علم النفس كلمة واحدة

"علم النفس" والمقصود به كل العلوم المتعلقة بالنفس البشرية، وكل ما يتعلق بها من أعضاء ظاهرة وباطنة، وكل ما يتأثر بها وكل ما تتأثر منه من أقوال وأعمال وأحوال... كل ما نريد هو تأصيل ما يجب تأصيله وجمع ما تمّ تشتيته أو تُعمد تهميشه من المعلومات المتعلقة بهذا العلم الشريف أصله، الرباني منهجه، النافع مشربه.. مادته الرقي بالنفس البشرية من سوء ما علق بها إلى صالح أعمالها وأرقى أحوالها، حتى تتمتع بتوازن يصونها ويزينها، فتُصان معها كل الحواس والجلود، لأنها القطب الذي يدور السلوك حوله.. إن صلحت حفزت السلوك القويم على المداومة وأعانته على الاستقامة، وبينت مدى سُقم السلوك العليل وضرره على باقي أعضاء الجسد، فيسهل عليه التجرد وينفتح على التأقلم ويساهم في التوازن المنشود...

   كلامنا وبحثنا واجتهادنا.. ليس على "النفس" الافتراضية (virtuel) التي أصل لها الغربيون قواعد "افتراضية".. ولكن الأمر يتعلق بالنفس البشرية، التي هي بين جنبي كل واحد فينا، والتي لها ارتباط وثيق بكل قرار تأخذه وكل فعل تفعله وكل ميل أنت مقتنع به... وليس الأمر متعلق بما تحب أو تكره، لأن ذلك تابع وليس متبوع، فكم منا يفر من الحق ويتبع الباطل، بل وهناك شر منه، من يجد فيه متعة وله فيه لذة... فكيف تنقلب موازين القياس في النفس فتسمي الباطل حقا، والحق باطلا...

   هذا موضوع بحثنا في "علم النفس" وليس علم النفس الديني، وليس كذلك علم النفس الإسلامي، وكذلك ليس علم النفس الافتراضي.. مادتنا هي علم النفس البشري، أو إن شئت سمه علم النفس الرباني.. وهو الذي يستمد سلوكه القويم من طبيعة الشاكلة الأصلية ويستقيم بحقيقة الفطرة الربانية..

   علم النفس.. مادتنا.. هي أرضية كل سلوك ومعدن كل عمل وضابط كل فعل وميزان كل خلل.. له علاقة بكل عضو في الجسد إما مُمدا أو مستمدا أو مؤثرا أو متأثرا.. فمن الأعضاء ما تصلح فتؤثر بصلاحها في صلاح النفس فترفعها، فتتأثر أعضاء أخرى بهذا الصلاح فتنفعها في أداء مختلف مهامها.. ومن الأعضاء ما تتأثر بنيتها ويتخلخل قوامها فتساهم في عدم توازن النفس، فتحيد بها عن حسن الاختيار، وتفقدها منعة الوقوف على مراكز الاضطرار، فتفعل كل شيء وأي شيء.. فتتأذى بنيتها في الانتقاء وتفسد طبيعتها في الاتزان، فتفسد بفعلها مقومات كل عضو كان له علاقة بذلك السلوك المشين ويتأثر بسلبيات ذلك الفعل المهين...

   هذا جوهر بحثنا.. في النفس.. وفي العلم الذي يتعلق بها.. والله العظيم نسأل.. أن تنتهض له همم وتحرك له أقلام.. وليس الأمر يتعلق بسنة ولا بشيعة ولا بكاتوليك ولا ببروتستانت ولا بمتدين ولا بغير متدين.. ولكنا نريد أن تقوم للعلم أصول وتقعّد له ثوابت، ولا تكون الأصول والثوابت افتراضية، ولا يقصى من البحث أي باحث ومتخصص.. لأن العلم وبما أنه مركز كل توجه سليم في الأفعال والأحوال فإن الانتفاع منه يكون في كل مناحي الحياة ونواحيها (وقل بعده ما تريد)..

   علم النفس (مادتنا) متعلق بمعرفة النفس أولا.. وبما أن هذه الكلمة "النفس" وقع فيها لغط كبير (أو تُعمد فيها) فإنه لا ينكر أحد أن للنفس علاقة بالقلب وإحساسه وكل ما يتعلق وينتسب إليه، كما لها علاقة بالعقل وكل يتبعه من جهازه العصبي... والقلب ووظائفه والعقل ومهامه وعلاقتهما بالأعضاء الظاهرة والباطنة كالتي لها علاقة بالغذاء أو الهواء... فله علاقة بالنفس علاقة ضيقة وكذلك الغدد والخلايا... وبالجملة النفس لها علاقة بالجلد (كل الجلد!)

   فنأت البيوت إذن من أبوابها، ونركز على الأصول والثوابت في هذا العلم الشريف، ولنحاول معرفة ما أمكن معرفته من النصوص الثابتة ما دام لا يعارضها بحق شيء، ونهيب بأهل التخصص أن يقحموا معنا مجال البحث والتحقيق على أصول النية والتصديق، فخبر يقين تحقق بالتجربة، خير من خاطر سيج بالحيلة... ولنبدأ بما يجب البدء به وهي مادة الروح..

 

 1) الروح:

   الروح كيان خارق للطبيعة بكل المقاييس المعروفة وغير المعروفة.. ولا نكرر ما قيل ويقال سواء من رجال المادة (الدين قالوا ما وجدوا وكتبوا ما به اجتهدوا) أو رجال الدين (الذين ارتبط أكثرهم بأدبيات الكتابة وانجروا إلى المعاني والمصطلحات).. ولكن الذي يهمنا هي هذه الروح الموجودة في كل بشر منا ولا ينكرها أحد ولا يجهلها أحد، والتي عنوان الحياة وبها تكون وتثبت.. فلا أحد في تخوم أسيا أو رُبوع أوروبا أو رِباع إفريقيا أو أدغال الأمازون أو مرتفعات أو مستنقعات الأناضول... لا يفرق بين حي وميت (فالحي فيه روح والميت خرجت منه الروح).. هذه الروح هي موضوع بحثنا..

   كان السؤال مطروح منذ القدم، وحوله من الأطروحات مثل ما عليه الأمر اليوم عند غير المؤمنين، حتى طرح السؤال على سيد الأولين والآخرين (وهو الذي لا ينطق عن الهوى) فأجاب رب العالمين (تزكية وتكملة للدين) قال ربنا:" وَيَسأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ، قُلِ ٱلرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ ٱلعِلمِ إِلَّا قَلِيلا" والصيغة في الآية العظيمة صيغة إخبار فلا تفهم على غير طبيعتها، والمقصود بها أن الإنسان له إمكانات للفهم ونظيراتها للتطلع وغيرها للمعرفة... فكل ما أوتيه الإنسان وغيره من المخلوقين في الأكوان عِلم لا يرقى إلى معرفة الروح أو خلقتها أو طبيتعها... لأن ما أوتيه من العلم قليل (هذا المقصود بالإخبار الرباني) (وكما يقال كيف يخاصم الأعمى في فسيح الساحات والبقاع، وكيف يصف العنين لذة الجماع)..

   والروح من أمر ربي.. وإذا أردت أن تعرف أمره فهو القائل سبحانه: "إِنَّمَا أَمرُهُۥٓ إِذَا أَرَادَ شَيًا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ" وإذا أردت أن تعرف كيفية أمره سبحانه: فكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك.. إذن جفت أقلام الوصف وطويت صحف التدوين.. فلا تتعب نفسك فيما لا تطيق وما لم تؤت، فلا تكلف إلا ما أُقذرت عليه وما أوتيته.. ولكن كل ما يجهل العلم به كله لا ينكر بعض أثره إن تجلت بالحكمة وظهرت بالعناية، فإن الاستدلال على الأشياء المستعصية بآثارها أنفع للناس من الغور في غمارها.. فلنستدل على الروح بما تفتق لنا من آثارها وبرز لنا من أنوارها وهذه بعض منها:

   1- آثار الروح واضحة المعالم على كل حي قل علمه أو كثر، لأنها تدل على الحياة بوجودها داخل البدن، وبعد خروجها من الجسد تغيب عنه كل مظاهر الحياة وتلتصق به كل آثار الموت المتبوعة بكل آثار الانمحاء والتلف والاندثار..

   2- هذه الروح.. إذا دخلت إلى الجسد، فإنها تدب فيه الحياة في كل عضو فيه كبير أو صغير دقيق أو أقل دقة، وكل حسب وظيفته ومهامه ونشاطه في الجسد... تصل الحياة كل خلية ومكوناتها وتكوينها ووظيفتها.. فلا وظائفها تختلط ولا مهامها ولا برمجتها... وإذا أردنا أن نقرب فهمها بما نعرفه من الآليات الحالية ونحللها بما نملكه من الإمكانات الفهمية فإننا نقول: الروح مثل تلك البطارية التي تشحن وتمد الآلة المخصصة بالحركة، وهذه الحركة هي حركات كثيرة ومعقدة، فمشروط أن يديرها عقل مدبر مقعد قادر على إدارة كل الحركات والتفاعلات والانفعالات من حرارة معينة وسوائل مركبة ومكونات معقدة... فلا صلابة العظام تطغى على ليونة الإدام ولا لزاجة السوائل تختلط بكثافة غيرها من المسائل... وقل بعد ذلك ما أحاط به علمك وخبرته همتك.. فإن الروح لها تخصص أكبر من ذلك بكثير وأدق منه وأرق.. ولا تنس أن هذه البطارية "الروح" ترتبط مع الجسد بمشابك أو مجسات (فكيف هي؟) وكيف هي شحنتها وما هو استمدادها... فلا تتعب نفسك " وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ ٱلعِلمِ إِلَّا قَلِيلا"

   3- هذه الروح.. لها طبيعة فوق الطبائع التي عرفها الإنسان، لأن أصلها وموطنها سماوي، ولا عنصر من العناصر التي نعرفها يؤثر فيها من قريب أو بعيد، فلا الحر ولا القر ولا الضوء ولا الظلام ولا الجاذبية تقيدها ولا أي مقياس للسرعة يضبطها ولا أي مادة من جدول الكاثود يؤثر فيها... إذن تعاملنا مع مكون رباني قوانينه فوق ما نعرف ومكوناته فوق ما نعلم...

   4- الروح لها طبيعة ربانية، وبما أنها لا تحجبها حواجز فإنها في مراقبة الحق على الدوام، فهي ترى الأمور على حقيقتها ولا شيء من المعوقات بمنعها من معرفة الحق وتمييزه من الباطل، فلا تحتاج إلى دليل يدلها ولا إلى موجه يوجهها لأن ذلك وسطها..

   5- الروح لها شكلها الطبيعي، لا تكون صغيرة ولا تكبر ولا تشيخ، فهي هي، ولكنها تتأقلم مع الجسد وتتكيف مع تكوين عقليته وطبيعة إحساسه وتتبع لحكمه، والدليل عليه خلق آدم عليه السلام، فبمجرد ما زرعت فيه الروح وكان الجسد كاملا لا يحتاج إلى نمو وصالحا لا يفتقر إلى توجه لأن ذاته لم تتغير شاكلتها ولم تنحرف فطرتها.. فعلمه الله الأسماء كلها (لأنه مؤهل لها) "وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسمَاءَ كُلَّهَا " وخلق منه زوجه (لأنه يحتاج إليها)، وأسكنه الجنة (لأن مكانه فيها) وقال له: "وَقُلنَا يَٰادَمُ ٱسكُن أَنتَ وَزَوجُكَ ٱلجَنَّةَ وَكُلَا مِنهَا رَغَدًا حَيثُ شِئتُمَا وَلَا تَقرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ"..

   6- الروح مخلوقة قبل الجسد، وعالم الأرواح أعم من عالم الذر.. وعالم الذر هي الأرواح التي أخرجها ربنا من ظهر آدم عليه السلام، والميقات يسمى يوم "ألست بربكم" ويصدق فيه قول ربنا: "وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَىٰ أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم، قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدنَا أَن تَقُولُواْ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَٰذَا غَٰفِلِينَ" فتكون الأرواح قبل خلق الأشباح في قبضة الله تعالى على طبائعها والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" والتعارف والتناكر إنما يدل على معرفة مسبقة، ولذلك تجد تعارفا بين اثنين بكل ألفة وتناكر بين آخرين مع اختلاف ومشقة... وفي ذلك قصص كثيرة يذكرها أهل الصلاح تبين معنى الحديث ودلالاته..

   7- الروح بطلاقتها إذا صادفت ذاتا (نفسا بشرية) مطابقة لمواصفات الأصل في طبيعة الشاكلة وخلقة الفطرة، فإن معلومها يسري في الذات كسريان الحياة في الجسد، فتسقى الذات من الروح سقيى الموافقة والمطابقة.. وهذا نور من الأنوار في التربية السلوكية وهو نور من أنوار رسول الله الكريم يسمى: "سكون الروح في الذات سكون المحبة والرضا والقبول" وهو نور حرف الباء.. ولمعرفة ذلك أن الذات لها شاكلة وفطرة (وقد سبق ذكرهما) والفطرة تتأذى بالانحراف السلوكي وتطبع به حتى تجهل طبعه، كمن أصله عربي وتربى في أوساط عجمية فنسي أصله وفصله ولغته.. أو بتعبير أقرب للفهم: كمن أدخل مقالا بلغة صينية مثلا في حاسوبه وهو لا يتوفر على هذه اللغة، فإن الحروف والكلمات تخرج بصورة مشوهة ورموز لا يفهم منها شيئا... كذلك الأمر إذا كانت الذات تجهل طبيعة الروح وهي موافقة الحق، فهي بالطبع تفقد طبيعة التواصل معها (وهذا سنبينه في باب الرؤيا مفصلا بحول الله تعالى)..

   8- الروح بقوتها وإمكاناتها، وهي التي لا يحصرها مكان ولا يقيدها زمان، إن شئت قلت: أن الجسد المادي يقيدها أو لا يتواصل معها.. أو بعبارة أخرى: الروح تنفر هذه الذات الغير طبيعية أو المتحولة أو المنحرفة.. والذي يهمنا في بحثنا هو أن الجسد يصبح حاجزا لمواهب الروح على الجسد ومانع لأنوارها وأخبارها وخبراتها.. فالسؤال المطلوب البحث فيه هو: ما مصير الذات التي تطوع وتلين وتوافق شاكلة الأصل وفطرة الخلقة، فتوافق الروح ويحصل بينهما انسجام الطاعة واستسلام القبول وسكون الرضا؟؟

   ماذا يمكن أن يضيف نشاط الروح الربانية إلى هذه الذات الجسدية؟ الجواب هو أنها تلبسه طبعها الروحي، وتتخطى به طبع الجسد الطيني، وهكذا تكون كرامات الصالحين ومعجزات الأنبياء والمرسلين... ولغير المؤمنين منها نصيب وتسمى خوارق السحرة والدجالين، لأنهم التقوا في قتل حظوظ النفس فتحررت الروح، ولكنها عند المؤمنين موجهة بإيمان فالتقى صلاح جوارح الجسد بانطلاق الروح فتحصل البركة في الحركة فتكون المعجزة والكرامة، وعند غيرهم مقتادة بشيطان فتُستغل الروح على تقوية الجوارح الخبيثة للذات فتنساق لشطن اللعين للضرر والإضرار بالمخلوقين..

   هذه بعض من الخصائص والمميزات رشحت على قدر المعرفة بالروح كما يؤول من كتاب الله العظيم ويستشف من حديث سيد الأولين والآخرين، وعليه يعمل الأولياء والصالحون في ركن الإحسان بعد التحقق من الإسلام والإيمان، والتي من شأنها ليانة الأجساد بالطاعات وتنوير العقول بصحيح التوجهات وفتح القلوب لاستقبال مواهب رب الأرض والسماوات.. هكذا تخشع القلوب وتلين الجلود حتى توافق طبع الروح فتتحرر الملكات الروحية على الجوارح الجسدية...

   فالمجاهدات بأنواعها وأشكالها حسب جنوح مختلف جوارح الجسد تسمى "سيرا أو سلوكا، وتسمى طريقا وتسمى مجاهدة..." وتسمى على أنوار الحروف الموت في الحياة، ولها من الحروف الواو.. والمقصود الانقطاع التام والنهائي عن شهوات النفس وشبهات العقل والجوارح حتى تمحى عوائق النفس وتتحرر الروح بسكونها لموافقة الذات بالمحبة والرضا والقبول...

   فإذا سمعت المجاهدة التي تتبعها المشاهدة، فالمقصود هو الجهاد بالنفس والنفيس حتى تتحرر الروح وتنخرط البصيرة في البصر.. وإذا سمعت الفناء والبقاء، فالمقصود به الفناء عن حظوظ النفس حتى يتحصل البقاء في الأرض الروحانية.. وإذا سمعت قول ربنا سبحانه: "وَلَا تَحسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَموَٰتَا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ"(الآية) فالمقصود بهم أهل الجهاد الذين قاتلوا في سبيل الله حتى قتلوا (وهذا الوجه الظاهر) ولا يستثنى منهم الذين جاهدوا أنفسهم بمحاربة المحرمات وإثبات الطاعات وذلك دليله في قوله تعالى: " وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمُحسِنِينَ " ولا ندخل في ضيق الأثر: رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر... (رواه العجلوني في كشف الخفاء والغزالي في الإحياء وغيرهما) والمعنى صحيح لأن جهاد الوقت ملحمة وتنتهي بنصر أو استشهاد، ولكن جهاد النفس يبقى وردا مورودا تصححه الواردات فتنفيه أو تثبته أو تصدقه.. (وإن تماحك حول المعنى المغرضون في وقت مضى لرفع عقيرة الجهاد بالباطل حتى استبيحت بيضة الإسلام على يد أعدائه وأدعيائه، والآن لم نعد نسمع أو نرى أو نسمع لا جهادا أكبر ولا أصغر... نسأل الله أن يردنا إلى ديننا ردا جميلا)

   ومما يدل على أن جهاد النفس مطلوب ومنصوص عليه بآيات جليلة وأحاديث ثابتة وتجارب علمية مثبتة كقوله تعالى: "وَلَا تَقتُلُواْ ٱلنَّفسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلحَقِّ ذَٰلِكُم وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ" والمقصود بها القتل بإزهاق النفس بغير الحق المعروفة في أكبر الكبائر وفي علم الجنايات.. ويقصد بها أهل الإشارات ودقيق العبارات: قتل النفس التي بين جنبيك بما تطيقه وأوتيته، ورسول الرحمة الرحمة يقول: ... فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا... وفي رواية لسلمان مع أبي الدرداء... إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعطِ كل ذي حق حقه...

   فالمطلوب قتل حظوظ النفس الباطلة بالحق لإحيائها للحق بالحق في الحق، ولذلك ضوابط فلا إفراط ولا تفريط، وقد بين رسول الرحمة مع الثلاثة الذين قال أحدهم أنا أصوم ولا أفطر أبدا وقال الآخر انا أقوم ولا أنام أبدا وقال الثالث انا لا أتزوج النساء فقال صلى الله عليه وسلم:" ...أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"...

  وهذا دعت الضرورة لذكر مداخله لعلاقة الروح فيه مع الذات وعلاقتها بحقيقة الحرية الذاتية وتأثيرها بقطع علائق المؤذيات في كل ما يتعلق بوظائف الأعضاء ومكوناتها وتأثيراتها ومؤثراتها... وفي ذلك ضوابط يجب الالتزام بها وآداب يجب العمل عليها وموانع يجب الوقوف عندها.. والطريق في ذلك طويل والسير فيه جليل والعمل عليه مشروط، وهو مع كل ما ذكر سهل سلس في متناول كل واحد منا كيف ما كانت إمكانياته وحيث ما كانت أماكنه.. وسوف نبسط خلال البحث ما ثبتت به النصوص، بحيث لا تنكره العقول ولا يمكن أن تنفيه الدراسات الحديثة وبأي وجه من الوجوه...

 

2) العقل:

   يقال عقل الشيء إذا حبسه، ويسمى المعقل المكان الذي يحبس من يراد تقييده عن أنشطته الشاذة، ومنها عقل الغلام إذا أصبح مميزا بين ما يفعل ويترك... ومنه كانت مهمة العقل، فهو معقل القرار في الأقوال والأفعال، فما استقام أذن له بالبروز وما انتقص استعين عليه بالتقويم والتعديل... وعليه كانت مهام العقل عميقة وجليلة ودقيقة... فيكون العقل مجمع هذه القدرات كلها وملك هذه القرارات بأسرها كالإدراك والتقييم والتحليل وكذلك التذكر ثم بعد ذلك أخذ القرارات ومراقبتها وتقييمها وتصحيحها.. هذه فقط بعض من مهام هذا العقل العجيب، وكلما ارتفعت كفاءاته وارتقت إراداته زاد النافع نفعا والحسن حسنا وإحسانا، وإن انتكست موازينه قلب المقاييس وعرقل التوازنات.. وعليه وجب النظر إليه بما يصح لإمداده، والحرص عليه لديمومة كفاءته وسلامته واستعداده..

   هذا العقل الذي كان ولا يزال.. وسيبقى، محط المهتمين والباحثين، لمعرفة كفاءاته وقدراته ودقيق تخصصاته... وفي كل موسم يخرج لنا أهل التخصص بمهام له اكتشفت أو قدرات له ظهرت في الذاكرة أو التذكير او التخزين أو الانتقاء أو التخصص في مستوياته أو دقيق مكوناته... ويبقى العقل صندوقا أسودا للمهارات العقلية والكفاءات الفكرية... والإبداع رباني..

   يشكل الدماغ مع الحبل الشوكي مجموعة العصبي المركزي، له القدرة على دمج المعلومات والتحكم في المهارات والتنسيق في الحركات والسكنات وإدارة الوظائف الإدراكية... هذا الدماغ الذي يزن حوالي 1.3 كجم، 3.4 حجمه ماء، واعتني هذا العضو لأهميته بأكبر نوع من الحماية على مستوى الجسد من حيث وضعه أو مكانه أو حمايته الخارجية العظمية أو الداخلية الدائرة به وهو سائل يسمى النخاع الشوكي، يستبدل بنظام وانتظام ويحمل من الغذاء والدواء ومواد المحافظة ما يعينه على مهامه... وهو مغطى بأغلفة تسمى السحايا...

   يستهلك المخ من بين 15 إلى 20% من مجمل الطاقة التي ينتجها الجسم.. ويغذى على طريق الأوعية والدموية ويمد بقدر كبير من الأكسجين.. وأمور أخرى منها ما عرف ومنها ما سيعرف ومنها ما لا يمكن أن يعرف، وكذلك مهامه وإفرازاته وتأثيراته، وعلماء التخصص يقفون أمام العضو وقوف إجلال واحترام (ولا تنتهي عجائب صنع الله فيه)..

   مهما اجتهدنا فلن نتوفق في تكرار ما قاله أهل التخصص فيه، ولكن هدفنا في الجنوح إلى بعض ما تم إغفاله من عجيب مهام العقل الأصلية وتخصصاته الربانية، وكما اعتدنا القول أن هذا ليس انتقاصا من أهل الاختصاص (ولا يفعل ذلك إلا جاهل) ولكن نقول من باب تخصيص المخصص، فنضيف ما أخبر به كتاب رب العالمين تدبرا واستنباطا إلى اجتهاد المتخصصين، لعل الصورة تكتمل لهم وتشخيص الأمور يثمر عندهم، فننقل النافع إلى الأنفع والحسن إلى الأحسن، لعل الله ينقلنا إلى درجة الإحسان في التعريف بمهام هذا العقل الذي هو المحور في هداية الإنسان..

وظائف العقل الربانية:

   لا ندخل في تفاصيل المهام المعروفة عند أهل التخصص، ولكن نذكر ببعض التخصصات الوظيفية التي تهمنا في مادة بحثنا، فنذكر بإشارة تطرق لها الطبيب الفرنسي أندري جرنيز (الذي أتلفت كل مؤلفاته إلا من بعض التسجيلات التي حفظت له على كبر سنه.. فافهم) يقول: يتكون العقل البشري إلى ثلاثة أجزاء من حيث استقبال إشارات المهام وتحليلها ثم التعامل معها..

   1- دماغ الزواحف (Le cerveau reptilien) وهو الأسفل وراء الرأس (جدع الدماغ والمخيخ)، وهو المتحكم في الوظائف الأساسية كالتحكم في الحركة والتنفس والتغذية ومعدل ضربات القلب وحرارة الجسم... إلا أن حركته في القبول أو الرفض تكون بـ"نعم أو لا".. فبما أن دائرة تخصصه في المحافظة على الجسد من غذاء وهواء وغيرهما مما تنتفع به الذات، فإنه عندما يلاحظ عوزا أو خصاصا فإنه يرفض الانخراط مع أي قادم في الأفكار أو التقييمات أو المقترحات.. فإذا كان الإنسان شديد الجوع أو العطش أو شديد البرد أو الحرارة... فإن الدماغ الزاحف برفض قبول أي فكرة أو مقترح، وجوابه الوحيد هو "لا" حتى تلبى حاجياته مما يقوم به الجسد وتستقيم به قوته وتحصل به منعته..

   2- الدماغ الحوفي، العاطفي (Cerveau limbique, l’émotionnel) يشمل على العموم الدماغ الحوفي الحصين (l’hippocampe)، اللوزة (l’amygdale)، وتحت المهاد (l’hypothalamus).. هذا الدماغ هو مركز الذاكرة الطويلة المدى ومركز القرارات والعواطف، والتحفيز والمتعة، والنجاح والفشل... يقول أندري جبرنيز: هذا الدماغ له وقت معين يشحن فيه وذلك في صغر الطفل بين 6 و 12 سنة من عمره، وكل تعلم يأتي بعد هذا السن لا يسجل في الدماغ الحوفي (وبالتالي لا يكون قبول الفعل أو رفضه مصحوبا بإحساس أو عاطفة) وهذا مثال عليه:

   إذا تعلم الولد أو البنت في في سن تسجيل الدماغ العوفي، فإن أي فعل يأتي في حياة الإنسان فإن الدماغ الحوفي يقبله إن كان حقا أو يرفضه إن كان باطلا، (وهذا القبول أو الرفض يكون مصحوبا بمحبته والمتعة به إن كان حقا أو كراهيته والخوف منه إن كان باطلا)... وهذا قد اختبره الجميع في شبابه، فإنه عندما يتعرض لفعل غير اعتيادي في الأخلاق أو السلوك فإن الشاب تنتابه أعراض خوف من ذلك الفعل والوجل والحيرة ويدق قلبه ويشحب لونه... وهذه كلها دلالات على رفض الدماغ الحوفي ذلك الفعل الذي يسجل في ذاكرته في الصغر ولم يعتد عليه في التعلم، فسن التعلم للأطفال في غاية الأهمية، ومن ذلك حديث الرسول الكريم ﷺ: "مُروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع" فبداية التعلم تكون في السبع (وهذا تصحيح لطيف: فالدماغ الحوفي يكون التسجيل فيه من 7 إلى 14 سنة، وأقرب إليه ما ألهمه أندري جرنيز من 6 إلى 12 سنة)، وفي ذلك خبر يروى هو: " لاعبوهم سبعا وعلموهم سبعا وصاحبوهم سبعا.." وفيه روايات أخر منها ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب" ومعنى الحديث صحيح وفيه حكمة بالغة (ولا بد أن يكون مشربه من ذلك الحوض الصافي) وإن اعترته ركاكات الناقلين، وللذكر كنت أناقش هذه المادة العلمية مع أحباب مستشرقين أحدهم اعتنق الإسلام عند كبره فطرح السؤال التالي:

   من لم يوافقه الحض أن يسلم في صغره ويكبر في وسط متدين يتعلم في السن المعلوم مبادئ الإسلام ومشارب الإيمان حتى يسجل دماغه الحوفي كل ما يحتاجه في الأجوبة البداهية في الدين في الأقوال والأفعال... ماذا يفعل ليكون له مثل ذلك؟؟؟

   قلت له وعبيد الله فرح مستبشر بنباهته وتطلعه للعلم وحرسه على المعلومة الصحيحة البدهية: يكفي أن يكون مثلك ويكون حرصا على ذلك.. فإن ربنا يقول:"وَمَن يُؤمِن بِٱللَّهِ يَهدِ قَلبَهُۥ" ويقول ربنا: "وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمحُسِنِينَ".. قلت له يا خاطب البر أقبل ويا طالب الخير أبشر (وبما أن شباب الغرب يميلون إلى كل ما يثبت ويوضح) قلت له: ولكن يلزم لمثل من قلت تحري المعلومة الصحيحة (ولتكن من مصدر موثوق) ولو كانت بصحبة صديق سماة الصلاح عليه ظاهرة في القول والعمل، أو بتوجيه شيخ أو عالم أو إمام له نفس المواصفات ويتحلى وبالتيسير وليس بالتعسير وبالتبشير وليس بالتنفير.. فقد وقعت على إكسير الحياة.. فخذ من العلم وطبقه حتى تألفه، ثم تحبه.. فذلك المطلوب، لأن الحب موطنه القلب، والقلب هو المتحكم في العقل الحوفي.. فلا يخشى على من سكن الخير قلبه (وهذا ما سنبينه خلال هذا البحث المتوضع)...

   3- القشرة المخية الحديثة (Cerveau néocortex) وتتكون القشرة المخية من أربع مناطق تشكل هذا المخ هم: الفص الجبهي (lobe frontal)، الجداري (pariétal)، القذالي (occipital)، والفص الصدغي (temporal).. فهذا الدماغ هو المسؤول على مواجهة المشاكل وحلها وعلى الأمور العقلانية، والمسؤول كذلك على كل إبداع...

   هذا العقل إن شئت قلت أنه يهتم بالأمور المادية المحضة، وهو إذا أعطي أكثر من حقه فإنه يعتم على العواطف والغرائز الأساسية.. وفي ذلك توجهات يجب التعامل معها حتى لا يكون تفريط ولا إفراط، فإن وقع الحيف في الإقبال على الأمور المادية فإن ذلك يضعف من القدرات الموازية والتي هي السلوكية والرحمانية أو الروحية في كلمة واحدة، وكذلك العكس، فإن وقع الحيف والميل على الأمور الروحانية فإن إقبال العقل على الأمور المادية يبقى دون اعتبار أو أهمية.. وهذا وقع فيه حيف من الجانب المادي الذي يعالج بها علم النفس المادي الأمور، وهذا ما سنبينه بالتدريج خلال هذا البحث بإذن الله تعالى..

 

مهام العقل وخصائصه الوظيفية:

   انكب العلماء على مهام العقل منذ القدم كل حسب تخصصه... وفي العشريات من السنين الأخيرة زاد البحث وتعمق التخصص مع وفرة الآليات الجديدة كالرنين المغناطيسي والتطورات التي اعترته كالمفتوح أو المغلوق وما هو منها مرتبط بالذكاء الاصطناعي... أو ما يتعلق بالعمليات والتدخلات الطبية كالأقطاب الكهربائية على القلب وجملة أخرى من هذا الجيل الجديد من الأجهزة التي تسمى "الإلكترونيات الحيوية" الذي من شانه التفاعل مع الجسم قصد التحكم في نشاط الدوائر العصبية المصابة بخلل ما منها ما يعرف ب"التحفيز العميق للدماغ" وتسمى " مولد النبض المزروع" وتساعد على التغلب على المشاكل الصحية المتعلقة بالشلل الرعاش (باركنسون) أو بعض الأمراض مثل الصرع إذا فشلت العقاقير في علاج ذلك...

   باختصار شديد لا يزال العلماء يجدون صعوبات في فهم الإشارات العصبية حتى تتكيف الأجهزة المصنوعة وتتعامل مع لغات أجسادنا والرد عليها أو على الأقل فهم محتواها، ورغم ذلك يبقى كل اجتهاد محترم ويجازى صاحبه وإن أخطا... ويبقى للتوفق لذلك، (أو على الأقل لوضع أول قدم في صحيح المسير):

  - التحرر من معوقات البحث العلمي الجاد والنافع من كل ما يهيمن عليه من توجهات الجهات المسيطرة من شركات الإنتاج كشركات الأدوية أو المعدات أو التوجهات السياسية الشاذة... وكل هذا يحيد عن مصالح البحث العلمي ويسقطه في مهاوي الأهواء والمصالح الشخصية الضيقة (وهذا يصح أن يسمى سرطان البحث العلمي)

   - فتح ما تم رصده من أبواب المعرفة وقنوات المعلومة النافعة التي تشكل قاعدة البحث الصحيح، وتحرير حُمّال هذا العلم من المؤمنين (الذين انفتحت ملكاتهم على الحقائق وتخطت الأمور المادية المحضة بالبحث في جذورها او تأثراتها أو مؤثراتها) وإن هؤلاء ليسوا مكلِّفين في شيء، وإن متعتهم في معلومهم، والتضييق عليهم إنما هو تضيق على المصادر الموثوقة من المعلومة... وليس هذا اتهام لكل من لبس المادية مذهبا، ولكنهم لقمة صائغة وبيدقا سهلا بين أيدي جنود الظلام ومحاربي الحقائق.. وقد بين أحرار العالم من غير المؤمنين دفاعهم على المنهج القويم، وإن كانوا عن قلة أو ونذرة فإن وجودهم ثابت وأثرهم بيّن...

   هذا الجزء الأخير الذي نريد أن نناقش به ما تم إغفاله عن مهام العقل (الموضوع الذي بين أيدينا) ونريد أن تلتقمه الهمم وتتناوله الأقلام فإن له أعداء، أما الدفاع فلا يحتاج من يدافع عنه لأنه يدافع عن نفسه، وتأصيله الصحيح ومنهجه الفصيح كفيل بإنباته نباتا حسنا لأنه غاية كل إنسان وملاذه وفيه توازن كل من اختل توازنه وإحسانه..

   وظائف العقل المغفلة:

   وظائف العقل الأساسية تم إغفالها بقوة إقبال الناس على صحة العقل المادية (أو بعبارة أدق: لا يُهتم بالعقل أو الرأس عموما إلا عند ظهور علله والمشاكل فيه)، والأطباء كما هي العادة هم في خدمة طلبات المرضى، وهكذا كانت الاهتمامات كلها تتعلق بالعلاج وليس بالوقاية، أو بالأحرى استغلال هذا العقل فيما يحصل متعة أكثر ونفعا أوفر.. وهذا (ربما قد يكون من الأسباب التي كان الإنسان ضحيتها وهي طغيان الجانب المادي في وظائف الأعضاء والغياب عن حقيقة مهامها) منها:

أ- التعقل من العقل:

   التعقل مهمة العقل في أقرب أبعاده، ويقال عقل الولد إذا رزن وفهم الأمور على حقيقتها، ويقال: المصائب تعقل الناس يعني يكسبهم خبرة الفعل وتركه... ولا ندخل في فلسفات الخوالي بقدر ما نهتم بهذا الفعل العقلي الجليل القدر وهذه الوظيفة العقلية التي لا تقدر ولا تثمن.. ونفتح الباب لشبابنا ومتخصصينا ليؤطروهم في هذا السياق البحثي وبالله التوفيق..

  التعقل مهمة العقل المجرد الذي لا يحتاج تكييفا ولا توظيفا بقدر ما يحتاج إرادة أو رفضها، وهذا ما يكفي فيها لهذا النوع من التعقل ويمكن أن تسميه "التعقل المجرد" وهو جزءات: "التعقل المجرد الموفق" "والتعقل المجرد الغير موفق"، وسوف نستقرئ من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل بعض من هذه الأمثلة الواضحة ونعمل على تقييمها على الأنوار المحمدية في انتظار تناول الموضوع بما يليق للمتخصصين وكما يليق للأوساط الجامعية وهي كما يلي:

   التعقل المجرد:

   هو الذي تكون فيه قاعدة الشاكلة ثابتة وبنية الفطرة متماسكة، وحتى إن وقع حيف بسيط في إحداهما أو كلاهما فإن الوارد الرباني يأتي بما يثبت التعقل المجرد، وذلك ما جاء في صيغة: "لقوم يعقلون".. كقوله تعالى: " إِنَّ فِي خَلقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ وَٱختِلَٰفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلفُلكِ ٱلَّتِي تَجرِي فِي ٱلبَحرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآء فَأَحيَا بِهِ ٱلأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّة وَتَصرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلمُسَخَّرِ بَينَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرضِ لَأيَٰت لِّقَوم يَعقِلُونَ".. فمن نظر الواضح حوله وأبصر الموجود ولم يهتد بعقله إلى إرجاع الأمور لأصلها فإن تعقلنه قد شابته شوائب واعترته نوائب... وجاء في هذا السياق خمسة أوجه يجب عدها واعتبارها، وكل مثال منها يدل على حالة واقعة في التعقل المجرد.. كقوله تعالى: " وَفِي ٱلأَرضِ قِطَع مُّتَجَٰوِرَٰت وَجَنَّٰت مِّن أَعنَٰب وَزَرع وَنَخِيل صِنوَان وَغَيرُ صِنوَان يُسقَىٰ بِمَآء وَٰحِد وَنُفَضِّلُ بَعضَهَا عَلَىٰ بَعض فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَٰت لِّقَوم يَعقِلُونَ " وكقوله تعالى: "إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهلِ هَٰذِهِ ٱلقَريَةِ رِجزا مِّنَ ٱلسَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ يَفسُقُونَ وَلَقَد تَّرَكنَا مِنهَا ءَايَة بَيِّنَة لِّقَوم يَعقِلُونَ"... فمن سره أن يدخل البحث العلمي فهذه أوسع أبوابه، وفيه في مجال اللغة والبلاغة والتفسير بقدر ما موجود في مادة علم النفس التي تقومها علوم الاجتماع والأنثروبولوجيا والتاريخ...

التعقل الغير موفق:

   وجاءت بهذه الصيغة 12 مرة في كتاب الله تعالى، وكلها لم يتحقق فيها التعقل ولم يتوفق صاحبها وإن كانت له مؤهلات ذلك، ولكنه آثر التقاعس على الاجتهاد واتبع هواه فحاد به عن التعقل، وذلك كقوله تعالى:"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَل نَتَّبِعُ مَا أَلفَينَا عَلَيهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَو كَانَ ءَابَاؤُهُم لَا يَعقِلُونَ شَيا وَلَا يَهتَدُونَ" وكقوله تعالى: "وَإِذَا نَادَيتُم إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُوا وَلَعِبا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُم قَوم لَّا يَعقِلُونَ" وكقوله تعالى: "وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنعِقُ بِمَا لَا يَسمَعُ إِلَّا دُعَاء وَنِدَآء صُمُّ بُكمٌ عُمي فَهُم لَا يَعقِلُونَ"...

   وإذا سأل سائل هل هناك علامات يعرف بها المؤهل للعقلنة المجردة أو يسلك بها صاحب العقلنة الغير موفقة، نقول له علينا أن نبحث في أنوار حروف التعقل ولو على مستوى الجذر "عقل" وهو في الواقع مشروط أن يعرب كلمة التعقل في جملتها القرآنية حسب السياق الذي أتت فيه.. فلا يوجد في واقع التعقل غير ما ذكر في كتاب اله تعالى وهذه صورة الأس من الكلمة:

   وهناك صيغ أخرى في كتاب الله ثابتة بذكرها في أي الله العظام، فيجب الانكباب عليها، لأنها ما نزلت إلا ليبين لنا ربنا بها حكمة بالغة لا يمكن تخطيها ولا يمكن الاجتهاد إلا على أنوارها وأسرارها كقوله تعالى " لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ " وجاءت في كتاب الله سبع مرات، وهي في كل مرة يكون فيها ترجّ لصاحب العقل لعله ينتقل من عقبات المعوقات إلى فسيح رحاب التعقل، فيمكن أن تسمى "التعقل المطلوب" وذلك كقوله تعالى:" بِسمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ حم وَٱلكِتَٰبِ ٱلمُبِينِ إِنَّا جَعَلنَٰهُ قُرءَٰنًا عَرَبِيّا لَّعَلَّكُم تَعقِلُونَ " وقوله تعالى:"... كَذَٰلِكَ يُحيِ ٱللَّهُ ٱلمَوتَىٰ وَيُرِيكُم ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ " وقوله تعالى: " قُل تَعَالَواْ أَتلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُم عَلَيكُم أَلَّا تُشرِكُواْ بِهِۦ شَيا وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنا وَلَا تَقتُلُواْ أَولَٰدَكُم مِّن إِملَٰق نَّحنُ نَرزُقُكُم وَإِيَّاهُم وَلَا تَقرَبُواْ ٱلفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقتُلُواْ ٱلنَّفسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلحَقِّ ذَٰلِكُم وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ "

   وجاءت وظيفة التعقل بصيغة التنبيه عليه بصيغة:" أَفَلَا يَعقِلُونَ" أو " أَفَلَم تَكُونُواْ تَعقِلُونَ" من قوله تعالى: " أَلَم أَعهَد إِلَيكُم يَٰبَنِي ءَادَمَ أَن لَّا تَعبُدُواْ ٱلشَّيطَٰنَ، إِنَّهُۥ لَكُم عَدُوّ مُّبِين وَأَنِ ٱعبُدُونِي، هَٰذَا صِرَٰط مُّستَقِيم، وَلَقَد أَضَلَّ مِنكُم جِبِلّا كَثِيرًا، أَفَلَم تَكُونُواْ تَعقِلُونَ " وقوله تعالى: "وَمَن نُّعَمِّرهُ نُنَكِّسهُ فِي ٱلخَلقِ أَفَلَا يَعقِلُونَ"...

   هذه الأوجه من التعقل أساسيات في العد ومبينات في الوصف، ولا يوجد وجه من أوجه التعقل لا يدخل تحت عباءتها، فالمطلوب أن يبحث كل وجه منها على قواعد البحث البيولوجي والسوسيولوجي والأنثروبولوجي... حتى يمكن أن تشخص كل حالة وتبين علاقتها بسلوك الفرد أو معوقات سلوكه ومدى علاقتها بوظائف الأعضاء الظاهرة والباطنة كقوله تعالى: " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ " وقوله تعالى: " وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ"... ومن أنواع التعقل ما يكون مخصصا كقوله تعالى: "وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ" أو بعكسها تماما من أهل الكفر والضلال كقوله تعالى: "ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" والله الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب وهو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب..

ب- التفكر من أعمال العقل:

   الفكر هو استعمال العقل في ما هو معلوم لديه للوصول إلى معرفة مجهول عنه، أما إن سبقت معرفتها فتسمى تعقل.. وأما الفكر والتفكر فهو الاستعانة بما ترسخ في الذهن والذاكرة من معلومات، وتوظيف بعد النظر والاستعانة عليها بوظائف أعضاء أخرى كالحواس الخمس أو العشر أو ما يقاس عليها... وهذه ملكة جعلها الله من وظائف العقل ولها من الأهمية ما يرقى بتوجه الإنسان حسب ميوله وسلوكه وتوجهه.. فيبقى الفكر والتفكر ثمرة العقل وما وعى، متداخل مع السلوك وما اكتسب...

   الفكرة ميدانها التفكر، وتعتمد على العقل ومرونته وخصائصه في التصور وبعد النظر، ومدى شواهد مختلف الحواس وسلامتها وبداهة تجاوبها (وسوف نعمق القول في هذه المصطلحات ومعانيها لاحقا في البحث) وهي أنوار التوجيه وبها يقوى على المواجهة، والفكرة نور للقاصد وبها يدرك المقصود.. لكن لها ضوابط تقومها ومنارات توجهها، فلا يدخل بها في ساحات الهوى فيذبل عودها وتفسد ثمرتها، ولا يدخل بها فيما لا تطيقه فلا تكلف إلا في الـمُطاق ولا مطلوب إلا في المقدور عليه قال ﷺ: "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله" وآلاء الله هي ما أمر الله بالتفكر فيها وهي جميل صنعه وبديع حكمته (كما سيأتي بيانه) وأما ذات الله أو فعل الله... فذلك يخرج عن إمكانيات الفكرة وطوقها وسبق ذكر قوله تعالى في الروح: " وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ ٱلعِلمِ إِلَّا قَلِيلا" وإذا كان هذا بأمره فماذا يكون عن فعله أو ذاته وهو القائل سبحانه: " لَا يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ"..

   الفكرة إن أحسن توظيفها طرقت أبواب القلوب، وإن صاحبتها الجوارح سالمة من العيوب فإنها تدخل حضرة علام الغيوب، قال الجنيد: أشرف المجالس، الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد، وقال ابن عطاء: ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.. والعمل على الفكرة أو أدب التفكر مطلوب لضرورته وقد جاء كتاب الله العزيز بجميع أدبياته وذكر جميع أبوابه ومعوقاته، يبقى للباحثين وضعها في إطارها المطلوب والتنظير لها على الوجه المرغوب.. فلا ضير أن يطلب من أهل التفسير البحث في أروقة الطب، أو الأطباء الباحثين أن يعرجوا على كتاب رب العالمين وأحاديث سيد الأولين والآخرين، وهذه بعض من أوجه البحث:

   - جاء التفكر بصيغة الحال في خمس مواقع من كتاب الله المبين كقوله تعالى: "وَمِن ءَايَٰتِهِۦٓ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم
أَزوَٰجا لِّتَسكُنُواْ إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّة وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَٰت لِّقَوم يَتَفَكَّرُونَ " فالتفكر المطلوب هنا متعدد الأقطاب قطبه الأساسي في تحقيق التساكن في الزوجية، وقطبه العملي في إبراز عنصري المودة والرحمة التي جعلها الله بينهما، والقطب القصدي هو قطب التوحيد الذي خلق وييسر فتبارك الله أحسن الخالقين.. فيمكن أن يسمى هذا الصنف من التفكر:"التفكر الملزوم"..

    وفي نفس السياق جاء قوله تعالى: " هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاء لَّكُم مِّنهُ شَرَاب وَمِنهُ شَجَر فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ ٱلزَّرعَ وَٱلزَّيتُونَ وَٱلنَّخِيلَ وَٱلأَعنَٰبَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَة لِّقَوم يَتَفَكَّرُونَ " وكذلك قوله تعالى: " ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلبَحرَ لِتَجرِيَ ٱلفُلكُ فِيهِ بِأَمرِهِۦ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضلِهِۦ وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرضِ جَمِيعا مِّنهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَٰت لِّقَوم يَتَفَكَّرُونَ"... ولا يضنن متفرد بالقراءة الظاهرة أن التفكر بظاهر عن باطن يجزي ولا بمقام عن التزام يكفي، ولكن التفكر هو شامل كامل.. واسألوا الله من فضله..

   - وجاءت بصيغة التمني أو الترجي كقوله تعالى: "يَسأَلُونَكَ عَنِ ٱلخَمرِ وَٱلمَيسِرِ قُل فِيهِمَا إِثم كَبِير وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثمُهُمَا أَكبَرُ مِن نَّفعِهِمَا وَيَسأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلعَفوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرُونَ" وقوله تعالى: " وَأَنزَلنَا إِلَيكَ ٱلذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ"...ويمكن أن يسمى هذا الصنف من التفكر: "التفكر المطلوب او المنشود"

   - وجاءت آيات بصيغة التنكر كقوله تعالى: أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ أو: أَوَلَم يَتَفَكَّرُواْ.. كقوله تعالى: " قُل لَّا أَقُولُ لَكُم عِندِي خَزَائِنُ ٱللَّهِ وَلَا أَعلَمُ ٱلغَيبَ وَلَا أَقُولُ لَكُم إِنِّي مَلَكٌ إِن أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُل هَل يَستَوِي ٱلأَعمَىٰ وَٱلبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ"...

   أما إذا أردنا أن نعرب ما يمكن إعرابه من أس الكلة الربانية فإننا نلخصها في: "فكر" ولكل آية إعراب خاص بها لمن أراد الوقف على مجريات انوارها كاملة وهذا إعراب لأس الكلمة وشرح لبعض معانيها فيما يأتي:

ج- التدبر من جواهر العقل:

   ورد مصطلح التدبر في كتاب الله تعالى، وهو أخص من التفكر وأعمق منه، وكأنه يدل على التفكر في عواقب الأمور أو دبرها والنظر إلى ما تؤول إليه من عواقب.. فإن كان التفكر من أعمال العقل في الاستشهاد على ما لم يتم تعقله (وهو ما تم التعرف عليه قبلا) فإن التدبر هو التعقل والتفكر في أبعاده، ثم النظر في عواقبه وما يمكن أن ينتج عنها من الموافقات أو المخالفات، ولذلك كان مطلوبا للمتدبر استعمال حواس أعمق وإمكانيات أدق، ولذلك لا يكون أدق ولا أعمق إلا ما ورد بالحق، ولذلك يقول ربنا: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ أَم عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقفَالُهَا" فحقيقة التدبر تتخطى طور العقل المجرد إلى القلب المطمئن بالإيمان، فتنظاف مهمة التفكر إلى ما ترسخ في القلوب الحية (وليست كل القلوب مؤهلة للتدبر لأن بعض القلوب عليها أقفال الغفلة، لا تفتح بحيلة ولا مشاركة لها في حكمة التدبر)..

   والتدبر مطلوب ومشروط وواجب في أعمال العقل وأرقاه تدبر القرآن بدليل قوله تعالى تعالى: " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ "؟؟؟ فالتدبر مشروط لكل القرآن، وهذا يحيلنا إلى غير ما نحن عليه في التعامل مع كتاب الله قال ربنا: " كِتَٰبٌ أَنزَلنَٰهُ إِلَيكَ مُبَٰرَك لِّيَدَّبَّرُواْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلبَٰبِ" فلا يجوز سلخ تلاوة آياته من تدبرها، ولا تكمل بركته إلا بتدبره، ولو تدبره المسلمون لتأكدوا أنه كتاب الله قولا وفعلا، ولتعاملنا معه تعامل العبد مع مولاه... وهذه دائرة ربانية تجمع أنوار التدبر على كلمة "يَتَدَبَّرُونَ" ومن تدبرها كان أبلغ لتدبره قال ربنا: " أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱختِلَٰفا كَثِيرا" وهذه دائرة الإعراب فيما يلي:

 

 

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire