظا وأكثر عقلانية حيث لا تتحكم في أفعاله إلا القيم والمبادئ مع نفي كل الشهوات والغرائز..

   وأما يونج فنسج في علم النفس التحليلي بعد مسميات فرويد، ما سماه: "الظل والشبح" (Ombre et fantôme)، ويشبه الهو عند فرويد، وهو ذلك العنصر المدفوع من الغريزة، أو بعبارة أخرى "الجزء الحيواني الشرير فينا" الذي يقول عنه أننا يجب أن نحترمه ونتركه كما هو، بل وأن كبحه يمكن أن يصبح سلاحا فتاكا على محيطينا، وقد يدمرنا، وذلك كالحسد والغضب والعنف... ولأننا لا نقبلها تبقى كالظل وراءنا فسماها "ظلا"...

   وليونج نظرة خاصة للروح، وهي حسب نظره تكوين من الشخصية مباشر مع اللاعي الجماعي... يقول أنها على شكل "أينوس" بحيث يمثل الجانب الذكوري للأنثى والجانب الأنثوي للذكور... وقد تتجلى بجانب سلبي أو إيجابي حسب يونج.. كما يمكن أن يعكس صفات الذكورة عند الإناث كالسيطرة والعقلانية... أو عند الرجل حنانا وعطفا وصبرا !!!...

   ومن هنا سمى "شخصية المانا" وهو الالتزام بالجنس والمحافظة عليه كالرجل الحكيم عند الذكور والمرأة العظيمة عند الإناث... وقال كذلك عن الأنا والقناع... والنفس، التي قال عنها أنها طرز أولي تجمع بين الوعي واللاوعي لتمثل الشخصية ككل، وتعتبر الحاضنة للشخص بشرّه وخيره أنوثته وذكوريته... وهي تمثل الأنا في منظور فرويد...

   وأخيرا نشيد بشهادة ليونغ يقول فيها ويخالف بها جميع علماء النفس الحديث: يقول أنه لا يعتقد أن التجارب باستخدام العلوم الطبيعية كفيلة لفهم النفس البشرية... ويقول على "الأنا" بالنموذج الأصلي من الكمال ومركز التنظيم من النفس، وسط هذه العملية هو لقاء الفرد مع روحه وإحالة عناصرها في الوعي...

   "على الأقل.. وإن كان معنى الكلام يختلف لكن الحكمة أحيانا تخرج قهرا من الناطقين"... وأظن أن هذا يكفي بإلقاء نظرة ولو خفيفة على ما يدور في الساحة النفسية ولـ"لشيخ جوجل" الكثير من هذا في جعبته وأكثر منه في الذكاء الاصطناعي...

 

علم النفس.. إنشاء وتأصيل :

   بسم الله والحمد لله.. وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله.. وبعد:

   لعل التقديم الذي سبق لا يجيب على كل الأسئلة، وربما لم ينصف فيه كل الكتاب، ولوفرته في الساحة العلمية وأوساطها وفي وسائل التبليغ نترك للقارئ جمع العناصر وتكوين نظرة أكثر عمقا وأبلغ حكما..

    وللمتخصصين كل احترام وتقدير لتفضلهم معنا، ولا ننتقص من أحد أو رأيه أو نظريته -والله على ما أقول شهيد-.. وكلي أمل أن تنضاف الفائدة إلى المعلوم أو الاقتراح بالمعلومة إلى المعمول به -كما كان الأمر دائما في كل تقدم ونمو وتزكية- فمشروط أن يكون للتخصص أهمية أكثر بكثير مما هي عليه، أو بعبارة أدق: إن موضوع علم النفس كان من المطلوب أن يكون على قائمة العلوم.. لأن مادته: النفس البشرية، وهي محركة لكل العلوم ومصدر لكل نمو وحضارة، وتحول من كل رداءة إلى كل جودة وإتقان، وكل ما ينفع العباد والبلاد.. وهذا لا يعارضه أحد، إلا من كان يطلب عكسه...

   علم النفس أو "السيكولوجيا"؟

   هل يمكن طرح هذا كسؤال، ونحن نعلم أن علم النفس (Psychologie) هو موضوع الدراسات الأكاديمية والتطبيقية للسلوك، والعلوم المستنبطة لهما، وهي التي ترجم اسمها إلى (السيكولوجيا) وللإسم أصل وانتماء.. وتطور عبر القرون وهو معلوم... إلا أن العلم تطور بعد القرن السادس عشر حيث كان يهتم في بداياته بالروح أو العقل.. ثم انتشر بعد القرن الثامن عشر... إلى أن وصل بين أيدي المتخصصين على الوجه المعروف في الجامعات والتطبيقات.. وسيبقى كسائر العلوم رهين المجتهدين والمكتشفين يرتقي لينفع الناس وذلك أملنا..

   ما ترجم إلى العربية من هذا العلم (السيكولوجيا) ويجب ان يحتفظ له بهذا الاسم، ولا يتخطى حدوده إلى ما ترجم به باسم (علم النفس) لأن علم النفس في العالم الإسلامي أو (الدين الإسلامي) له أسس وأصول وفصول.. ومن قال علم، فإنه علم كامل بذاته شامل بمعطياته وتوجهاته، علمه من علمه وجهله من جهله، ولكن العلم تبقى له أسس أصولها منها وهي عليهم قائمة، وفصولها بها وأغصانها مثمرة، ناضجة ترى بالعيان وواضحة لا تحتاج حجة ولا بيان..

   إذا رجعنا إلى التذكار بقوله تعالى: "مَّا فَرَّطنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيء" فإن في كتاب الله علم كل شيء... والناس في فهمه والعلم به والعمل به على ثلاث:

   - رجل آمن به وعلم به وعمل عليه، كان له منه مدد وبه إمداد وكان له لكل خير وبر سؤدد..

   - ورجل آمن به وعلم به عن قلة وعمل عن علة، قل استقراره في الدارين على قدر القلة والعلة..

   - ورجل لم يؤمن به ولكنه اجتهد فيما ظهر له علما وعملا، كان نصيب الدنيا له فيما صح فيه عمله، وحرم سره ونوره وبره..

   قلت هذا اجتهادا وانتقادا وإسنادا:

   اجتهادا.. لإخواننا الذي دافعوا عن علم النفس الإسلامي أو الديني، ولكن لظروفهم الوقتية ومهامهم الوظيفية لم يتفرغوا أو لم يوفقوا بين مهامهم والبحث المعمق في المادة (وإنها تستحق ذلك..

   وانتقادا لمن عارضوا بكل ما يملكون فيما لا يدركون وهم في الموضوع طرف ومنه جزء، ولو كانت المعرفة ديدنهم لكلفوا أنفسهم بعض الوقت لبعض البحث في بعض هذا التراث الذي يشيد به الغرباء وبأهله البعداء، وبقيت أبحاثه في جل العلوم (لكي لا أقول كل العلوم) منارة للباحثين ومتوجها للقاصدين في الغرب طوال قرون وسنين (وستبقى رغم تعتيم المعتمين وإنكار المنكرين...)

   أو إسنادا.. لمن يعيب ويعلل، كما قال زادان الحجاز: إن المشاركة بصناعة أساليب علاج جديدة هو أمر ممكن، وما زال مفتوح الأفق، للبحث والاكتشاف والتنقيب عن ماهية العقل الإنساني وأسراره النفسية وطرق علاجه... أو كما قال أو ما قال من هم على شاكلته من ذوي النفوس الطيبة والحرقة في أن يوجد للعلم أهل وللتحقيق والتدقيق فيه أهل..

   ونقول للأخ الكريم والأستاذ الجليل ولإخوته في العالم الإسلامي في عين التخصص نقول لهم: أنتم له أهل (وأكررها ثلاثا) أقولها بنية وصدق.. وبكل ثقة.. أقولها لأن للعلم أصول في ديننا.. ولا أقول إشارات ولكن أقول دلالات توجه وعلامات دقيقة في سلامة السير بدليل سلامة النتائج في المنهج القويم (منهج رسول الله الكريم).. وهو ليس حكرا على المؤمنين به، لأنه رحمة الله للعالمين.. وهو كالطب والفلاحة والتجارة والصناعة... للمؤمن به والعامل عليه أجر الدنيا والآخرة.. والعامل به دون إيمان به له نصيبه في الدنيا على قدر اجتهاده فيه قال ربنا: "مَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلأخِرَةِ نَزِد لَهُۥ فِي حَرثِهِۦۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرثَ ٱلدُّنيَا نُؤتِهِۦ مِنهَا وَمَا لَهُۥ فِي ٱلأخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ" والدليل عليه أصبح جليا حتى التبس على المغفلين منا فأشادوا بالغرب في الرقي والتقدم والحضارة، واتهموا الدين بكل تخلف ورجعية، بل وحتى بعض المعتدلين التبس عليهم الأمر فقالوا أن الدين خاص للآخرة وأما الدنيا فالرجوع فيه إلى العلوم الغربية كالطب والهندسة... وفن الحياة..

   أقول للأخ الكريم "زادان" الخليجي، وهو اسم عربي جميل قديم ذو دلالات، وأصله "زيدان" ومفرده زيد، وزيد من الزيادة، وزادان معناه بركة فوق زيادة، فأملنا زيادة في هذا العلم "السيكولوجيا" ذو القواعد الغربية (الذي له ما له وعليه وما عليه كسائر العلوم المادية) نريد أن ينقح بالزيادة المؤصلة وأن يصحح بالبركة من قول ربنا وتوجيه رسولنا صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم...

   أقول لأخيّ "زادان" ولكل "الزادانيين" في عالمنا الإسلامي العظيم أنكم "قدها وقدود" (كما يقول الكنانيون) ولي اليقين، كل اليقين أنكم تعانون وتجدون خللا ما ونقصا في علم النفس الذي تدرسون وتمارسون، ولي اليقين أنكم تتممون باجتهاداتكم وتكملون بذكائكم وترممون بإيمانكم ما يجب تتميمه وتكميله وترميمه... ولكنها تبقى اجتهادات فردية سرعان ما تنتهي بانتهائكم أو يأتي بعدكم من ينتقدها باعتماد منهج الغرب الذي لا يقبل "الابتداع" في مناهجه... فهل يرضيكم هذا ؟

   أقول لأخيّ زادان ولكل إخوانه الزادانيين.. لقد آن الأوان لإحسان أنتم له أهل.. والأمة انتظرته طويلا.. فأحسنوا فيما أُقمتم فيه كما عُلمتم به في علم: "كأنك تراه.. فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وتيقنوا أن العليم الحكيم يكافئكم بالإحسان ما وعدكم به: "۞  لِّلَّذِينَ أَحسَنُواْ ٱلحُسنَىٰ وَزِيَادَة، وَلَا يَرهَقُ وُجُوهَهُم قَتَر وَلَا ذِلَّةٌ، أُوْلَٰئِكَ أَصحَٰبُ ٱلجَنَّةِ، هُم فِيهَا خَٰلِدُونَ"

