أ- الطعام الطيب الحلال:

هي المواد الغذائية مما تنبت الأرض أو حيوانية التي تعيش في الأرض، والتي من شأنها تضمن للإنسان ما يحتاجه من مواد البناء والطاقة (البروتينات والماء وبعض المعادن)، والمواد الحافظة لتقوية بنيته ومنعته (الفيتامينات والمعادن والمغذيات الدقيقة والألياف الغذاية..)، وكذلك الوقود والطاقة حتى يوفر للجسد ما يحتاجه ( الدهون والكربوهدرات...) وهذا ما يعرفه العلم الحديث، وبرزت فيه تخصصات مهمة تخدم البشرية في التوجه إلى النظام الغذائي السليم، وتبين الخلل الذي ينجم عن عدم توازن الإنسان في مطعمه ومشربه وتوجهه... ومع ذلك لا يزال يفتقر إلى آليات تقنية ومعرفات ربانية معمقة... وقرارات سياسية كذلك تحمي الفرد من هيمنة المتاجرين ولو كان ذلك على صحة البشر...

هذه المواد معلومة ولو أن العهد حديث بها لكنها بدأت تركب صدارة المعلومة القيمة المتبادلة، فبعد عقود قليلة لا بد أن يشملها القرار السياسي برمتها كما هو الحال في بدئ فعلها في المناخ وغيره...

إنما الذي نود ان نلفت الانتباه إليه، وهو من الدين، وورد في كتاب الله العزيز الحكيم، ولم يتنبه إليه علماء التغذية، ويجب أن يدخل في حسبان ميكانيك الكموم الذي ينظاف إلى الأنظمة الغذائية السليمة.. وهو عنصر رابع رباني سلوكي.. إن شئت قلت له قوة حمل المكونات الدقيقة والمواد البانية والعناصر المغذية.. أو إن شئت قلت روحها، وهي بمثابة الروح البشرية في الجسد الإنساني.. وهي التعامل السلوكي مع العنصر المغذي، سواء كان في زراعته او فلاحته أو معالجته أو أخيرا استهلاكه... وهذا كله نبهت إليه الآيات العظيمة وبينت له السنة المطهرة الشريفة.. ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار أخذ العنصر المغذي والمادة الغذائية وهذه بعض النصوص التي تدل على ذلك:

يبين القرآن الكريم أن عنصر الغذاء يجب ان يكون منتقى من بين عناصر أخرى، يشترط أن يصحب بسلوك معلوم دون غيره وذلك قوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ.. فأكل الطيب مشروط، ومعه العمل الصالح... وهذا يحيل على قواعد فيزيائية أخرى تلوح في آفاق الباحثين: أن العمل الصالح يصلح النبات والثمار ويزرع فيها البركة والفائدة قال تعالى: وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ ... وهذا موضوع آخر في فيزياء وكيمياء التكوين (سنطرق إليه في وقته) وهو يبين على علاقة في انعكاس الأعمال والأحوال على المحيط والأركان...

كما يبين القرآن الكريم أعمالا بذاتها وأخرى يجب تجنبها، وكل فعل لها من الأنوار أو من الأكدار ما ينعكس على بني آدم صراحة على مستوى جهازه العضوي او النفسي أو الإحساسي..

قال تعالى في علاقة التغذية بشكرها: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ .. فشكر الله مشروط للمؤمنين الذين يتحرون الطيب (الحلال) في الأكل.. والشكر سلوك قلبي يصحبه توجه فكري وتنجم عنه انوار تنطق بمقتضى نورانية الكلمة: أشكروا.. و هي على التوالي:

أ: امتثال أمر الله تعالى، ش: القوة الكاملة في الانكماش، ك: المعرفة بالله عز وجل، ر: حسن التجاوز، و: الموت في الحياة، ثم أ: امتثال أمر الله على ترتيب الأنوار الربانية..

والمعنى بسيط لمن فتح الله عليه في الأنوار: هو أن من يشكر الله حقا على النعم فإنه ينعم بهذه الأنوار الربانية، فتنطق فيه بأسرارها وأنوارها، والكعس تماما لمن لم يشكر النعم.. فإنه يتعرض لزوالها بانعكاس انوارها وحلول أكدارها وهي:

أ: عدم امتثال أمر الله تعالى وذلك عصيان اوامره سبحانه، ومن سقط في ذلك فإنه ينغلق عليه نور الشين وتنفتح ظلمته وهي: التهور في أخذ القرار وعدم حساب العواقب، ومن دخل هذه الظلمة يغلق عليه نور معرفة الله عز وجل ويدخل في الجهل بالله (والعياذ بالله)، ثم تأتي الظلمات الأخرى تباعا: الوقوف مع الحوادث والأحوال، فالنشوة للحياة والدخول في المتع واللذات، ثم عصيان أمر الله في كل شيء وفي أي شيء...

ولم أبتعد قدر أنملة عن الموضوع الذي نحن بصدده "الطب الإسلامي" و "النظام الغذائي في القرآن والسنة"، وهذا يمكن إلحاقه بالفصل السابق في الطب النفسي الإسلامي، خصوصا في موضوع: ان القلب يضخ مع الدم السلوك المتوفر عليه، وأنه يتخابر مع العقل ومع باقي الجسد من خلال تنقل النبضات العصبية على المستويات الثلاث المذكورة :

على المستوى البيوكيميائي (biochimique) من خلال الهرمونات والناقلات العصبية (par les hormones et les neurotransmetteurs).. وثالثا على المستوى الفيزيائي الحيوي (biophysique) من خلال موجات الضغط (par les ondes de pression)...

ونريد من خلال هذا الطرح أن نفتح مجالا حيويا لبحث علماء النفس وخبراء الأعصاب أن يبحثوا في هذه الأنوار لعله يفتح أقرب الأبواب إلى خدمة الإنسان والمجتمع والمحيط البيئي القريب والبعيد...

ونحن نذكر هذا نذكر معه كثير من السلوكات المصاحبة للغذاء الحلال والطيب، وبدونه تكون فوائده ناقصة أو مقزمة، وذلك كالتقوى المشروطة مع أكل الحلال الطيب قال تعالى: وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ
وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ
.. فالتقوى هنا هي شرط من شروط الانتفاع بالحلال الطيب، وأنوار التقوى موقوفة على التسلك بها وهي في انوار كلمة "اتقوا"...

وكذلك قوله تعالى: كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَلَا تَطۡغَوۡاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيۡكُمۡ غَضَبِيۖ .. والطغيان لا ينفع معه أكل احلال ولا الطيب من الرزق، فإن الطاغي يدخل في أكدار الحروف بدل انوارها وهي كما يلي:

تعوق الحواس الظاهرة بدل كمالها، فيصبح يسمع ولا يسمع، ويبصر ولا يفهم... وهذه أكدار التاء وأنورها كمال الحواس الظاهرة، ويصبح وفنا ونجسا بالطاء بدل أن يكون طاهرا ومطهرا.. وبالغين تحل عليه نقمة تشويه الصورة الظاهرة بدل حسنها.. ويصبح متمسكا بالدنيا وأسبابها وذكائه فيها بالواو، بدل أن يفوض فيها الأمر ظاهرا وباطنا إلى مسبب أساببها ورب أربابها.. وبالألف يحصل له عصيان أوامر الله بدل الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه..

ومن أسرار السلوك الحامل لنعم الله تعالى مع رزقه الحلال الطيب تجد كقوله تعالى: كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ.. كذلك الأمر في انوار وأكدار: تعثوا.. ومفسدين...

و في قوله تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ حَلَٰلٗا طَيِّبٗا وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ.. كذلك الأمر في اتباع خطوات الشيطان، فإنه لا ينفع معه تحري الحلال الطيب مما تنبت الأرض.. وفي كلمة تَتَّبِعُواْ: سلوك الاتباع.. وفي كلمة: خُطُوَٰتِ: المنهج الشيطاني المتبع.. وفي كلمة ٱلشَّيۡطَٰنِۚ: مواصفات الشيطان الحقيقية سواء كان إنسيا أو جنيا أو أسلوبا أو نظاما...

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire