معنى التغيير أو التعديل الوراثي للكائنات:

في أوائل القرن العشرين بدأ علم الوراثة، عندما اكتشف أن الصفات الوراثية عند النبات تنتقل وتتبع قانونا إحصائيا دقيقا، وهذا موجود في طبيعة النبات والبذور، ذلك أن النباتات عندما تتقارب بينها وهي من فصيلة واحدة وأنواع مختلفة فإنها تتأثر فيما بينها وتفرز عن أصل ثالث له مواصفات من النبت الأول وأخرى من الثاني.. وكان أول من دخل بالتجربة إلى ميدان العمل العلمي "ماندل".. الذي أعاد التجربة بالبذور الجديدة وأصبح القانون يحمل اسمه في علم وراثة النبات..

وبعده "مورجان" الذي تبع ذبابة الفواكه ليتحكم في الصفات الوراثية في مدى ترابطها وظهورها في السلالات المتوالية، وتطور بحثه في مراقبة السلالات الأخرى فوجد أن بعض الصفات تنتقل من الذكور إلى الإناث ومن الإناث إلى الذكور عند الأبناء... .

ثم اكتشف الحمض النووي في إنجرلترا سنة 1956 فزاد الاهتمام، وتولدت علوم أخرى كعلم الأحياء الجزئي والهندسة الوراثية (génie génétique) وعلم الأحياء الدقيقة (microbiologie) ...

باختصار شديد: موضوع التغيير الوراثي في النبات أو الكائنات الحية عموما، أصبح يتجاوز طوق البحث العلمي الحقيقي، لأنه أصبح أداة سياسية بامتياز، تتجاذبها الأطراف المهيمنة كأدوات ضغط وسيطرة وتحكم وربح... وتحيط بها هالات تحرزية وسياجات قانونية مدعومة بأبحاث محبوكة بشطن ودعائم... وخلاصة تعريفه كما يلي:

الكائن المعدل وراثيا (organisme génétiquement modifié (OGM)، وانا أفضل كلمة "المغير" وراثيا، وإن كان هناك معنيين متضاربين، فإن كان "التعديل" فهو المسموح به شرعا، واما المغير فهو الممنوع والحرام (وهذا ما سنبينه)..

فالكائن المغير وراثيا هو الذي تدخلت أيادي الإنسان في تغيير موروثه الجيني أو حقيقة بنيته الجينية، بإدخال جينات أخرى عليه، ويمكن أن تكون هذه الجينات اصطناعية وليست طبيعية، حسب التعريفات الجديدة لبعض الدول!!...

وهذه العملية (الإدخال الجيني) (transgénèses) هي نقل جينات وراثية بين أنواع منفصلة تماما كإنزاع جين من يراع الدودة وإدخاله في ثور مثلا.. وكذلك ينفع في الأصناف المتصلة عندما تعجز الأرض أن تنبت مزروعا أو يفشل المحصول في إعطاء ما يراد منه في أرض معينة (كما هو الحال في كثير من المحاصيل كالدرة والسوجا والبطاطس... .

فالتقيات الجديدة لهذا النحو الفلاحي "الصناعي" وتطبيقاتها المحتملة خصوصا في المجال الطبي والزراعي فتح بابا كبيرا من الجدل والتفكير الأخلاقي، كما فتح بابا لحرب تجارية لا هوادة فيها.. ومنذ 1990 اندلعت هذه الحرب في ساحات الكائنات المعدلة وراثيا ضمن التكلنولوجيا الحيوية، وبدأت الاستثمارات الكبرى من الدول كما من القطاع الخاص..

كانت هذه الفلاحة "الصناعية" لا وجود لها على الأرض في سمة 1993، وفي سنة 2011 (حسب جمعية غير حكومية في التكنولوجيا الحيوية (ISAAA) قفزت إلى 160 مليون هكتار.. 50 % منها في الدول النامية، وهذا يمثل 3% من الأراضي الفلاحية على وجه الأرض... "استثمرت" منه أمريكا بشرهها و"تقدمها التكنولوجي" 17% من أراضيها الفلاحية منها 47% من الأراضي الصالحة للزراعة...

وحسب نفس المصدر المذكور، ارتفع منسوب الفلاحة التجارية في الدرة والسوجا والقطن سنة 2011 بأزيد من 160 مليار دولار، و بالنسبة للبذور 13.2 مليار دولار.. .

كثير من المنظمات العلمية العالمية، وخصوصا المجلس الدولي للعلوم (Conseil international pour la science) يؤكدون المواد المغيرة جينيا (OGM) التي يتم الاتجار فيها لا خطر فيها على صحة الإنسان، وأن مخاطر انتشارها هي تحت المراقبة... لكن بعض المنظمات الأخرى كالجنة المستقلة للبحث حول الهندسة الوراثية (Comité de recherche et d'information indépendantes sur le génie génétique (CRIIGEN) بفرنسا، ولوحة العلوم المستقلة (Independant Science Panel) في أنجلترا، يجيبون: أن الدراسات التي أجريت لم تقم على قرائن صلبة وهيئات الاعتماد لا تعد كافية.. وأن جميع الاحتياطات تفشل في منع التلوث الجيني للبيئة على مستوى الاراضي الفلاحية.. فبدأت ضدهم الجمعيات المناهضة للفلاحات المتغيرة جينيا... .

وهذه السنة 2016 وانا أكتب هذا الموضوع، اطلعت على خبر أذهلني في الموسوعة الحرة: أن 100 حاملي جائزة نوبل طلبوا من منظمة السلام الأخضر العالمية (Greenpeace) إيقاف حملاتها ضد "الكائنات المغيرة وراثيا" (d'arrêter ses campagnes anti-OGM)، مبينة أن هذه منتوجات فلاحية سليمة، وأنه لم يثبت لها ضرر على الناس ولا على الأرض ولا على الفلاحة، وهي تعمل على إشباع الجوعى ورفع مستوى وتقليص عدد وفيات الأطفال من جراء سوء التغذية!!!..

ومن تأمل هذا فقط (و بروية) يعرف كيف جمعت هذه 100 جائزة نوبل على كلمة ورأي واحد، وما هي الإجراءات والطقوس التي كانت حولها الاستعدادات وبروتوكولات الموافقة.. ثم الإجماع حول الكلمة الختامية... ومن هنا تفهم من هي هذه المنظمات المستفيدة من هذه "الفلاحات.. الصناعية.. التجارية.."... وربما يطرح أكثر من سؤال حول "جائزة نوبل" نفسها، وما هي المعايير التي تمنح بها... (واطرح بعد هذا ما بدا لك من أسئلة)، وتصور الجواب!!!..

موضوعنا هذا طويل وشائك، والخروج منه إلى برّ النجاة شاق وفيها عقبات كؤود... تلك عقبات العابثين بحقائق الأمور ورقائقها ودقائقها، لم يعرفوا من الحياة إلا ما رُبح فيها من ماديات، وحُصّل فيها على امتيازات، وما انتصروا فيها على جبهات... لا يهمهم إلا تقوية شوكتهم، ولا يعملون إلا على تمكنهم ومنعتهم.. إذا بطشوا جبارين، وإذا سالموا غدارين، وإذا سايسوا مكارين.. أولئك جيش الظلام.. أولئك الظلام نفسه، وأولئك هم الضالون بعبثهم والمضلون بشطنهم.. وَمَن يُضۡلِلۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٧٨..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire