بيولوجيا العقيدة (biologie des croyances)

العنوان يتكون من كلمتين: العقيدة والبيولوجيا، وهي بيولوجيا المعتقدات، أو تأثير المتعقد على البيولوجية الحيوية.. وما اهتم علماؤنا بهذا النوع من الطرح الفهمي وهذا راجع إلى عدم التخصص فيه، رغم ثبوته في كتاب الله بقوة، ووجوده في سنة رسول الله الفعلية القولية والتقريرية، ولكن الفهم الديني لعلمائنا انساق مع وجه واحد من التفسير (وإن كان أرقاها وأعلاها) هو الإيمان والتصديق، لكن لا أحد يجرؤ على القول: أن البحث في أعماق الأمور ليس بحثا في حقائق الإيمان ولا مرقى من مراقي اليقين والاطمئنان.. فالعلم من العليم والحكمة من الحكيم، ومن أخذ بأسباب الله كان حقا منتهاه إلى سيده ومولاه.. والحكمة ضالة المؤمن، حيث وجدها فهو أحق بها لأنه أنفع الناس بها (هذا هو التعليل)...

ولا داعي للخوض في معنى العقيدة، وإن كان اختصارها ما احتوى عليه ختم الأديان ومجمع أركان الإيمان ومراقي التوجه بها والقصد فيها بالإحسان، ومرجعه إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى القرون الأولى من الصحابة والتابعين، والمقصود بمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، هم الذين طبقوا ذلك حسب المنقول وأثبتوه في المعقول ولم يخالفوا به نقولا ولا عقولا ولا علوما ولا فهوما ولا أصولا...

العقيدة الصحيحة لها دلالات وشواهد، ولها مرآة طبيعية تعكس أنوارها وتنطق بأسرارها.. هذه المرآة هي الإنسان المعتقِد نفسه، فمتى بسقت منه أغصان صدق وأوراق يقين وثمار رحمة، فتأكد من سلامة عقله ورصانة قراره وسلامته في حله وترحاله، فإن تأكدت لك هذه الشواهد فتيقن من جذور عقيدته أنها صحيحة وسليمة وصالحة..

وللعقيدة مبتدى ومنتهى، ومبتداها منصوص ومعلوم لا يخفى على أحد من العلماء (أما ما اختلف فيه فلا يجب أن يدخل في المعتقد، ولا يجب ليّ أعناق النصوص عليه كما هو الأمر الآن.. ولا يخفى على أحد).. أما منتهاه فإلى الله، وأما السير فيه والدلالة عليه فمن الدين، والنصوص فيه ثابتة.. فقد ثبت أن الرسول الكريم دخل على صحابي ووجده قد مرض مرضا شديدا، فسأله: هل كنت تدعو الله بشيءأو تسأله إياه؟ قال: كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدنيا ! قال: سبحان الله، لا تطيقه أو لا تستطيعه.. أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. فدعا له الرسول الكريم فشافاه...

هذا هو السير العقدي الذي نتكلم عنه، ونود تعميق البحث لما ورد فيه من أثريات المعتقد وانعكاساته على المعتقِد به، (وأرجو لبعض فقهائنا أن يسع صدرهم لهذا ولا يتهمونا بالكفر...) وينفع فيه التصحيح والترشيد والتنوير.. ونحن في أمس الحاجة إلى لملمة جميع النصوص الواردة في الباب سواء من كتاب الله وسنة رسوله الكريم، فوالله الذي لا إله إلا هو، أن فيها الأجوبة الكافية الشافية لكل الأسئلة المطروحة في الموضوع...

باختصار شديد، مقصودنا أن المعتقد يؤثر في "بيولوجيا الجسد"، وإذا قلت أن السلوك من فروع الاعتقاد، فالاعتقاد أساس الإيمان، والمقصود أن كل شعب الإيمان هي شعب للاعتقاد السليم والصحيح، فإذا قال الرسول الكريم: الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شُعْبة، أفضلُها قولُ: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعْبة من الإيمان..فلو لم يكن في علم الحديث إلا هذا القول لدلنا على أوسع أبواب البحث على أن القول الحق هو الذي يحمله الفعل الصريح ويسير به الحال الصحيح، ولا يغني القول على الفعل ولا يغني الفعل عن الحال... وهذا معلوم عند أرباب السلوك والسير والترقي في عبادات التفكر والتدبر وأعمال القلوب..

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire