تفسير علمي مفصل:

خلال العشرين سنة الأخيرة، توصل العلماء إلى اكتشافات غاية في الأهمية، تبين مدى تعقيد المهام القلبية في إرسال الإشارات الحسية والعاطفية (émotionnels) والبديهية (intuitifs) لكي يعيننا على ترشيد حياتنا، عكس ما كان يعرف عنه أنه مضخة للدم ومنظم للنبض.. وبمهامه العديدة والمعقدة، أصبح في متناول العلماء التأكد ان القلب يسيّر وينظم كثير من الأنظمة في الجسد ويؤهلها للاشتغال بنظام وانتظام مع بعضها، وبما أن القلب على اتصال دائم مع العقل، أصبح مؤكدا أن له قرارات خاصة يتفرد بالكثير منها، ولا يراجع العقل فيها..

وعلى هذا أصبح التأكيد العلمي أن القلب ليس محلا للعواطف فقط، ولكنه أصبح محلا للذكاء وللقوة أيضا.. ولكي يخرج الإنسان من هذه القوقعة المادية المتماسكة، يجب عليه ان يبحث طرقا بديلة في ذكاء القلب ومهامه المنظمة..

قبل ثلاثة عقود فقط كان الطبيب عندما يجس نبض المريض ويجد ان قلبه يدق بمعدل 70 نبضة/د.. كان يطمئنه أن قلبه في حالة جيدة... ولكن بعدما وجدت آلة قياس جديدة تقيس تقلب معدل ضربات القلب (VFC) (variabilité de fréquence cardiaque)، وهي درجة تذبذب مدة الانقباض عند القلب أو بعبارة أخرى: هو الفاصل بين الانقباضات، وهذا التحديد يكون من القلب نفسه الذي هو مستقبل الضغط (barorécepteurs) بتفاعلات مختلفة متعلقة بالجهاز العصبي اللاإرادي.. ويشير التباين المرتفع إلى القدرة على التكيف الفوري أو التحمل الصالح في القلب على الإجهاد، وبالتالي يعتبر هذا عامل ودليل ومؤشر على الصحة والسلامة.. وعكسه أن الاختلاف الذي يحدث بشكل طبيعي في ضربات القلب هو في الواقع علامة على المرض وارتفاع في الرقم القياسي للمشاكل الصحية في المستقبل...

إذن آلة قياس تقلب معدل ضربات القلب (VFC) هي آلة قياس مرونة القلب والجهاز العصبي معا، وبذلك أصبح الخبراء بواسطة الصور المتوفرة بهذا الجهاز، يراقبون إيقاع نبضات القلب، ومن خلاله المهام الداخلية للتواصل بين القلب والدماغ والجسد... ومن خلال بعض الصور المتميزة للنشاطات العصبية (neurologique) أو الكيميائية الحيوية (biochimique) أو الفيزيائية (biophysique) أو الكهروميغناطيسية (électromagnétique) المتولدة من التحولات النوعية بين نبضات القلب توحي لنا أنها لغة ذكية من خلالها يرسل القلب معلومات إلى باقي الجسد.. ومن خلال آلة القياس هذه بدأ المتخصصون في جامعة سان دييجو يفهمون كيف يتعامل القلب والجهاز العصبي مع الإحساسات السلبية كالخوف والقلق، والإيجابية كالمحبة والأمل...

ولزيادة البحث في الموضوع، توجد على النت بهذا العنوان وغيره مما ذكر خلال البحث، وعلى الخصوص كتاب نتيجة بحث صدر في 2005 عن العالمين شيلدر وهور ماتان (Lew Childre et Howard Martin) تحت عنوان: مخابرات القلب البديهية (L'intelligence intuitive du coeur) وقد سبقت الإشارة إليه، وهناك غيره من الأبحاث لا تقل أهمية ذات صلة بالموضوع، على علماء اللإسلام والاجتماع الاطلاع عليها ..

باختصار شديد، فالقلب يضخ الدم، ويضخ معه الإحساسات التي تؤثر حسب طبعها على العقل فيتفاعل معها ويتفاعل معهما باقي الجسد.. فإذا قال الحق سبحانه: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا".. فلإن حقيقة العقل تكون من القلب ومؤثراته كما سبق ذكره.. "أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"..

فإذا رجعنا إلى أول انوار الشفاء وهي الياء ومعناها الخوف من الله تعالى، فيبقى المعنى واضح، أن القلب إذا انتظم بتوحيد الأحاسيس وعلى رأسها الخوف من الله، فإنه ينبظ بخوف إيجابي يفرز العقل بجميع مرافقه هرمونات نافعة مقوية من شأنها أن تجعل التوازن الكلي في المريض.. فإذا استقر حاله وأحس بالمتعة من تدفق هرمون الدوبامين على منطقة الجبين فإنه يحس بالمتعة بدل الخوف، فإن استقر حالة فتحت له أبواب التعاطف والتراحم، وذلك يرفع من نسبة الهيمونوجلوبين (immunoglobulines A (IgA) الذي ينتجه الجهاز المناعي للمخاط، والذي يشكل أول خط للدفاع ضد السموم (toxines) والعوامل المعدية في البيئة (agents infectieux présents dans l'environnement).. وارتفاع نسبة الهيمونوجلوبين يزيد للسليم منعته ضد الإصابة بالمرض، ويعيد للمريض صلابته وقوته في مقاومة المرض والتهيئ للشفاء..

2) النور الثاني للشفاء هو حرف الشين: وله القوة الكاملة في الانكماش..

الانكماش هنا معناه الانقباض على النفس ومراقبتها، والقوة فيه هي مراقبة الشاذة والفاذة فيها كما يقال.. فإن كان التسيب السلوكي هو السبب في المرض بدليل قوله تعالى: "وإذا مرضتُ" وأن ذلك التهور هو الذي كان السبب في اضطراب أعضاء الإنسان الظاهرة والباطنة، وحصل من ذلك فلتان في المهام العضوية، وتعطلت بعض مهام أعضائه كان من الضروري ترشيد المهام الحسية والمعنوية لمنع ذلك التسيب السلوكي بالقوة الكاملة في الانكماش...

وهذا النور له خصائص ى ينفرد بها الفكر أو الجهاز العصبي، ولكنه قرار مشترك بين القلب والعقل، فالنور الأول الذي هو الخوف من الله أصل لا بد منه في هذا النور القراري في الانكماش عن فعل شيء أو تلهور والتسيب في اقترافه (النور وعكسه)، وهذا المحل هو "ميدان النفس"..

فإن كان الفؤاد فارغا أو القلب مختوما، صدرت منه إحساسات منكوسة ومخاوف سلبية، يتفاعل معها العقل بإجراءات عصبية معكوسة، فتكون: "النفس الأمارة بالسوء "..

وإن بدأ القلب يوجل بالخوف الإيجابي بعد المرض أو أثناءه، فإنها تصدر من القلب إحساسات إيجابية، ولكن يكون العقل لم يتعود بعد على القرارات الصائبة، فيكون القرار خاطئا والملامة من القلب عليه، وهذه "النفس اللوامة"..

أما وإن امتزج صفاء القلب باستجابات العقل والجهاز العصبي فتلك النفس المطمئنة.. وقد سبق الكلام عن المفس فيما سبق فلا نكرر ما قيل..

أما تسلسل الأنوار في كتاب الله فهو ثابت والعمل به مطلوب قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى.. والخوف من الله هو النور الأول للشفاء، ونهي النفس عن الهوى هو النور الموالي.. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى.. ومعناها في الدنيا جنة المعارف الربانية، وهي جنة القرب من الله تعالى والتلذذ بمدده وإمداده.. وفي الآخرة جنة الزخارف.. (وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)..

وعكسه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى .. (وهذه أكدار المرض) فالطغيان هو تجاوز الحد في ظلم الناس.. ولا يكون إلا من محبة الدنيا وإثارتها على كل شيء فلذلك قال تعالى: وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا.. فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى.. جحيم الدنيا بالأسقام والعلل وعدم الاستقرار، وحجيم الآخرة (وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire