بعض من أسرار آية القوامة الشريفة..

هذه الآية نزلت في امرأة خاف زوجها نشوزها فلطمها على وجهها، و قدِمت مع أبيها تشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال أبو المرأة: يا رسول الله، أفرشته كريمتي فلطمها، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لتقتص من زوجها.. و المقصود أن تلطمه كما لطمها، و هذا هو القصاص..

و عندما همّا بالخروج نزلت هذه الآية الكريمة العظيمة... فقال صلى الله عليه و سلم: أردت شيئا و ما أراد الله خير.. أو قال: أردنا شيئا فأراد الله غيره.. أو كما قال صلى الله عليه و سلم..

فجمهور كبير من الناس لم يفهموا معنى الحديث و لا مغزاه و لا مرماه.. و كثير أصّل له بالسند و المتن و غفل فيه عن النور الذي خرج منه الحديث و هو إن شئت قلت نور الحديث، و إن لكل حديث نورا كما سيأتي فيما بعد بحول الله و حسن توفيقه..

فحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم حقيقي، و لا يزال الحكم به قائم، فقد جاء محققا في الحادث و في النازلة و قد شرعت له الآية الشريفة، فيجب التنبه لذلك..

و أما ما قاله صلى الله عليه و سلم بعد ما نزلت الآية: أردنا شيئا فأراد الله غيره.. أو ما أراد الله خير.. أن الله سبحانه عز شأنه و تعزز سلطانه أراد أن يقوم علم كامل في علاقة المرأة و الرجل و فقه قائم بذاته مبني على قواعد علمية ثابتة، مدعم بأنوار ربانية في هذا العلم الرفيع الذي لم تسبق إليه حضارة، بل هو أصل كل حضارة و تقدم و تمدن..

فهذا العلم واضح و كامل و شامل في مضمون هذه الآية و منطوي في حروفها، يعلمه العلماء بالله، و لا ينكره إلا أهل الغرة و العياذ بالله..

أما من أراد البحث العلمي فليستشهد على معالمه و دلائله المادية فله ذلك، و لا يمنع أحد من ذلك، إنما يجب أن ينطلق البحث من حقيقة الأصل و من طبيعته حتى يكون للبحث أصل و يكون به نفع، أما و أن تؤخذ الفكرة في الظلام، و تناقش على الهوى، فإن ذلك معاكسة الحقيقة و تناقض مع أصل الطبيعة.. (وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ٨٥ )..

الرجل و المرأة أساس كل حضارة و كل تقدم و رقي و ازدهار، و صلاح بينهما متوقف على الصلاح في كل منهما، فلا رجل بدون امرأة و لا امرأة بدون رجل، قال تعالى: (وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ).. فلا جنة لآدم بدون حواء و لا جنة لحواء بدون آدم، ولا مستقر لآدم وحواء بدون جنة، ولا مبرر لوجود جنة بدون آدم وحواء... (وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا).. فمن تأمل القرآن في حق آدم عليه السلام يعرف معنى كرم الله لآدم وزوجه.. فالجنة التي أوجدها الله له جنة الدنيا الربانية أو تسمى "جنة الكرم والعطاء"، وليست جنة الآخرة كما يتوهم البعض، والتي هي "جنة الآخرة والجزاء".. لأن جنة الآخرة تنال بالعمل في الدنيا قال تعالى: (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٣٢)..

أما جنة الكرم والعطاء فلها وجهتان، أولاهما منن الكريم المعطي وهي لا تفتر ولا تنقطع أبدا، وثانيهما متوقفة على استقبال الإنسان لها وتأهيله لاستمرارية إمدادها، ويشترط فيه انعكاس نعمتي الكرم والعطاء بامتثال أوامر الإمداد والانتهاء عن نواهي القطع والإبعاد (وهذه مقاصد وحقائق الطاعة والعصيان.. اما العزيز الحكيم فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية).. قال تعالى: (إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ)..

أما موقع ابينا آدم في الآيات الكريمة فهو الذي يبين أسس هذا الخلق مع التكريم والتخصيص والمحافظة.. أما في الخلق فأمره تعالى: وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ... وأما التكريم فحكمته تعالى في تعليم آدم ابتداء: وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ ...

وأما التخصيص فكان من كرم الله أن يخلق منه زوجه ويضمن له قوته وحياته بدخولهما الجنة: وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا... فدخل آدم وزوجه الجنة ولم يغرسا غرسا ولم يحرثاحرثا ولم يصونا أرضا.. دخلها وهي مصانة عروشها ناضجة ثمورها متسعة أركانها بحكمة من أنشأها وسخرها وقال له فيها: كُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا..

فالرغد في اللغة له تشبيه، لكنه على الأنوار حكم وتنبيه " رَغَدًا " حسن التجاوز يبقيه وكمال حسن الصورة وسيلته والطهارة غايته وامتثال أمر الله منزلته.. أما الحيثية فلها عند النحاة ظرفية مكانية، وقد سلمها الكريم لمشيئة آدم في الاختيار: حَيۡثُ شِئۡتُمَا.. أما على الأنوار فلها ضوابط تحميها.. فاتساع رقعة المكان رحمة بآدم عليه السلام، والخوف من الله صيانة له، وعلى المستفيد أن ينصف نفسه بين هوى نفسه وأوامر سيده ومولاه...

فكل هذا كان هبة إلى آدم وزوجه ليعلم (الباحثون في العالم) ما هو أصل وطبيعة العطاء الرباني.. ولم يكن لآدم وزوجه إلا قانون واحد، أو فصل واحد (بلغة العصر) هو: (وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ)...

ومن هنا على كل باحث جاد أن يستنتج أن الأوامر الربانية التي وردت في الأديان إنما كانت لسعادة الإنسان فقط ولا لشيء دونه، ولكل عبادة معينة جهة بعينها تحرسها أو تحفظها أو تنميها سواء في الشخص العابد أو محيطه القريب أو البعيد>، فعلى قدر تنوع العبادات تكون حاجة العبد إليها، وقد آن وقت البحث والتحقيق في هذا الباب .. فعلى علماء الدين ألا يغيبوا الوجه الأساس لامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه حتى يسهل فهمها ويترسخ العمل بها.. وعلى علماء المادة أن ينتهجوا ما يرضي ضمائرهم في البحث العلمي الحقيقي (وإن اضطهدتهم الشركات الممولة أو المؤسسات الحاضنة) فإن حقيقة العلم لا تكمل إلا بحقيقة الحرية وسلوك الاستقامة...

ولا أترك هذا الباب (ويلزمه بحث أعمق وفيه أسرار الحياة البشرية) دون التنبيه إلى هذه الأنتروبولوجية الإنسانية التي لم تحض (إلى الآن) ببحث كاف، وهو تدرج البعد البشري بالمعاصي عن الخلقة الربانية التي فيها الكمال البشري.. وقياسها في خلقة آدم وهباته، ثم تدحرجه وهبوطه من مقام التكريم إلى مكان التكليف... وهكذا وبمرور السنين على ذرية آدم يكون العصيان فيكون النقصان، حتى يصل المجتمع باتباع النفس والهوى والشيطان أدنى مؤهلات الحياة الكريم فيكرمه العزيز الحكيم بنبي أو رسول ينعش الأمة بإحياء قوانين الحياة الربانية، حسب ما ترتب عليها من غلو أو كفر وعصيان...

وهكذا توالت النبوءات والرسالات على الأمم الآدمية حتى حصرت في زمن بني إسرائيل باكتمال كل أنواع الغش والعصيان والكفر، فكانت رسالة نبي الله موسى في إنقاذ من آمن من قومه من سبعين خصلة كفرية بموجب حكم رباني، وذلك وجه تفضيل لبني إسرائيل كما ورد في القرآن: يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٤٧.. فوجه التفضيل لبني إسرائيل هي الأحكام التي وردت في التوراة بحيث لم تدع فعلا ولا سلوكا معارضا للدين على تواتر الأجيال الإنسانية (واجتمع في أمتهم) إلا وصدر فيه أمر بالنهي أو الإصلاح أو الإتيان... فلما قال تعالى لموسى عليه السلام: وَأَنَا ٱخۡتَرۡتُكَ فَٱسۡتَمِعۡ لِمَا يُوحَىٰٓ ١٣... فالخيرية كانت من الله حكما وعلما حتى قال الحق في هذه الخيرية: وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ.. وكثرت المصادر في تفسير الآية ولا أرى أقربها دلالة إلا رواية سفيان رغم تضعيفها.. والآية الشريفة لها أبعاد ، لأن نبي الله موسى لم يختر من قومه سبعين رجلا.. ولكنه اختار قومه (ممثلين) في سبعين رجلا!! فما هو نوع الاختيار وكيف كان أساسه، ولماذا سبعين بالضبط؟؟؟

فالتمثيل السبعيني كان للتأكد من تبليغ نبي الله موسى في نازلة (وهذا لم يختلف عليه أحد من المفسرين) والمقصود بها هو التوبة إلى الله، فكان اختيار نبي الله للسبعين بعلم رباني ومعرفة تامة وشاملة بكل السلوكات المنحرفة السبعين في بني إسرائيل بحيث مثّل كل فرد من السبعين ملة في العصيان أو نحلة في الفسوق.. وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ.. ولعل هذا يجيب على ما نحن بصدده، وتفسير الآية أعلى وأرقى من أن يكون قصصا أقرب من الحكاية أو الخرافة (إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ وَقُرۡءَانٞ مُّبِينٞ ٦٩ لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّٗا وَيَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ٧٠)

وهذه الملل والنحل الإسرائيلية (وهي مذكورة في كتاب الله بكل عناية حسب توالي السور في المصحف الشريف، ومع الأسف الشديد لم يتنبه لها أحد من الباحثين إلى الآن...) وهي التي في تضاد السبعين شعبة من الإيمان التي أخبر بها الرسول الكريم في رواية: الإيمان بضعٌ وسبعون شُعْبة، فأفضلُها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعْبة من الإيمان... وهو نفس المعنى للحديث الشريف الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي...

ومن سره معرفة الربط بين الحديثين نقول له أن السبعين خصلة تمت في اليهود، فمن آمن بما جاء به موسى عليه السلام فقد استبرأ لعهده ودينه، ومن كفر فقد زاد على السبعين خصلة فكانت إحدى وسبعين ، وبعد مبعث عيسى عليه السلام كانت السبعين ظلمة زيد عليها الكفر بموسى كليم الله وبعيسى روح الله فكانت إثنى وسعين خصلة.. وفي عهد نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت الخصال الإسرائلية مضاف إليها الكفر بموسى وعيسى وكذلك الكفر بسيد الأولين والآخرين فكانت 73 فرقة كلها في النار، إلا من آمن حق الإيمان بهذا الرسول الأمين ليخرج من ظلمات البعد والشقاء إلى نور القرب واللقاء قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦٓ ءَايَٰتِۢ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٩) .. فعلى الباحثين الجادين في التوحيد أن يبحثوا في تشخيص حقائق الملل والنحل لبني إسرائيل بالبحث في كتاب الله العظيم وتأكيدا بسنة الرسول المصطفى الكريم، وكلها سلوك وتتعلق بمنهج الحياة ولا شيء دونه (ولي الفكرة في مشروع هذا البحث العظيم منذ زمن قد يسمى: بنو إسرائل كما ورد في القرآن أو خصائل بني إسرائل في القرآن، أو شعب الإيمان بين الإساءة والإحسان... أسأل الله التوفيق فيه والحفظ له حتى لا يصنف ضد السامية!!! )..

وجدت نفسي مضطرا للجنوح إلى هذا التحليل (ولا أعتبره خروجا عن الموضوع) لأنه يؤصل إلى السعادة بين الناس وعلى رأس هذه القائمة السعادة بين الزوجين، فإنه إن كان الفلاح بينهما فالفلاح فيما بعد ذلك أسهل وأمتن، وإن كان الفشل في الجمع بينهما فإنه يستحيل الجمع فيما كان أصله مفرقا وطبعه مشتتا...

فإذا علم هذا يجب أن يعلم معه أن السلوك الرباني يجمع الطبائع على اختلافها، وعلى قدر إيمان العبد تهون صعابه وعلى قدر تخلقة تلين أعصابه وعلى قدر جادته ينال المرام ويعم السلام...

ولنرجع إلى جوهر موضوعنا: فقه المعاشرة..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire