المدد الغذائي كما ورد في القرآن:

نريد أن نستقرئ (بالإضافة إلى المواد الغذائية التي مد الله بها عباده) بعض الهالات النورانية في الخلق والنشأ لطبيعة النبات ،وكذلك في التكوين والتحويل الذي يطرأ طبيعة ما أنبتته الأرض، ومن خلال ذلك نتعرف على أسرار ما ذكره الله جملة وما ذكره تخصيصا في كتاب العزيز وما الحكمة في ذلك.. أسأل الله أن يمهد لأفهام وأقلام تكميل ما بدأته وترشيد ما ذكرته وتصويب ما أخطأته.. هو حسبي.. لا إله إلا هو، عليه توكلت.. وعليه يتوكل المتوكلون..

لا بد قبل كل شيء نحاول أن نقيّم عمل الإنسان الجبار الذي لا ينتهي في تحسين مطعمه ومشربه بكل ما يتوفر عليه من وسائل منذ أن نزل إلى أرض العمل وإلى يومه هذا، ونقارنه بعمل القدرة التي لم تغب لحظة وإن كان البعض لا يعتبرها أو ينحو معها نحو التجاهل أو التحايل..

يقول الحق سبحانه في سورة الواقعة: أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ ٦٣ ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ .. وقيل في الآية ما يشفي الغليل، والواقع أن ما قيل قليل، ولو أن الحرث نفسه لا يفعله لأن الفاعل الحقيقي فيه هو الله وهو سبحانه يقول: وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ ٩٦.. ولو أن التشريع غلب على التحقيق في قول النبي الكريم: لا تقولن زرعت.، ولكن قل حرثت ..

فمن تأمل هذه الآية يسهل عليه فهم كل شيء بعدها فيما تنبت الأرض، وفي الطريقة التي تنبته، وفي الكيفية، وفي التنوع والتكاثر وامتصاص المواد النافعة وتشكيلها، وفي الإثمار، وفي الألوان والأذواق، وفي المحافظة على نفسها والمحافظة على جنسها... وفي ما لا يعلمه إلا الله... إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ..

من فهم هذا لا يمكن أن تغيب عليه حكمة الله النافذة في أصول النبات والإنبات فيما ينفع الناس في غذائهم ودوائهم... فما كانت بقعة من الأرض نافعة للحياة إلا أوجد الله فيها من الناس من يحمل نفس خاصية التربة والطبع، وأنبت فيها ما يليق بطبع التربة ونفع الناس، علم ذلك من عمله وجهله من جهله...

وكما يسعى الإنسان إلى إثراء رأيه وفهمه وتجربته من الشعوب والقبائل، فإنه يسعى في إثراء مطعمه ومشربه ومكسبه.. وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ... (فالتعارف على الأنوار يعرفه من يعربه).. ولا يجب أن يصبح الدخيل أصلا في النظام الغذائي والأصل فرعا ومتجاوزا، وقد أصبح هذا معلوما في كل الدول والشعوب التي تأقلمت مع الأطعمة السريعة والمواد الغذائية المستجلبة، وهذا لم يعد خافيا على أحد خصوصا في الأمراض المستعصية كالسرطان وأمراض القلب والشرايين... .

ومن فهم هذا لزمه أن يفهم معه: أنه من حسن إيمان العبد أن يعتقد أن الله سبحانه ما قصر في شيء يتعلق برزق العباد أبدا... ويجب أن يفرق بين الإحسان في الفعل الفلاحي (كالاعتناء بالأرض والمحاصيل والري وما إلى ذلك) والاجتهاد بالباطل، وذلك العمل بالمكر والخديعة (كما يحصل حاليا باستعمال المواد المكثرة للأثمار والمضرة بالإنسان وبسلالة النبات نفسه)... وهذا وإن ظن الباحث المتخصص أنه تقدم في الكشف على ألوف المواد الكيميائية الملوثة والضارة (وإن كان يصعب على الدول المتقدمة التصدي لها) فإنها توجد أمور أخرى متعلقة بسلوك الإنسان نفسه، وهي من اختصاص أهل القرآن لكن لم يتطرق إليها أحد بالتفاصيل التي تجب...

يقول تعالى في وصف سلوك بني إسرائيل مع نبي الله موسى: ۞وَإِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ فَقُلۡنَا ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنفَجَرَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۖ.. وهذا يدل على النقص الحاصل فيما يلزم الناس ييسره العليم الحكيم بواسطة أو بدون واسطة.. فهؤلاء كان ينقصهم ماء فاستسقى لهم موسى بفضل الله تعالى..

ومع ذلك يقول الحق لمن كان هذا نصيبه من المدد الرباني في ما يأتي من الآية: كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ مِن رِّزۡقِ ٱللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ.. وهذا يدل على أن ما رزقهم الله في كفاية، ولا ينقصون معه في شيء، فقط يلزمه عدم الفساد والإفساد.. ولكن فساد طبع غير القانعين لا يكفيهم ما فيه سر الله ونفعه، فيطلبون ما تشتهيه الأنفس وهم عن حقيقته غافلون، وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصۡبِرَ عَلَىٰ طَعَامٖ وَٰحِدٖ فَٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُخۡرِجۡ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلۡأَرۡضُ مِنۢ بَقۡلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَاۖ... فكان جواب لسان القدرة لهم: قَالَ أَتَسۡتَبۡدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدۡنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيۡرٌۚ ؟؟..

فما هو خير هو ما رزقهم الله (ولو كان يبدوا في مظهره انه طعاما واحدا)... وفي آية أخرى يبين العليم الحكيم أهل ذلك الغذاء قال تعالى: وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ.. والمن والسلوى وإن طال الكلام حولها، إلا انه رزق من الله فيه خصائص غذائية ووقائية وعلاجية من الأهمية بموقع، وهي عبارة على نوعين من الغذاء كما تدل عليه الكلمتان: ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ.. فالمنّ فيه مقويات جسدية كما تدل عليه الميم وذهنية كما يدل عليه النون.. والأخرى أكثر شمولا، للجهاز العصبي كما تدل عليه السين، وللتخصص في العلم كما تدل عليه اللام الثانية، والالتزام بالأوامر الربانية والموت فيها كما تدل عليه الواو، ثم لتقوية القلب على الخوف من الله تعالى... بالإضافة إلى انوار الألف واللام للتعريف وهما لامتثال أمر الله والعلم الكامل... هذا بعجالة، حتى يعلم أن لله حكمة في مده وعطائه، على العبد أن لا يتخطاها علما ويقينا..

فلما تدحرجت بنو إسرائيل عن حدود لياقة الفهم عن الله فيما رزقهم وبارك لهم، وسألوا الأدنى بدل الذي هو خير لهم، كان لهم ما سألوه، فأجابهم لسان القدرة: ٱهۡبِطُواْ مِصۡرٗا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلۡتُمۡۗ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلۡمَسۡكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِۗ..

فالذي يجب ان يفهم من هذه الآية العظيمة، هو الاعتماد على الأطعمة الأساسية في البلد، وتتبيلها بشكر الله والعمل الحسن، فإن الله يبارك ذلك ويزيد من فضله فيما انتقص، كما فعل موسى في انتقاص الماء، واما ما يستجلب فيجب أن يبقى مكتوب عليه بلغة اليقين: زيادة في الخير، وليست أصول فيه.. ويكون التعامل معه على هذا الأساس... .

0 Commentaire(s)

Poster un commentaire