   وأقول للإخوان الذين التبس عليهم الأمر في سلامة المنهج العلمي أو غرر بهم قصدا في أن المنهج العلمي الحقيقي هو الذي يعتمد الأدوات المادية والدلائل الملموسة.. أقول لهم هذه مغالطات تعمدها المؤطرون للمنهج المادي في وقت من الأوقات (انتهت صلاحيته) لأن الظاهر والباطن طرفان لشيء واحد، فلا ظاهر بدون باطن ولا باطن بدون ظاهر، وبينهما متلازمات ومتجانسان وبينهما مؤثرات ومتؤثرات، ومن نظر إلى الممارسات الصينية أو اليابانية أو الهندية... في الطب أو الفلسفة وما انبسق منهما من صناعة وتجارة وفلاحة... فإننا نجد أن عناصر "اليين واليانج" (Yin yang) في الازدواجين الأسيوية واعتمادها في الطب الصيني ومثيلتها في الهندي (الهويرفيدي) ومتجانساتها حتى في الغرب "كقطاع النار" وغير ذلك من الممارسات "المرخصة والمعترف بها" لكي لا أقول "أنواع السحر الأبيض كما يسمونه" ولا أستثني الأفريقية بجميع أشكالها وطقوسها وحلالها وحرامها... والكل احتُفظ له باسمه الأصلي كما هو، ووقع بحث ومنحت فيه شهادات جامعية... ولا نقول أن الممارسات الصينية والهندية فرضت وجودها كعلوم تدرس في الشرق والغرب وممارسات رُخص لها منافسة الغرب في عقر داره.. بل وله من الإقبال ما ليس لغيره، وهذا لم يعد خافيا في الأوساط العلمية ولا عند الأفراد والجماعات.. ومن يقول الممارسات يقول معها ما يحيطها من المعتقدات على كفرها وشركها والشطن المحبوكة بها...

   أيكون لنا يا "زادان" في كتاب الله وسنة رسول الله ما نخجل منه أو نخشى منه أو لا نعول عليه ونحن نخوض غمار العلم أو نقاوم لجج المعلومة أو نغوص في أعماق المعرفة.. ولنا كل ما يضمن السلامة في السير والهداية في التوجه والنتيجة في الوجد، والنفع للناس... يا زادان.. أنعطي الدنية في التنازل عن أسماء سماها ربنا جل شأنه في العوالم وأحاط علمه بالكائنات والمكونات والمعالم... ونخاصم وندافع ونرفع في أسماء (لا نعيبها ولا أهلها) كالأنا أو الأنا الأعلى أو الهو أو الظل أو الشبح أو اليين واليانج وكل ما يتعلق بالطاقات على سلبيتها وإيجابيتها... نحترم كل الأسماء والمسميات.. ولكن لنا الحق في تسمياتنا.. فمنها من تُلازمه البركة وتصاحبه ومنها من يقارنه الشؤم ويلازمه... تماما كاسمك الجميل يا زادان!

   يا زادان.. إذا لم يكن في علم رباني منهج علمي سليم، قائم على أسس علمية بحجج منطقية، له من الظاهر ما يظهره وله من الباطن ما يستره.. ولا يحتاج منا إلى حيل ولا إلى دهاء، ولا إلى دفاع ولا إلى انتقاء.. فالعلم يدافع عن علميته برسوخ قدمه في العلم، وتكون له شواهد في إزهاره ونضجه وإثماره..

   يا زادان.. إذا لم يكن في ديننا التام الكامل كل هذه النعم الكامنة (وغيرها مما نعلمه وما لا نعلمه) كما أخبرنا العليم الحكيم.. فلا حاجة لنا بدين ناقص نتممه أو نكمله، ولا بغية لنا بدين نقترح فيه نعما افتقدناها أو استقرارا جانبنا أو توازنا تخطانا إلى غيرنا فنجلس على موائدهم نتكفف ما فضل عنهم أو ما لفظوه (على لؤمهم أو كرمهم!).. أُخيّ.. إذا لم يكن هذا في ديننا وزيادة.. فتعال وأنا معك نجلس على موائد هؤلاء بكليتنا وبعضيتنا.. فكرامة المؤمن لا تترك لنا الخيار في الانخراط بالجزئية.. إما أن نؤمن فنتبع وإما ألا نؤمن فنبتعد، فالمنزلة بين المنزلتين لا منزلة لها في منازلنا، ولا مُقعد لها في إيماننا ولا مكان لها في ديننا...

 

 

 

 

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire