تنبيه في غاية الأهمية:

هذا العارض لا يكون في الرجال "الذين في قلوبهم مرض" فحسب، ولكنه يكون في النساء اللائي أصبن به وتمكن منهن، ويعتبر لهن قرين، وعندما تكون النساء بينهن في الحفلات الخاصة فإنهن يتكشفن أو يتبرجن بكل سفاهة ضانين انهن في معزل عن الأنظار الضارة، والنساء العاقلات الرصينات يلاحظن ذلك في بعض النساء الشاذات، فتراهن يتطلعن بالنظر في النساء المميزات خصوصا الفتيات، وكأنهن رجال ساقطون (وهن كذلك)..

على العموم هذا مجمل ما هو في هذا الباب، ولا شك أنه مرض العصر، ونساء كثر ابتلين به بغير علم، فلتراقب المرأة نفسها على السلم المذكور، فيستحيل للمرأة ان تجد متعتها في انوثتها والعارض بين جنبيها، كما أن للرجال عارض شيطاني نسائي، إذا تمكن منهم، فإنه يغير في الرجل سلوك الرجولة ويجعله يجد نفسه أكثر قربا من سلوك النساء (ولا أقول الشذوذ الجنسي فذلك أمر آخر) كأن تجده يحب الكلام والضحك والألوان وتنوع المأكولات والعطور ويهتم بمظهره... .

ومن تأمل هذا في أوساطنا الحالية سواء من النساء اللائي يقبلن على أشغال الرجال أو سلوكهم المخصص في السير اليومي كالكلام أو اللباس أو القرار أو طريقة التفكير... أو من الرجال الذين يجدون في سلوك النساء اليومي أو العملي مكانا ولوذا، ولا يجدونه في أعمال الرجال ما يقربهم منها... ويظهر هذا مع الوقت على النساء المترجلات أو الرجال المأنثون ويغير حتى من مظهر المرأة فتراها كالرجل تقريبا في كل شيء، وعلى الرجل فتراه كالمرأة تقريبا في كل شيء...

وهذا من كيد الشيطان وسوء قرانته بالإنسان، ومن تعمق يجد لها أيدي خارجية تغذيها ومخططات تشيدها وحقوق تصونها وتدافع عنها، وإلا من أوحى للرجل أن يتخلى عن رجولته ويغصب حق زوجته وبنته وأخته حتى تلاحظها أعين الغير وتثبت سفهه الذي لا ينكره، وتفرض عليه حقوقا يطبقها طوعا أو كرها (ولكن من نوع آخر ورجولة بشكل آخر)..

وأود أن أختم هذه المعضلة الحضارية التي يستحيل معها أن تقوم للأسرة ولا للمجتمع المتوازن قائمة، وقد بين الرسول الكريم لكننا لم نعطها حق البحث حتى نفهم أبعادها، قال صلى الله عليه وسلم: لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء ، والمتشبّهات من النساء بالرجال.. وفي حديث آخر: لَعَنَ اللهُ المُخَنَثِينَ مِنَ الرّجَال وَالمُترَجّلاَتِ مِنَ النّسَاءْ...

أما للفصل بين سلوك الرجال وسلوك النساء، ولو أنه كان بينا في زمن مضى لكنه لم يبق منه إلا التاريخ (حتى وإن ادعته بعض الدول أو المجتمعات بقوانين ظاهرة فقط أو سلوكات تعتمد على الجلابيب والخمر على الوجوه) والناظر إلى أعماق النتائج عند النساء أو الرجال يجدها أكثر مما هي في المجتمعات السافرة أو الإباحية..

باختصار: للرجال انوار وللنساء أنوار، وبينهما انوار مشتركة، لو أقيمت بمجهودات بسيطة، عاشت الأسر في رغد من العيش من قوة السعادة التي يجدون، قل المال عندهما أو كثر، وهي كما يلي:

نأخذ الكلمات من قوله تعالى: ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰبَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌحَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَنُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا..

ذكرت الآية كاملة لأهميتها، أما ما نود بيانه أولا فهما كلمتي: ٱلرِّجَالُ و: ٱلنِّسَآءِ..

هذين الاسمين لهما حروف (أنوار) مشتركة، وهي الألف واللام الأولى ثم الألف الخامسة للمد عند الرجال والنساء على السواء، ومعلوم أن الألف دائما للامتثال واللام للعلم الكامل، فيكونا مشتركين فيهما معا، وذلك معنى قوله صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال.. (في الأحكام).. وأما في الحقوق والواجبات فقال صلى الله عليه وسلم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له..

فعند الرجال تبقى أربعة حروف:

الراء: لها من الأنوار حسن التجاوز، وذلك ما يلطف الرجل في الأحوال ونقيضاتها، ويزيل عنه صلابة الطبع في الشيء إذا أحبه أو أبغضه مع المرأة وطباعها الأصلية، فأول ما يزن الرجل في بيته هو هذا النور، ولذلك قال الرسول الكريم: خيركم خيركم لأهله، وانا خيركم لأهلي..

الجيم: الصبر، وهو التحمل، وحمل المسؤولية في البيت وكل ما يتعلق به، وهو من شروط الرجال، ومن انتقص فيه الصبر افتضحت به عورة البيت وتأذت منه المرأة والمحيط الأسري، ولذلك قال نبي الله زكريا في مصابه ومكائد أبائه: فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖوَٱللَّهُ ٱلۡمُسۡتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ.. وقال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ..

أما الألف فلامتثال أمر الله في هذه الأنوار وترتيبها والسير على مقتضاها..

وأما اللام الثانية فهي للعلم الكامل، وهذه المرة ليس لعلوم الشرع ولكن لعلوم التحقيق في ما يتعلق بالأسرة (فإن للأسرة علم خاص يختلف باختلاف الأفراد وأحوالهم وطبائعهم ومستوى معيشتهم) ولذلك سمي السير فيها علما..

أما عند النساء فتبقى ثلاثة فقط:

النون: ولها من الأنوار الفرح بالله، وقد اطلع الحق سبحانه على لطافة طبع المرأة وكثرة أحاسيسها وإشراقة ابتسامتها وسهولة دمعتها وخيبة نفورها وإعراضها، فوجهها العليم الحكيم إلى توحيد الفرح، وهو الفرح بالله وحده لا شريك له، لكي تفرح ولا تقرح أبدا، وتضحك ولا تبكي أبدا، وتقبل على الله ولا تدبر أبدا... اما إذا أقبلت على الماديات فإنها لا تقنع أبدا...

أما السين فلها من الأنوار خفض جناح الذل، وجار هذا النور لخاصية وأهمية، ذلك أن المرأة إذا أشرف فيها نور الفرح بالله فإنها تشرق بجمال باطني ولو لم تكن لها أي سمة من سمات الجمل الظاهري، اما إن كانت تحمل منه بعضا فإن زوجها يوقرها ويقدرها بما لا يكيف ولا يقال، وبما أن طبع المرأة ملال وجب هذا النور الثاني الذي هو خفظ جناح الذل، ومعناه قبول الآخر بالحنان الموجب للطأطأة والخضوع، قال تعالى لرسوله الكريم موصيا بالمؤمنين: وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ .. وقال تعالى موصيا بالوالدين: وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ..

وهذا النور إن دل على شيء فإنما يدل على أن المرأة لو سقيت بنور الفرح بالله لا يصل مقامها أحد، ولذلك نعتت بما نعت به البار للوالدين أو الرسول الذي يحمل أثقال امة (فافهم هذه الأنوار الربانية في المرأة المرنية)..

اما الألف الأخير فهي للامتثال بهذين النورية: النون والسين فقط، ففيهما السر الأكبر لفرح المرأة بربها وسعادتها بإسعاد أسرتها، وحمل خلف هو الضامن لاستمرار هذا المخلوق البشري الذي لا يكون إلا على يديها...

ولسلوك الرجال والنساء أسرار في الواقع لم تعط حقها في البحث العلمي الرباني، وقد أصل لها كتاب الله وشرّع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عليه دأب الصحابة والتابعين، والصالحون في كل زمن وحين، إلا انه دخلت بدع على سلوك المجتمعات فأفسدت جوهر العلاقة الزوجية بإضافة مصطلحات وتوجهات على القيم والأخلاق فحولتها عن مسارها وعوضتها بحقوق وواجبات لا تقرب إلى الحقوق ولا إلى الواجبات بصلة..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire