في معنى قوله تعالى: (الــم)

ألف (ا)

إشارة إلى جميع الأشياء ، و تكون الإشارة في بعض الأحيان من المتكلم لذاته، أو إلى الشيء القريب القليل أو القريب المناسب، و هي إشارة سالمة من القبض و هذا بالتوالي حسب الفتح و الضم و الخفض..

لام (ل)

حصول المتكلم على شيء عظيم أو تكون الإشارة إلى شي عظيم أو الشيء الذي لا نهاية له و تكون كذلك إشارة من المتكلم إلى وجود ذاته.. بالتوالي كذلك حسب إشارات الحرف..

ميـم (م)

لجميع المكونات في الفتح و في الضم تشير إلى العزيز القليل و في الكسر إلى نور الذات..

 

فإذا استقرأنا المعاني نجد ما يلي:

أن الإشارة في الألف تدل على أن الحق سبحانه و تعالى يدل على عظمته بنفسه و كأنه يقول سبحانه جل شأنه: إِنَّنِيٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدۡنِي وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ ١٤ .. و الدلالة منه تعالى إليه سالمة من القبض، يعني لا يُقبض و هو القابض و لا يُقهر (وَهُوَ ٱلۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡخَبِيرُ ١٨) و لا يُغلب و هو الغالب (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٢١).. و هذه الإشارة من الحق إنما هي لمن حقت له الإشارة و هم أهل القرب من الملائكة المقربين و بعد ذلك من الأنبياء و المرسلين و الأولياء و الصالحين، و جاء هذا المعنى موضحا في أكبر آية التوحيد التي يشهد الحق بها لنفسه بنفسه: شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١٨..

فبما أن الألف السرياني من (الم) داخل هنا في الحرف القرآني فيجري عليه كذلك حكم أنوار الحرف، فهو من حروف القبض، و يدل على امتثال الأمر، و إذا نظرنا إلى هذه الآية نجد فيها أن الألف أكثر الحروف ثبوتا، و لا ندخل في عدده لكيلا نخلط و نبقى في المعنى الظاهري، فشهادة الحق بالحق للحق هي شهادة الحق، و أما الملائكة و أولوا العلم، فشهادتهم للحق أنه الحق و أنه لا إله إلا هو هي قيامهم بالقسط بما أمر به الحق، و به يكون قيام أولوا العلم بالقسط مواليا للقيام الملائكي بالقسط، و لذلك جاءت كلمة " قَآئِمَۢا " بالمفرد، لأن الفعل واحد هو امتثال أمر الواحد، و من أراد الاستفاضة في الآية الكريمة فلينظر إلى معنى (بِٱلۡقِسۡطِۚ) و معنى (قَآئِمَۢا) بالحرف القرآني.. وهذا ما سنبينه خلال هذا البحث..

و إذا نظرنا إلى باقي المعاني من اللام و الميم فنجد أن الحق يشير إلى عظيم خلق الله و كل خلق الله.. و كأن الحق يقول أنظروا إلى عظمة خلقي لتعرفوا عظمتي، و انظروا إلى صنعي لتعلموا قدرتي و حكمتي و إحاطتي و علمي (إِنَّ فِي ٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَّقُونَ ٦) فلا يسعنا إلا أن نقول كما علمنا ربنا: (رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٩١ )..

و إذا وقفنا مع الميم على الخصوص نجد أنها تدل على كل المكونات و العزيز القليل و نور الذات، و هناك يظهر جليا أن الحق يدل على أن للمخلوقات و لجميع المكونات أصل و هذا الأصل مستمد من عزه سبحانه و هو نور و أصل الذوات كلها، و للميم من حروف القرآن الذكورية و هي من حروف الآدمية، فأول الخلق آدم عليه السلام و منه زوجه، و بسر الله صين هذا النور من الصلب الطيب إلى الرحم الطاهر حتى وصلنا هذا السر و هذا النور و هذه الرحمة، و لا يجوز أن نقول أكثر من ذلك، لأن الكثير لا يطيق ذلك، و من كان له لب فقد أدرك سر ذلك..

فإذا رجعنا إلى أقوال السلف الصالح رضي عنهم و أرضاهم نجد أن سيدنا ابن عباس قال في معنى (الم): أنا الله أعلم.. فمن راجع المعنى يجد أن قوله صحيح و أنه قالها عن دراية بالأسرار..

و قال كذلك: هو قسم أقسم الله به وهو من أسماء الله..

و عنه كذلك و عن ابن مسعود و وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (الم) فهو حرف اشتق من حروف هجاء أسماء الله جل ثناؤه..

و عن قتادة و عن مجاهد و عن ابن جريج : اسم من أسماء القرآن.. و هي كذلك تسمى بها في الظاهر و في الباطن ، و كانها إشارة إلى تعريف خاص بالسور، فالسور التي تفتتح مثلا ب: (ألم) تجد أن الألف هو الحرف الأكثر ثبوتا في السورة و بعده اللام و بعده الميم، و هذا يعني تعريف بدلالات السورة و معانيها كقولك أن أغلب الآيات في سورة البقرة على حرف القبض و ثانيها على حرف الرسالة و ثالثها على حرف الآدمية.. أو تقول الحيز الأوفر من الآيات في السورة المذكورة تدل على أهل الكفر و الظلام و في المرتبة الثانية حرف الرسالة الذي يدل على الصبر و الدلالة على الحق و الزهد في الدنيا و شهواتها و الصنف الثالث من الآيات يدل على حرف الآدمية و هي الآيات الذي تتناول الأنوار التي اودعها الحق في بني آدم و أقدرهم عليه.. و هكذا يصح تسمية (الم) أسماء للسور أو تعاريف لها..

و عن ابن عباس أيضا : حم و طسم و الم: هو اسم الله الأعظم.. و إذا محصنا النظر نجد فعلا أنها اسم الله الأعظم المعظم المخزون المكنون المصون و ذلك إذا أحلناها على المعنى السرياني و موقعها في الحرف القرآني، ف: "الم" و قد سبقت الإشارة إليه فلنأخذ على سبيل المثال (حم)..

فالحاء السريانية تدل على الإحاطة و الشمول للجميع و للكم الداخل في الذات أو الخارج منه أو ما عليه ولاية الذات..

و الميم و سبقت إليه الإشارة و هو نور الذات و العزيز القليل...

و جمع المعاني يكون أنها إشارة إلى سر الله الساري في جميع المخلوقات و المكونات، و هذا السر هو أصل الأنوار كلها، فهو بالله مصون و عنده مخزون و مكنون..

و كذلك قياس كل تأويلات السلف الصالح من الصحابة و التابعين و العلماء العاملين و الأولياء و الصالحين، فتبارك الله أحسن الخالقين، فمثلا قول الشعبي: فواتح السور من أسماء الله، و قول مجاهد: فواتح افتتح الله بها، و عكرمة: قسم، و ابن عباس: اسم مقطع... فإذا تأملت تجد أن هؤلاء الأولياء فعلا ورثوا أسرار هذا العلم من منبع واحد و مشرب واحد، هو سنة الحبيب عليه أفضل الصلوات و أزكى السلام..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire